محلل اقتصادي يتساءل.. الفائدة مصيبة حقيقية أم ضرورة اقتصادية؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 5 دقيقة للقراءة

الفائدة (الربا) محرمة وممنوعة في جميع الكتب الدينية. ومع ذلك، فقد تم تفسير هذا المنع بطرق مختلفة عبر الزمن في مختلف المجتمعات والأديان والمذاهب.

وفي مقالة، قال الباحث والمحلل الاقتصادي ماهفي إيلماز “إن بعض المجتمعات تجاهلوا هذا المنع، في حين طبقه آخرون بشكل صارم، واختار بعض آخر تطبيق الفائدة بشكل مختلف وتحت اسم مختلف”.

وأوضح أنه لن يتناول الموضوع الذي يتعلق بأي وجهة نظر حول الفائدة، لكنه سيركز على الضرر الذي يمكن أن يسببه تطبيق الفائدة بشكل خاطئ على الاقتصاد.

وأفاد إيلماز بأنه عندما يتم تحديد أسعار الفائدة التي يفرضها البنك المركزي على الأموال التي يقرضها للبنوك بشكل غير صحيح، تنشأ عدة مشاكل، إذ إن تحديد أسعار الفائدة بأقل من معدل التضخم يجعل الأشخاص يتجهون بشكل مفرط إلى شراء العقارات والعملات الأجنبية والذهب وأسهم البورصة بدل الاحتفاظ بمدخراتهم في البنوك بصورة وديعة بالعملة الوطنية.

وذكر الكاتب أن هذا الارتفاع في الاستثمار في هذه المجالات يؤدي إلى نشوء فقاعات في هذه القطاعات وزيادة في معدل التضخم. وإذا كان الاقتصاد معرضا للدولة ومعتمدا على الواردات، وحدد البنك المركزي أسعار الفائدة بأقل من معدل التضخم (فائدة حقيقية سلبية)، ففي هذه الحالة سيحدث ارتفاع في أسعار الصرف بالإضافة إلى ما ذُكر، وسيؤدي هذا الارتفاع في أسعار الصرف إلى زيادة تكلفة المدخلات المستوردة المستخدمة في الإنتاج، وبالتالي إلى زيادة معدل التضخم عبر التكاليف.

وأضاف الباحث أن السؤال الأكثر شيوعا هنا هو كيفية وسبب تأثير سعر الفائدة الذي تفرضه البنوك المركزية في البنوك عند إقراضها على الاقتصاد.

النهج السائد
أوضح الكاتب أن النهج السائد في تركيا، هو أن البنك المركزي يمنح البنوك قروضا أسبوعية مقابل ضمانات إعادة الشراء (الريبو). ويُطلق على الفائدة المطبقة على هذه القروض اسم “سعر الفائدة”. وسعر الفائدة الذي رفعه البنك المركزي التركي مؤخرا إلى 30% هو معدل الفائدة السنوية على الدين الأسبوعي الذي يمنحه للبنوك.

وأضاف أن لزيادة سعر الفائدة الأخير الذي أجراه البنك المركزي التركي معنيين:

سيقدم البنك المركزي الآن قروضا أسبوعية للبنوك بفائدة سنوية قدرها 30% بدلا من 25 %. أي أن تكلفة التمويل للبنوك سترتفع. ومع ذلك، يكون لهذا الارتفاع في أسعار الفائدة تأثير سلبي محدود على تكلفة البنوك نظرا لأن مبلغ الأموال الذي تحصله البنوك من البنك المركزي يشكل نسبة صغيرة من إجمالي مصادرها.

وعندما يرفع البنك المركزي سعر الفائدة، فإنه يرسل رسالة بأنه يتوقع أن يستمر التضخم في الارتفاع في المستقبل وأنه سيواصل اتخاذ إجراءات للسيطرة عليه.

والغرض من هذه الرسالة هو محاولة التأثير بشكل إيجابي على التوقعات المستقبلية بواسطة التأكيد على اتخاذ إجراءات ضد التضخم، لذلك فالتأثير الحقيقي المتوقع لزيادة سعر الفائدة هو هذا التغيير في التوقعات.

 

وذكر الكاتب أنه عندما ترفع البنوك المركزية أسعار الفائدة، فإنها ترفعها على القروض، مع مراعاة الزيادة في تكلفة التمويل وارتفاع التضخم في المستقبل. كما أنها ترفع أسعار الفائدة على الودائع لتجنب فقدان العملاء في ظل ظروف المنافسة. (وهذا ممكن فقط إذا لم يتم التدخل في البنوك باستثناء أسعار الفائدة والاحتياطات الإلزامية).

توقعات سلبية
وحسب الكاتب، إذا كان هناك تدخل مباشر أو غير مباشر في البنوك، مثل فرض قيود على القروض أو فرض التزامات مثل شراء سندات حكومية ذات أسعار فائدة منخفضة إذا تجاوزت البنوك حجما معينا، فإن النظام يعمل بشكل مختلف. في هذه الحالة، قد لا تكون القرارات والممارسات التي تتخذها البنوك متسقة مع ما نناقشه هنا.

وعندما يتم التدخل في البنوك بهذه الطريقة -يقول الكاتب- تظل أسعار الفائدة على الودائع منخفضة جدا بالمقارنة مع التضخم، ويستمر الطلب على العملات الأجنبية بسبب استمرار التوقعات السلبية.

نتيجة لذلك، لا ينخفض سعر صرف العملات الأجنبية، حتى لو رفع البنك المركزي التركي أسعار الفائدة. بالطبع،- يقول الكاتب- هناك أسباب أخرى لتراجع سعر صرف العملات الأجنبية تتعلق بالاقتصاد أو المؤشرات الاجتماعية.

واعتبر إيلماز أن السبب الرئيسي وراء عدم تغيير التوقعات كما هو مطلوب، رغم رفع معدل الفائدة من قبل البنك المركزي التركي، يعود إلى الاضطرابات المستمرة في الاقتصاد وعدم تحقيق الاستقرار في ما يتعلق بمسألة الفائدة على مر الزمن، وسط تقلبات مستمرة وعدم تحقيق الأهداف المحددة.

وهذه التقلبات وعدم الاستقرار في تنفيذ السياسات وعدم تحقيق الأهداف تجعل من الصعب تحقيق تغييرات إيجابية في التوقعات، إذ يبني الأفراد توقعاتهم بناء على كيفية تنفيذ القرارات في الماضي والنتائج التي أتت بها، بدل الانتظار لرؤية تأثير القرارات الجديدة.

وقال الباحث إن الفائدة هي حقا “مصيبة ومشكلة خطيرة”، وإذا وُجهت بشكل خاطئ، يمكنها قلب الاقتصاد رأسا على عقب بمفردها. وحتى لو وُجهت بشكل صحيح لاحقا واتُخذت خطوات في هذا الاتجاه، يجب أن يكون هناك دائما بعض الإجراءات الداعمة بجانبها. أما إذا لم تكن كذلك، فإن اتخاذ قرارات صحيحة بشأن الفائدة لا يمكن أن يصلح الاقتصاد بمفرده.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *