مقديشو– تشكل الموارد النفطية المدفونة في الصومال برا وبحرا مصدر اهتمام للشركات والدول الأجنبية في الآونة الأخيرة، إذ بات استخراج النفط أقرب من أي وقت مضى بعد عمليات استكشافية ماراثونية استمرت 70 عاما، عندما بدأت عمليات التنقيب في الصومال خلال خمسينات القرن الماضي قبل أن ينال البلد استقلاله عام 1960.
ومنذ تلك الفترة وحتى عام 1990، جرت عمليات التنقيب في 72 موقعا بريا و4 مواقع بحرية بقيادة أبرز شركات التنقيب العالمية، مثل شل وشيفرون وإكسون موبيل وكونوكو فيلبس وإيني وغيرها.
في حين فقد الصومال معلومات تلك العمليات الاستكشافية بشأن النفط والغاز على خلفية عمليات التخريب التي أعقبت سقوط النظام العسكري السابق عام 1991، وإن كانت متاحة حصرا لدى شركات التنقيب.
وإثر ذلك كان من الصعب تحديد منطقة عثر فيها على النفط أو الغاز الطبيعي في ذلك الوقت. وقبيل انزلاق البلاد في أتون الحرب الأهلية، قررت شركات التنقيب تعليق عملياتها في الصومال عام 1990، غير أنه بمجرد خروج البلاد من المرحلة الانتقالية عام 2012 وتحسن الوضع الأمني والسياسي، عادت نشاطات العمليات الاستكشافية للنفط والغاز في الصومال إلى الواجهة مرة أخرى.
استكشافات في البحر
لكن التركيز الأكبر للعمليات الاستكشافية كان في هذه المرة منصبا على الساحل الصومالي الذي يعد الأطول في أفريقيا (3333 كلم)، حيث اتفقت كل من شركتي صوم أويل وسبكتروم مع الحكومة الصومالية بمسح سيزمي ثنائي الأبعاد (تقنية تستخدم في علم الجيولوجيا والاستكشاف الطبيعي لتحديد بعض الخصائص الجيولوجية للأرض والصخور تحت سطح الأرض) في الفترة بين عامي 2013 و2016 لجمع البيانات ودراستها، ومن ثم تسويقها للشركات العالمية.
وشملت العملية 3 أحواض وهي هوبيو (وسط) وبراوي وجوبا-لامو (جنوب) من أصل 6 أحواض تتكون منها المناطق التي تشملها العمليات التنقيبية في البلاد، حسب وكيل وزارة البترول والثروة المعدنية الصومالية عربي حاشي، وعلى ضوء البيانات الناتجة عن عملية المسح السيزمي التي تبلورت عام 2018، فإن المورد النفطي الاحتياطي في الصومال يقدر بأكثر من 30 مليار برميل.
وبهذا، تضع هذه التوقعات الصومال في الترتيب السادس في قائمة الدول ذات أكبر احتياطات نفطية في العالم، وفق حاشي الذي يقول -في حديث للجزيرة نت- إن الصومال أكمل كل الإجراءات الضرورية اللازمة من قبيل المصادقة على قانون البترول عام 2020، الذي سبقه اتفاق تقاسم عائدات النفط بين الحكومة الفدرالية والولايات عام 2018 تطبيقا للنظام الفدرالي المتبع في البلاد.
انطلاق عملية الحفر
وينتظر الصوماليون انطلاق عمليات الحفر، ومن ثم الإنتاج الذي تنفذه شركة كوستلاين إكسبولوريشن الأميركية الحاصلة على الترخيص بعقد أقرته الحكومة في أكتوبر/تشرين الأول 2022 لاستخراج النفط في 7 مربعات (نحو 35 ألف كلم مربع) إلى الوسط والجنوب من عمق الساحل الصومالي، وأغلب التوقعات ترجح الشروع في العملية نهاية هذا العام.
وفي ما يتعلق بالامتيازات السابقة لشركات التنقيب المشهورة، فإن أكثرها فضلت الانسحاب باستثناء شل وإكسون موبيل اللتين لا تزالان تحتفظان بحقوقهما ومناطق عملياتهما في البر والبحر مع دفعهما المستحقات، إلا أنهما غير مستعدتين حاليا لاستئناف العمل في الصومال تحت “بند القوة القاهرة”، كما أن عمليات التنقيب ستستأنف في المناطق البرية حالما يستتب فيها الأمن بشكل كامل، على حد قول حاشي.
وحسب منشور لشركة كوستلاين إكسبلوريشن على منصة إكس، فإن الصومال يعد آخر الفرص المتبقية لموارد الطاقة البحرية غير المكتشفة في العالم، التي تحوي مليارات البراميل وتحمل فرصا مالية واقتصادية هائلة للصومال والمستثمرين، وفي حال نجاح التجربة، فإن تقديراتها تشير إلى أن نحو 100 ألف برميل من النفط سيتدفق يوميا من كل حقل بحري تكتشفه الشركة.
وأودعت الشركة 7 ملايين دولار في البنك المركزي الصومالي مكافأة للتوقيع، وأنه في حال نجحت آبارها فإن الصومال سيحصل على تعلية بنسبة 5%، ويتقاسم الأرباح مع الشركة مناصفة (50% لكل طرف) بينما ستكون نسبة ضريبة الدخل على استكشافات الشركة في السواحل الصومالية 30%، إضافة إلى حصول الحكومة الصومالية على ملايين الدولارات رسوما وإيجارات من كل عقد شراكة.
المكاسب الاقتصادية
لا يزال الصومال يترنح في خضم ويلات حرب وموجات جفاف، مع ضعف واضح في إمكاناته الاقتصادية، حيث تجاوزت ميزانية الدولة لعام 2024 المليار دولار بقليل، 67% منها مساعدات خارجية، بتعداد سكاني يتجاوز 17 مليون نسمة (2021)، نحو 70% منهم يعيشون تحت خط الفقر، وفقا للبنك الدولي، وحسب صندوق النقد الدولي فإن إجمالي الناتج المحلي للبلاد يربو على 12 مليار دولار، في حين أن نصيب الفرد فيه 756 دولارا.
يرى المحاضر في كلية الاقتصاد بجامعة الصومال في مقديشو عبد العزيز إبراهيم أن استخراج النفط قد يسهم في تحول إيجابي لاقتصاد البلاد وزيادة الدخل من خلال استخدام عائداته في تمويل المشاريع التنموية والبنية التحتية وتوفير الخدمات العامة للمواطنين مثلما تسهم صناعة البترول في تحفيز التنمية الاقتصادية عبر توفير فرص للمواطنين بشكل مباشر أو غير مباشر.
ويرى إبراهيم أن استغلال عائدات البترول للاستثمار في القطاعات الأخرى، مثل التعليم والصحة والزراعة والصيد وغيرها، بهدف تنويع مصادر الدخل ومن ثم تعزيز اقتصاد البلاد والاستغناء عن المساعدات الخارجية كما أنه يحفز التجارة، وفي تقدير إبراهيم فإن هذه الأمور لا تتحقق ما لم تتوفر بيئة سياسية خالية من الفساد المالي والإداري، وإلا سيكون النفط وبالا على البلاد ومصدر نزاع جديد.
عقبات على الطريق
لا تخلو مهمة استخراج البترول الصومالي من العقبات، من بينها ندرة الكوادر ذوي الخبرة بقطاع البترول. وبسبب الوضع الأمني المضطرب، فلا يمكن لشركات التنقيب العالمية العمل في الوقت الحالي بالمناطق البرية في البلاد، أما البحر الذي يتوقع انطلاق عملية استخراج البترول فيه قريبا، فإن الحكومة الصومالية اتفقت مع الحكومة التركية لتأمينه، حسب هاشم ساعد المحاضر في كلية الهندسة البترولية بجامعة صومافيلا بمقديشو.
كما أن العامل السياسي يعد في نظر ساعد من العقبات التي لا يستهان بها، حيث إن العمليات الاستكشافية واستخراج البترول لا تشمل حاليا إقليم أرض الصومال بالشمال المنفصل عن الصومال من جانب واحد منذ 1991، وولاية بونتلاند (شمال شرق الصومال) التي تمر علاقاتها مع الحكومة الفدرالية بتوتر وفتور خلال الفترات الأخيرة، وذلك لأسباب سياسية.