القاهرة– يتوقع المصريون خلال الأيام المقبلة أنباء عن رفع سعر صرف الدولار الأميركي في البنوك إيذانا بـ”تعويم جديد” كما جرت العادة خلال السنوات الأخيرة.
ورجّحت وحدة الأبحاث في بنك مورغان ستانلي الاستثماري الأميركي تحريك سعر الصرف إلى ما بين 40 و45 جنيهًا مقابل الدولار، من مستوى 30.92 جنيها، مما سيكون “فرصة جيدة لتسوية تراكم العملات الأجنبية، و تضييق الفجوة بين أسعار السوق الرسمية والموازية”، وفق الوحدة.
يأتي ذلك بعد إعلان الحكومة عن صفقة “رأس الحكمة” الاستثمارية المشتركة مع الإمارات والمنتظر أن تدر على مصر دخلًا بقيمة 35 مليار دولار.
وجمعت مصر نحو 5.6 مليارات دولار بين أبريل/نيسان 2022 وديسمبر/كانون الأول 2023 من بيع حصص في 14 شركة مختلفة مملوكة للدولة، وفق مورغان ستانلي.
وتوقعت وحدة الأبحاث في البنك الأميركي أن تمهد الصفقة الاستثمارية في رأس الحكمة الطريق أمام “التعديل الذي طال انتظاره في سوق العملات” في إشارة إلى التعويم، والذي اعتبره الخطوة السياسية الرئيسية الأخيرة للحصول على قرض أكبر من صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن يتجاوز 10 مليارات دولار (مع تمويل إضافي متعدد الأطراف).
وتراجع الدولار في السوق الموازية إلى مستويات تتراوح بين 47 جنيها وما يزيد عن 50 جنيها بقليل، من مستويات فاقت مستوى 70 جنيها خلال الشهر الماضي، وسط حالة من الترقب وتعاملات أغلبها من الأفراد.
وتعاني مصر شحًا في الموارد الدولارية دفعها إلى اللجوء إلى صندوق النقد في 2022 لاقتراض 3 مليارات دولار وفق برنامج مدته 46 شهرًا، لكن مراجعات الصندوق (التي تمهد لصرف أقساط القرض) تعثّرت بعدما أحجمت مصر عن تنفيذ تعهدها بالانتقال إلى نظام مرن لسعر الصرف وأيضًا نتيجة بطء التقدم في بيع أصول حكومية، وفق رويترز.
الصفقة الكبرى
وأعلن مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء المصري الجمعة الماضية، تفاصيل المشروع الاستثماري الأجنبي المباشر الأكبر على الإطلاق، وفق هذه التفاصيل:
- مشروع عقاري سياحي تحت اسم “رأس الحكمة الجديدة” تبلغ مساحته 170.8 مليون متر مربع (نحو 40 ألفًا و600 فدان).
- من المتوقع أن يدر المشروع 35 مليار دولار خلال شهرين منها 24 مليار دولار سيولة مباشرة، و11 مليار دولار ودائع إماراتية سيتم تحويلها بالجنيه المصري في المشروع.
- المشروع ضمن مخطط التنمية العمرانية لمصر لعام 2052.
- ثمة توقعات بأن تستقطب المدينة الضخمة ما لا يقل عن 8 ملايين سائح إضافي إلى مصر.
- تتوقع الإمارات استثمار ما لا يقل عن 150 مليار دولار طوال مدة تنفيذ المشروع، لمصر 35% من أرباح المشروع.
وقفزت السندات السيادية المصرية الدولارية أكثر من سنت واحد، اليوم الاثنين، مواصلة الارتفاع الذي حققته الجمعة بعد إعلان الاستثمار المشترك مع الإمارات.
وأظهرت بيانات “تريدويب” أن السندات المقومة بالدولار استحقاق 2029 حققت أكبر المكاسب، إذ ارتفعت بما يصل إلى 1.8 سنت ليجري تداولها عند نحو 85.3 سنتا، وهو أعلى مستوى لها فيما يزيد قليلا عن عام.
تعليق صندوق النقد
قال مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وشمال أفريقيا في صندوق النقد الدولي، جهاد أزعور إن رأس الحكمة “تطور اقتصادي جيد”، لكنه غير مرتبط بمباحثات الصندوق مع مصر.
وأكّد، في تصريحات متلفزة، أن المباحثات مع مصر للمراجعة الأولى والثانية معتمدة على البرنامج الذي وضعته الحكومة المصرية في 2022، ويرتكز على محاور لها علاقة بتعزيز الاستقرار الاقتصادي وإعادة الحركة للنموالاقتصادي من خلال دور القطاع الخاص وتعزيز الحماية الاجتماعية.
وشدد أزعور على أن مرونة سعر صرف العملة المحلية هي أساسًا في برنامج إصلاح الاقتصاد المصري لحمايته من الصدمات.
وقالت جولي كوزاك، المتحدثة باسم الصندوق، الخميس الماضي، إن المحادثات مع مصر لتعزيز برنامج قرض من الصندوق تحرز تقدما “ممتازًا”، وإن البلاد تحتاج إلى “حزمة دعم شاملة للغاية” للتعامل مع التحديات الاقتصادية، ومنها الضغوط التي تفرضها الحرب في غزة.
وتبلغ الفجوة التمويلية في مصر للعام المالي 2023 /2024 حوالي 7 مليارات دولار، بحسب معهد التمويل الدولي.
ارتفاع الأسعار
ويقول سيد أحمد، مواطن مصري لـ”الجزيرة نت” إنه يقرأ عبر صفحات التواصل الاجتماعي عن تطور سعر صرف الدولار ارتفاعا وهبوطا، لكن أسعار السلع لا سيما الغذائية ماضية في ارتفاعاتها مع قرب حلول شهر رمضان المعظّم.
وتستورد مصر غالبية حاجيات مواطنيها الذين يزيد عددهم على 105 ملايين نسمة مما يعني أن الحاجة إلى الدولار لا تتوقف، وقد أوقفت الإجراءات الحكومية بضائع مستوردة في الموانئ لتراجع القدرة على توفير الدولار للمستوردين.
وقال المتحدث الرسمي باسم رئاسة مجلس الوزراء، محمد الحمصاني، أمس، إن المجلس يعمل على توفير التمويل من النقد الأجنبي للسلع الإستراتيجية والأدوية.
وقال إن اجتماعا لمجلس الوزراء -اليوم- وجد أن إجمالي ما يوجد في الجمارك من السلع الغذائية، والأدوية، والأعلاف، تبلغ قيمته نحو 1.3 مليار دولار.
ماذا بعد؟
يقول الخبير الاقتصادي، سمير رؤوف للجزيرة نت إن صفقة رأس الحكمة يمكن أن تبقي الدولار منخفضًا إذا تم توفير الدولار في البنوك بعد إجراء خفض سعر الصرف، متوقعًا أن تتراجع أسعار السلع الغذائية في الأجل القصير مع توفير الحكومة السيولة للسلع الإستراتيجية، في حين من المرجح أن تتراجع أسعار السلع المعمرة على المدى المتوسط.
وأشار إلى أن المستوردين حصلوا على المواد الحالية بسعر الدولار الأميركي المرتفع في الفترة الماضية، لذا فإن تراجع سعر الصرف سواء في السوق الرسمي أو الموازي قد لا يكون له تأثير آني خاصة على السلع المعمرة مثل الأجهزة والسيارات.
وحول أسعار الصرف الحالية، يقول الخبير الاقتصادي، سمير رؤوف إن أحد العوامل الرئيسية التي أدت إلى تراجع الدولار هو موسم العطلات الصيني المقرر أن ينتهي مطلع الشهر المقبل، والذي سيؤدي إلى عودة المستوردين إلى طلب الدولار لاستئناف عمليات الاستيراد.
ويتوقع رؤوف أن يتم خفض سعر صرف الجنيه إلى مستوى يزيد قليلا على 40 جنيها على الأكثر.
تضخم فاستقرار
ويقول هاني جنينة، رئيس قسم البحوث بشركة كايرو فيننشال هولدنغ في تعليق للجزيرة نت، إن زيادة الحد الأدنى للرواتب مؤخرًا، والتعويم المرتقب سيرفع، على الأرجح، التضخم في النصف الأول من العام الجاري.
ويتوقع أن يزيد مستوى التضخم من نطاقه الحالي من 29% إلى 30% إلى ما بين 33% و35% في الربع الثاني من العام مع ارتفاع مرتقب في أسعار الأدوية والسلع المستوردة من الخارج، وذلك قبل أن تبدأ مستويات الأسعار في التراجع.
ويرجح جنينة تراجع معدلات التضخم خلال العام القادم إلى 15%. كما رجح أن يصل سعر صرف الجنيه إلى نحو 50 جنيها بنهاية السنة الحالية، بالنظر إلى العودة إلى المعدلات الاستيرادية التي تشكل العديد من السلع.