يترقب اللبنانيون خلال الأسابيع المقبلة نتائج الحفر في البقعة النفطية (رقم 9) على حدود البلاد الجنوبية مع إسرائيل، وسط اعتقاد بأن ذلك قد ينتشل لبنان من أزمته الاقتصادية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2022 وقع لبنان وإسرائيل اتفاقا لترسيم الحدود البحرية بينهما، عقب مفاوضات غير مباشرة استمرّت عامين بوساطة أميركية إثر نزاع على منطقة غنية بالنفط والغاز الطبيعي في البحر المتوسط تبلغ مساحتها 860 كيلومترا مربعا.
وكان لبنان قد وقع في فبراير/شباط 2018 عقدا مع ائتلاف شركات نفطية بقيادة “توتال” الذي يضم “إيني” الإيطالية و”نوفاتيك” الروسية التي انسحبت فيما بعد وحلت مكانها “قطر للطاقة”، للتنقيب عن النفط والغاز في مياهه الإقليمية.
والأسبوع الماضي، كشف وزير الطاقة اللبناني وليد فياض عن “تقدم ملموس” بقطاع الطاقة في لبنان، قائلا “قد نصل خلال 30 يوما إلى اكتشاف بترولي في الرقعة رقم 9”.
ووصلت منصة الحفر “ترانس أوشن” التي استأجرتها شركة “توتال إنيرجي” إلى المياه الإقليمية اللبنانية، متجهة نحو (المربع 9) جنوب البلاد في 15 أغسطس/آب الماضي لبدء التنقيب، وسبق هذه الخطوة، إنهاء السلطات اللبنانية كل الإجراءات والتراخيص اللازمة لبدء عمليات الاستكشاف، بالتعاون مع شركة “توتال إنيرجي”.
وفي أغسطس/آب الماضي أبدى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، تفاؤله بأن الفترة المقبلة تحمل بوادر خير تساعد البلد على معالجة الأزمات الكثيرة التي يعاني منها.
في حين صرحت شركات التنقيب بأن لا نتائج مضمونة قبل نهاية العام الجاري، إلى حين الانتهاء من الحفر وفحص التربة والرواتب المستخرجة، والتي تبين توفر كميات تجارية من مصادر الطاقة التقليدية، من عدمه.
ووسط هذا التفاؤل الرسمي، رأى خبراء أن الاستفادة المباشرة للبنان من ثروته النفطية والغازية، قد يستغرق وقتا طويلا يصل إلى 8 سنوات، ومرتبط بشكل أساسي بنتائج الحفر التي سيحصل عليها قبل نهاية العام الحالي.
انتظار نتائج الحفر
وفي هذا الصدد، رأت مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية لوري هابتايان، أن تصريحات المسؤولين الذين توقعوا قرب إنتاج الغاز الطبيعي والتفاؤل المفرط، ليس في محله، فالأمر يحتاج إلى وقت، ويجب الانتظار حتى تعلن الشركة المختصة عن نتائج الحفر.
وأضافت أنه إذا كان الاكتشاف قابلا للتطوير والإنتاج، فلا بد من معرفة إذا كان هذا الاكتشاف يوجد بكامله ضمن المناطق اللبنانية الخالصة أو المقسمة بينه وبين إسرائيل، وإذا كان في المنطقة المقسمة مع إسرائيل، فينطبق عليه اتفاق ترسيم الحدود الذي ينص على مفاوضة شركة “توتال” إسرائيل على اتفاق مالي بنسبة من حصة الأخيرة من الحقل، عندها يمكن لـ”توتال” تطوير الحقل والإنتاج، وأما إذا كان الكشف داخل المنطقة اللبنانية الخالصة، فينطبق عليها العقد الموقع بين الدولة والشركات الثلاثة “توتال إنيرجي” و”قطر للطاقة” و”إيني الإيطالية” والحكومة اللبنانية.
ولفتت هابتايان أيضا إلى أن مرحلة التطوير والإنتاج مرتبطة مباشرة بخطة العمل التي ستقدمها شركة “توتال” للحكومة اللبنانية، وبناء على هذه الخطة يمكننا معرفة تاريخ الإنتاج من هذا الحقل، وأشارت إلى عدم توفر البنى التحتية اللازمة في لبنان لأغراض نقل الغاز واستغلاله، مبنية أن هذا بحاجة إلى وقت طويل ويتطلب أيضا معرفة من يريد تمويل لبنان.
وقالت هابتايان إن دخول قطر مهم لخطة التطوير وسط صعوبات جذب الأموال، فلبنان بلد مفلس وليس لديه أي خطوات تطوير اقتصادي، وحتى “توتال” ستجد صعوبة في استقطاب الأموال، لأنها تريد الاستدانة من بنوك عالمية، وهذه الأخيرة لا تريد إقراض لبنان بسبب أزماته.
ورأت أنه من المستبعد استفادة لبنان من ثروة الطاقة التقليدية ومساعدته في حل أزمته الاقتصادية، مادام سيتمر نفس النهج الاقتصادي والسياسي في البلاد والذي أدى إلى إفلاسه.
عائدات على المدى الطويل
ومن جهته، يرى الخبير النفطي ربيع ياغي أن الحديث عن عائدات الغاز سابق لأوانه، مشيرا إلى أن الاستفادة الفعلية ستكون بعد 7-8 سنوات، وأن العائدات الفعلية هي عندما يكون هناك عملية بيع بعد الاستخراج، مبينا أن الاقتصاد اللبناني لن ينتظر 8 سنوات لأنه منهار أصلا، لكن قد تتحسن المعنويات قليلا مع فرضية الإعلان عن كميات تجارية من الغاز.
وأضاف أنه -تقنيا وعلميا وماليا، قبل 8 سنوات- ليس هناك عائدات، وكل ما يُقال هو دليل عدم دراية بعملية الاستكشاف والاستخراج والتطوير، وخاصة أن لبنان يستخرج النفط والغاز من أعماق البحار الذي يستغرق وقتا أطول من البر.
من جهتها، قالت الباحثة في القانون المالي الدولي والجرائم المالية، محاسن مرسل، إن التنقيب إشارة إيجابية، ولكن لبنان في الوقت الحالي يفتقد إلى الإصلاحات، ولفتت إلى “عدم استطاعتنا التعويل على السلطة الحالية لاستقطاب الاستثمار، لبنان لم يقر خطة اقتصادية ومالية ونقدية للخروج من الأزمة”.
ويعاني لبنان أزمة مالية حادة، وسط عزوف الدائنين عن تقديم أي تمويلات للبلاد الباحثة عن النقد الأجنبي، في حين علق صندوق النقد الدولي المضي قدما في برنامج إصلاحات اقتصادية.