يعكس الارتفاع الحاد في سعر الذهب -الذي تشهده الأسواق العالمية- تحولا كبيرا في مسارات الاستثمار بالأصول الآمنة، وذلك نتيجة للمخاوف المالية المتزايدة والتوترات الجيوسياسية المتصاعدة عالميا.
وقالت مجلة إيكونوميست البريطانية إن سعر الذهب سجل ارتفاعا بنسبة 38% خلال العام الجاري حيث تجاوز 2700 دولار للأونصة (الأوقية) مما أدى لزيادة ملحوظة في اهتمام المستهلكين والمستثمرين بالمعدن الأصفر كملاذ آمن، بينما تسعى العديد من البنوك المركزية لتعزيز احتياطياتها منه في ظل عدم استقرار النظام المالي العالمي.
ويرى كثيرون أن الذهب يوفر حماية فعالة ضد التضخم ويعتبر وسيلة تنويع إستراتيجية ضمن المحافظ الاستثمارية، ويلعب دورا محوريا في تقليل المخاطر المالية، خاصة في ظل ما يثيره البعض من سيناريوهات متشائمة، مثل تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها.
في المقابل، ينظر بعض كبار المستثمرين بتوجس إلى الذهب، حيث يعتبرونه أداة غير قادرة على تحقيق دخل ثابت. وأظهرت دراسة أن ربع المؤسسات الاستثمارية الأميركية فقط تمتلك حصصاً في صناديق الذهب المتداولة، مما يفسر عدم ارتفاع حيازات صناديق الذهب على الرغم من ارتفاع الأسعار.
إقبال على الذهب
تشير بيانات شركة “كامبدن ويلث” الاستثمارية المتخصصة إلى أن ثلثي مكاتب الاستثمار العائلية -التي تدير ثروات أكبر العائلات في العالم- تستثمر في الذهب، وهو ما يُعزز الطلب على المعدن الأصفر، حيث يسعى الأثرياء لحماية ثرواتهم في ظل الأزمات المالية المتفاقمة.
وأشارت إيكونوميست إلى أن الإقبال على الذهب يتزايد بشكل ملحوظ في الصين والهند، حيث شهدت مشتريات سبائك الذهب ارتفاعاً كبيراً. وتُعتبر الهند من أكبر مستهلكي الذهب عالمياً، ويزيد الطلب خلال مواسم الأعياد والمناسبات التقليدية.
ووفقا للصحيفة، يلعب رؤساء البنوك المركزية بالعالم دورا محوريا في ارتفاع سوق المعدن الأصفر، حيث زادت حصته باحتياطياتهم إلى 11% خلال العام الماضي، ويُظهر هذا الاتجاه استعدادا متزايدا لمواجهة الظروف الاقتصادية غير المستقرة واعتماد الذهب ملاذا آمنا.
وذكرت إيكونوميست أن الحرب الروسية الأوكرانية دفعت البنوك المركزية إلى إعادة تقييم إستراتيجياتها الاحتياطية، وزيادة احتياطيات الذهب، وهو ما حدث في دول مثل سنغافورة وبولندا. كما أن الدول النامية تركز على تحسين إستراتيجياتها الاحتياطية بالإقبال على الذهب كخيار استثماري آمن وموثوق به.
وختمت إيكونوميست بأنه من المتوقع أن يستمر إقبال البنوك المركزية والمستثمرين على الذهب، وأن يتواصل ارتفاع أسعاره، مما يعزز من مكانته كملاذ آمن، وأحد الأصول الأكثر موثوقية في ظل تصاعد المخاوف بشأن التضخم والتوترات الجيوسياسية.
عوامل تعزز الذهب
تسهم عدة عوامل في ارتفاع الذهب منها:
- سعي بعض المستثمرين إلى الحصول على الحماية من مخاطر التضخم الأعلى من المتوقع.
- قيام مستثمرون آخرين بتعديل محافظهم الاستثمارية في أعقاب ارتفاع سوق الأسهم.
- تنضاف المخاوف الجيوسياسية، بما في ذلك حرب إسرائيل على قطاع غزة، وكذلك روسيا وأوكرانيا، إلى جانب الانتخابات الرئاسية الوشيكة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إلى قائمة الشكوك التي تدفع المستثمرين إلى التحول إلى الذهب.
- يراقب محللون عن كثب التخفيضات بأسعار الفائدة، والتي قد تؤثر على عوائد السندات الحكومية الأميركية، مما يجعل أصول الملاذ الآمن الأخرى مثل الذهب أكثر جاذبية.
- زيادة مشتريات الذهب القياسية من قبل البنوك المركزية على مستوى العالم.
- احتمال تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين إذا فاز دونالد ترامب المرشح الرئاسي الجمهوري، ويتم الاستشهاد بذلك كأسباب بقاء المنحنى صعوديا بشأن الذهب.