الرباط- تعرض عدد من الشاحنات المغربية المحملة بالمنتجات الزراعية للتعطيل وإتلاف البضائع من جانب المزارعين الإسبان الذين انضموا إلى “ثورة الفلاحين” في أوروبا منذ حوالي أسبوعين، وسط حالة من التوتر في الآونة الأخيرة.
وأثارت الهجمات حالة من التذمر والقلق وسط المصدرين والسائقين الدوليين المغاربة.
وبدأ المزارعون الأوروبيون احتجاجات واسعة في يناير/كانون الثاني الماضي في حوالي 10 دول رفضا للسياسة الزراعية الأوروبية، وتعبيرا عن استيائهم من المنافسة غير العادلة وارتفاع تكاليف الإنتاج والضريبة على وقود الجرارات والمعايير البيئية.
وقطع المزارعون الإسبان الطرق السريعة بجراراتهم في عدد من المدن، مما تسبب في اختناقات مرورية وإغلاق الطرق.
وأظهرت مقاطع فيديو انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي ونشرتها صحف إسبانية إلقاء مجموعات مشاركة في الاحتجاجات حمولة شاحنة محملة بالطماطم القادمة من المغرب في أحد الطرق في مدينة قادش.
وقالت صحيفة لاراثون الإسبانية إن غضب المزارعين الإسبان أدى بهم إلى مهاجمة الشاحنات المغربية، وأوضحت أن المحتجين غاضبون مما يسمونه المنافسة غير العادلة من دول لا تستوفي وارداتها نفس معايير الجودة، وتستعمل في الإنتاج مبيدات حشرية محظورة في الاتحاد الأوروبي، وفق وصف الصحيفة.
وأوضحت الصحيفة أن بيانات الاتحاد الإسباني لجمعيات مصدري الفواكه والخضروات أظهرت أن الاتحاد الأوروبي استورد بين يناير/كانون الثاني وسبتمبر/أيلول 2023، فواكه وخضروات من المغرب بقيمة 1.83 مليار يورو (2 مليار دولار)، مما يجعل المغرب المورد الرئيسي لأوروبا من خارج الاتحاد، تليه جنوب أفريقيا والبيرو.
تعطيل وإتلاف
وقال الكاتب الجهوي للاتحاد العام لمهنيي النقل في المغرب، الشرقي الهاشمي للجزيرة نت إن حمولة حوالي 20 شاحنة مغربية تعرضت للإتلاف في إسبانيا، فيما تعرضت أكثر من 300 شاحنة للتعطيل، وتأخرت في تسليم حمولتها في الوقت المناسب.
وأضاف “تعرضت الشاحنات للهجمات، وأُجبر السائقون على فتح الأبواب تحت التهديد والترهيب، وتم إلقاء البضائع في الأرض بشكل استفزازي”.
وأوضح أن الشاحنات المغربية تعرضت لهجمات مماثلة في فرنسا، مضيفا “من حق المزارعين الأوربيين الاحتجاج ورفع مطالب في وجه حكوماتهم، لكن التعرض لشاحنات الأجانب ورمي حمولتها في الأرض خلال عبورها في اتجاه دول أخرى أمر غير مفهوم”.
وأمام هذه الهجمات، أخذ سائقو الشاحنات السائقين الحيطة والحذر، وبدؤوا يرصدون حالة الطرقات لتجنب تلك التي تعرف احتجاجات.
وقال الهاشمي إن المهنيين راسلوا وزارات الخارجية والزراعة والنقل للتنديد بهذه الممارسات، وطلب تدخلها لإيجاد حل وحماية أساطيل الشاحنات المغربية.
وأبدت الكونفدرالية المغربية للزراعة والتنمية القروية (تجمع نقابي) “قلقها الشديد عقب الهجمات المتكررة التي لا أساس لها، والتي تتعرض لها المنتجات المغربية فضلا عن المغالطات الإعلامية التي تمس الفلاحين المغاربة باعتبارهم الضحايا المباشرين لهذه الهجمات”، وفق بيان.
وقالت الكونفدرالية إن إخطارات نظام الإنذار السريع للأغذية والأعلاف الصادرة عن الاتحاد الأوربي خلال سنة 2023 توضح أن المغرب يحترم المعايير الأوروبية بالنسبة لجميع المنتجات بشكل عام.
وأضافت أن المغرب يحتل المركز الثالث من حيث احترام المعايير الأوروبية على لائحة المصدرين الـ15 الرئيسيين إلى الاتحاد الأوروبي.
وتابعت الكونفدرالية أن المبادلات الفلاحية بين المغرب والاتحاد الأوروبي تخضع لمقتضيات الاتفاق الفلاحي الذي دخل حيز التنفيذ في فاتح أكتوبر/تشرين الأول 2012.
وبموجب هذا الاتفاق تستفيد الصادرات المغربية من المنتجات الفلاحية إلى الاتحاد الأوروبي من بعض الامتيازات التعريفية، وينطبق الشيء نفسه على صادرات المنتجات الفلاحية من الاتحاد الأوروبي إلى المغرب.
بدورها، عبرت غرفة التجارة والصناعة والخدمات بسوس ماسة عن “بالغ قلقها إزاء التوترات الأخيرة التي شهدتها عمليات عبور البضائع بين المغرب والاتحاد الأوروبي”، ودعت جميع الأطراف ذات العلاقة إلى التدخل الفوري من أجل إيجاد حل لهذه الأزمة.
وقالت إن “عبور البضائع بين المغرب والاتحاد الأوروبي، يشهد تعطلا خطيرا في الوقت الحالي، نتيجة الدعوات غير القانونية التي تقوم بها جمعيات زراعية إسبانية وفرنسية”.
وأشارت الغرفة إلى أن هذا “التحريض” أدى إلى تنظيم احتجاجات، وعمليات احتجاز تسببت في ازدحامات في نقاط العبور، مما ترتبت عنه أضرار جسيمة للشركات الناقلة المغربية، وهو يشكل تهديدا كبيرا للعلاقات التجارية بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وفق وصف الغرفة التجارة
ودعت الغرفة السلطات الإسبانية والفرنسية إلى احترام التزاماتها التعاقدية، والعمل على تيسير حركة وعبور البضائع بين البلدين، مع الحرص على المحافظة على ظروف تجارية مستقرة وعادلة، تعزز التعاون الاقتصادي بين الطرفين.
تداعيات وخيمة
وقلل رئيس جمعية منتجي ومصدري الخضر والفواكه في المغرب، الحسين أضرضور من تأثير هذه الاحتجاجات على الصادرات المغربية.
وقال للجزيرة نت إنه رغم التأخر في تسليم البضائع في وقتها، وإتلاف حمولة عدد محدود من الشاحنات، فإن تأثير هذه الممارسات على الصادرات المغربية إلى أوربا “محدود”، مشيرا إلى أن بيانات مؤسسة مراقبة وتنسيق الصادرات أظهرت أن وتيرتها لم تشهد انخفاضا في الفترة الأخيرة.
وأضاف “ننسق مع المستوردين وحين يتبين لنا وجود خطورة أو مخاوف يمكننا اتخاذ التدابير”.
من جهته، قال رئيس الجمعية المغربية للمصدرين، حسن السنتيسي الإدريسي إن تأثير هذه الاحتجاجات “بعضها ظاهر وملموس وبعضها غير ملموس”، وفق تعبيره.
وتابع “الجزء الظاهر في هذه الأحداث أن شاحناتنا في أوروبا تتعرض للعرقلة وللإتلاف، أما الجزء غير الظاهر، فيتعلق بالشاحنات التي لم تذهب خوفا من تعرضها للهجمات”.
وفي الوقت الذي نفى فيه عدم توفرهم على أرقام تعكس حجم الخسائر، حذر السنتيسي من تداعيات وخيمة إذا طال هذا الوضع.
ودعا المتحدث نفسه الدولة إلى التدخل بدعم وإعانة القطاع الخاص لشراء بواخر لنقل المنتجات المغربية نحو أوروبا وتجنب مرور الشاحنات عبر إسبانيا وفرنسا.
أزمات عابرة
تُضاف الهجمات التي تتعرض لها الشاحنات المحملة بالمنتجات الزراعية إلى أزمات أخرى يعيشها القطاع الزراعي المغربي، الذي يعاني من موجة جفاف وتراجع الموارد المائية.
وتشهد المملكة موسما آخر من الجفاف، إذ سُجل عجز في التساقطات المطرية خلال الفترة من سبتمبر/أيلول 2023 إلى منتصف يناير/كانون الثاني 2024 بلغت نسبته 70% مقارنة مع المعدل، وفق ما أعلن وزير التجهيز والماء.
كما يعيش المزارعون والمصدرون على وقع قرار السلطات الموريتانية رفع التعريفات الجمركية على الخضروات والفواكه القادمة من المغرب، مما أدى إلى وقف التصدير إلى هذا البلد.
وقال الشرقي الهاشمي إن عدد الشاحنات الناقلة للمنتجات الزراعية إلى موريتانيا انخفض بحوالي 95% منذ إصدار القرار.
ويرى الخبير الاقتصادي محمد الجدري أن الأزمات التي يمر منها القطاع الزراعي بالمغرب “أزمات عابرة”.
وقال في حديث للجزيرة نت إن الفلاحين الإسبان وغيرهم يحاولون الضغط على حكوماتهم والاتحاد الأوربي للتقليص من الصادرات المغربية، لكنه يرى أن هذه المطالب “لا يمكن تحقيقها، لأن أوروبا في حاجة ماسة إلى المنتجات الزراعية المغربية”.