هل تكفي تدابير الحكومة المغربية لتخفيف أزمة المياه؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

الرباط- للأسبوع الثاني على التوالي يغلق عبد الله طريح (صاحب حمّام شعبي في الدار البيضاء) محله أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء امتثالا لقرار السلطات المحلية التي أمرت بإغلاق الحمامات التقليدية والعصرية ومحلات غسيل السيارات لمدة 3 أيام في الأسبوع، في إطار خطتها لترشيد استهلاك المياه، إلى جانب منع تنظيف الشوارع والساحات بالمياه، ومنع سقي المناطق الخضراء والملاعب بالماء الصالح للشرب أو مياه الآبار، ومنع ملء المسابح العمومية والخصوصية إلا مرة واحدة في السنة.

يقول طريح للجزيرة نت إنه يعي الأزمة التي تواجهها البلاد في ما يتعلق بتراجع الموارد المائية، لكنه لا يفهم كيف يكون ذهاب المواطن مرة في الأسبوع إلى الحمام الشعبي سببا في تبذير الثروة المائية.

ويضيف “فوجئنا بالقرار، لم يتم التشاور معنا ولم يُطلب منا تقديم مقترحات للاقتصاد في الماء قبل اللجوء إلى الإغلاق”، مشيرا إلى أن هذا القرار سيكون له انعكاس سلبي على العاملين في الحمامات، وكلهم من الفئات الهشة.

واتخذت السلطات المحلية في معظم مناطق المملكة هذا القرار ضمن خطتها للتعامل مع تحديات الإجهاد المائي، وبينما يرى البعض أن الحمامات التقليدية -التي يبلغ عددها 12 ألف حمام في المغرب- ليست مسؤولة عن الوضع الخطير الذي وصلت إليه الموارد المائية وليست وراء الاستهلاك غير الرشيد للمياه يرى آخرون أن مثل هذه القرارات المرتبطة بالحياة اليومية للمواطنين ستنبههم إلى خطورة الوضع، وستدفعهم إلى تغيير عاداتهم في التعامل مع “الذهب الأزرق”.

تراجع الموارد

بدورهم، يتداول المسؤولون والخبراء على وسائل الإعلام المغربية مصطلحات مثل “أزمة حقيقية” و”وضعية حرجة” و”وضعية مقلقة” عند الحديث عن وضع الموارد المائية بعد سنوات الجفاف المتتالية، ورسم تقرير قدمه وزير التجهيز والماء في مجلس النواب صورة قاتمة عن الوضع المائي بعد سنوات من انحباس المطر.

وكشف التقرير أن مستوى المياه الجوفية انخفض خلال عامي 2022 و2023 بسبب الاستغلال المفرط لها، وسجل أهمها في مناطق تادلة (-5 أمتار) وبني عمير (-4 أمتار) وسوس (-4 أمتار).

ولم يتجاوز حجم الواردات المائية الإضافية 646 مليون متر مكعب في الفترة بين الأول من سبتمبر/أيلول و22 يناير/كانون الثاني 2024، وبلغ إجمالي المخزون المائي في السدود يوم 5 فبراير/شباط الجاري 3.71 مليارات متر مكعب، أي ما يعادل 23.1% كنسبة ملء، مقابل نسبة 31.9% سجلت في التاريخ نفسه من السنة الماضية.

ويتوفر المغرب على 153 سدا كبيرا، بسعة إجمالية تصل إلى 20 مليار متر مكعب، و141 سدا صغيرا ومتوسطا، و15 محطة لتحلية مياه البحر، بقدرة إنتاجية 192 مليون متر مكعب، و17 منشأة لتحويل المياه، لكن هذه البنية التحتية المائية لم تنجح في التخفيف من حدة الأزمة، مما استوجب اتخاذ تدابير طارئة أخرى.

واتخذت المملكة عددا من الإجراءات ضمن مخطط عمل استعجالي أعلن عنه وزير التجهيز والماء خلال لقائه مع البرلمانيين في لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة بمجلس النواب، وتضمن المخطط عددا من التدابير، من بينها: تسريع إنجاز سدود كبيرة ومتوسطة وصغيرة، وإنجاز آبار وأثقاب استكشافية لاستغلالها في دعم التزويد بالماء الصالح للشرب.

وتضمن المخطط أيضا إنجاز مشاريع تحلية مياه البحر لتزويد المدن الساحلية، ومواصلة برنامج إعادة استعمال المياه العادمة لسقي المساحات الخضراء وملاعب الغولف، وتكثيف الاقتصاد بالماء وتوزيع الماء الصالح للشرب، والتقييد في استعمال مياه السقي، إضافة إلى تجهيز محطات متنقلة لتحلية مياه البحر، وإنجاز مشروع الربط بين سد وادي المخازن وسد خروفة، ودراسة مشروع الربط بين أحواض سبو وأبي رقراق وأم الربيع.

الاستغلال المفرط

بدوره، يرى رئيس لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة في مجلس النواب محمد ملال أن الوضع الحالي هو نتيجة التأخر في تنفيذ عدد من البرامج والتدابير، لذلك يؤكد على “ضرورة اتخاذ إجراءات سريعة ومتوازنة تستهدف بشكل مباشر المجالات التي تشهد استهلاكا مفرطا وغير عقلاني للمياه”.

وأوضح ملال للجزيرة نت أن الاستعمال المنزلي للموارد المائية لا يتجاوز 15%، فيما يستهلك القطاعان السياحي والفلاحي نسبة كبيرة، مشيرا إلى أن الإجراءات التي أعلنت عنها الحكومة لوقف استنزاف المياه في الفلاحة غير كافية.

وقال “تم تدمير المياه الجوفية في بعض المناطق بسبب الاستعمال المفرط للمياه في زراعات تستهلك الكثير من المياه ومردوديتها ضعيفة أو متوسطة”.

وأضاف “في منطقة الغرب تتم زراعة منتجات تستنزف الموارد المائية بإفراط مثل الأفوكادو الذي لا يدخل في المائدة المغربية بل يوجه كله للتصدير، وهناك مناطق أخرى تنتج زراعات مستهلكة للمياه مثل البطيخ الأحمر، في حين يمكن الاستغناء عنها أو زراعتها بكميات محدودة”.

ويؤكد البرلماني أن “الخروج من هذه الأزمة يبدأ باتخاذ تدابير فورية توقف الاستنزاف المفرط للموارد المائية في المجال الفلاحي الذي يستهلك 85% من الثروة المائية”، مشددا على ضرورة المنع الفوري للزراعات المستنزفة للمياه، وإعادة النظر في خطط التصدير، وتوظيف التكنولوجيا في المجال الفلاحي لاقتصاد المياه واستعمالها بشكل عقلاني.

ويدعو ملال إلى إنشاء مؤسسة تقوم بالتتبع والمراقبة لحماية المياه الجوفية من التلوث والاستعمال العشوائي، مشيرا إلى ضرورة تفعيل دور شرطة المياه في ضبط ومنع أي تهديد أو استنزاف للموارد المائية.

معالجة المياه العادمة

من جهته، يرى الأستاذ الجامعي والخبير في الماء والبيئة عبد الحكيم الفلالي أن “الاستمرار في تنويع وتعبئة الموارد المائية قد لا يكون مجديا إذا لم يوازِه تطبيق سياسة للاقتصاد في الاستهلاك، خاصة في القطاع الفلاحي”.

وأشار الفلالي إلى ضرورة إعادة النظر في السياسة الفلاحية بإعطاء الأولوية للزراعات الإستراتيجية الأقل استهلاكا للمياه، مشيرا إلى أهمية تشجيع البحث العلمي لتطوير القطاع الفلاحي.

وقال للجزيرة نت “لا جدوى من تعبئة الموارد المائية وفي الوقت نفسه نقوم باستنزافها، هذا هدر للماء وللمال العام”، ويرى أن “الأزمة التي نعيشها اليوم لا ترتبط فقط بالتغيرات المناخية الموسومة بالجفاف، بل بالاستعمال المفرط للموارد المائية المتاحة”.

ويؤكد الخبير نفسه على أهمية توسيع استعمال المياه العادمة المعالجة، ويرى أن البرنامج الوطني للتطهير “لم يحقق الحد الأدنى من الأهداف المسطرة”، مشيرا إلى أن “الفرصة لا تزال متاحة لرفع حجم المياه العادمة التي يمكن معالجتها، وإعادة استعمالها في سقي المناطق الخضراء في مرحلة أولى، ثم في الشرب بعد توفير التقنيات اللازمة”.

كما يؤكد الفلالي على أهمية توسيع شبكة الربط بين الأحواض المائية، بهدف تشجيع التوزيع المتوازن للموارد المائية، ونقل الماء من المناطق الساحلية نحو المناطق الداخلية، ثم العمل على التعبئة الصناعية للسدود والمياه الجوفية من خلال قنوات نقل الماء، وهو ما سيشجع على استقرار السكان، ويدعم سوق الشغل، خصوصا في القطاع الفلاحي.

أما الخبير في الماء والبيئة محمد بنعطا فيقترح تعميم إنشاء محطات تحلية المياه في كل المدن الساحلية، ففي نظره “ستساعد هذه التقنية في تزويد هذه المدن بحاجتها من الماء الصالح للشرب، وأيضا تزويد المدن الداخلية أيضا”.

وأكد بنعطا في حديثه مع الجزيرة نت على ضرورة التسريع في تنفيذ الخطط المرسومة لأن التأخير سيفاقم الوضعية.

ولفت إلى أهمية إعطاء الأولوية لمعالجة المياه العادمة، وإعادة استعمالها في سقي المناطق الخضراء، مشيرا إلى أن نجاح توظيف هذه التقنية في العاصمة الرباط يستدعي تعميمها على باقي المدن، وقال “نعيش سابع سنة جفاف في 11 عاما، لقد أصبح الجفاف مسألة هيكلية، وينبغي التكيف معها بوضع تدابير مبتكرة، واتخاذ قرارات جادة وحازمة”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *