ماذا تعرف عن خلافات النفط بين بغداد وأربيل؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 10 دقيقة للقراءة

عادت أزمة مستحقات الشركات النفطية في إقليم كردستان العراق لتطفو على السطح من جديد بعد عجز مجلس النواب عن تمرير المادة الـ12 ضمن تعديلات قانون الموازنة الاتحادية المتعلقة بمستحقات تلك الشركات وما تلاها من حرب البيانات والاتهامات المتبادلة، لتفجر خلافا قديما متجددا بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة أربيل.

وكانت المادة الـ12 في الموازنة الثلاثية التي صوّت عليها مجلس النواب في 12 يونيو/حزيران عام 2023 تنص على منح الشركات النفطية العاملة في إقليم كردستان 6 دولارات عن كل برميل مستخرج، وهو ما تم رفضه حينها من قبل الشركات الأجنبية العاملة في الإقليم.

وترى تلك الشركات أن احتساب كلف إنتاج متساوية لبرميل النفط في الإقليم وبرميل النفط في جنوب العراق، أمر غير ممكن خصوصًا أن حقول النفط في كردستان العراق تقع في مناطق صعبة وجبلية وكلفة الإنتاج فيها أكثر من كلفة الإنتاج في الجنوب.

فحوى المادة الـ12 من قانون الموازنة العراقية

وأرسلت الحكومة الإتحادية في 5 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2024 مقترحا لتعديل المادة (12/ ثانيا/ ج)، من قانون الموازنة الثلاثية تضمنت الآتي:

  • تعويض وزارة المالية لحكومة الإقليم من النفقات السيادية عن كلف الإنتاج والنقل، عن كميات النفط المنتجة في الإقليم التي يتم استلامها من قبل شركة تسويق النفط (سومو)، أو وزارة النفط الاتحادية.
  • يتم احتساب الكلف التخمينية العادلة للإنتاج والنقل من جهة استشارية فنية دولية متخصصة، خلال (60) يوما من نفاذ هذا القانون، وفي حالة عدم الاتفاق خلال المدة المذكورة، يحدد مجلس الوزراء الاتحادي الجهة الاستشارية المشار إليها.
  • يقدم الاستشاري، كلفة الإنتاج والنقل المخمنة إلى وزارتي النفط، والمالية الاتحاديتين، وحكومة إقليم كردستان العراق، وتتولى وزارة المالية الاتحادية دفع المبالغ لحكومة الإقليم.
  • المباشرة فورا بتسليم النفط المنتج في الإقليم إلى شركة تسويق النفط (سومو)، أو وزارة النفط الاتحادية، ويتم تعويض كلف الإنتاج والنقل من قبل وزارة المالية الاتحادية كسلف، بمعدل (16) دولارا للبرميل.

وباشر مجلس النواب بخطوات تعديل القانون من خلال القراءة الأولى والثانية، لكنه أرجأ التصويت على تعديل الموازنة في جلسته التي عقدت في يوم الثلاثاء 21 يناير/كانون الثاني الجاري بسبب الخلافات واعتراضات أعضاء البرلمان من ممثلي الوسط والجنوب ومطالبتهم بأن تشمل محافظاتهم بالامتيازات.

اتهامات

واتهم المتحدث باسم حكومة إقليم كردستان بيشاوا هورامي، في 23 يناير/كانون الثاني الجاري الحكومة الاتحادية بتقديم مقترح جديد للموازنة لمجلس النواب العراقي، دون التشاور مع حكومة الإقليم، بدل مشروع الموازنة المتفق عليه بين الحكومتين.

وردت الحكومة العراقية، باليوم ذاته، على بيان حكومة إقليم كردستان العراق بشأن تعديل الموازنة، وأكدت التزامها بالتعديلات ودعت البرلمان إلى تمريرها.

من جهته، أكد فادي الشمري المستشار السياسي لرئيس مجلس الوزراء حرص بغداد التام على الالتزام بالدستور والقوانين السارية، مشددًا على سعي الحكومة المستمر لاحتواء أي خلافات قد تنشأ بين الأطراف السياسية أو السلطات الحكومية والأقاليم، لا سيما الإشكالية القائمة مع إقليم كردستان.

وأوضح الشمري، في حديث للجزيرة نت، أن الحكومة تبنت نهجًا تصالحيًّا لحل أي اختلافات في وجهات النظر، مؤكدًا أهمية الحوار البَناء في تحقيق التفاهم المشترك وضمان حقوق جميع الأطراف.

وأضاف الشمري أن الحكومة قامت بدورها من خلال وضع رؤية واضحة صوّت عليها مجلس الوزراء وإرسال الموازنة إلى مجلس النواب لإقرارها، مؤكدًا أن القرار النهائي يعود إلى ممثلي الشعب في البرلمان.

وأرسلت الحكومة الاتحادية كتابا مع نسخة معدلة من المادة الـ12 عن طريق ممثلها في مجلس النواب أحمد عبد الزهرة في 21 يناير/كانون الثاني الجاري أكدت فيه أنها لا تؤيد التعديل المقترح لأنه يقلل من إيرادات الخزينة مقارنة بالنص الحكومي خلافا لما يتم تنفيذه في بقية أنحاء العراق وفقا لقانون الإدارة المالية النافذ ولا يتوافق مع آليات بيع النفط لدى شركة تسويق النفط (سومو).

واشترطت تعديل المادة بالشكل الذي يمنح الشركات 16 دولارًا عن كل برميل مستخرج بشرط أن تكون جميع إيرادات تصدير النفط تعود إلى خزينة الحكومة الاتحادية كما هو معمول به في محافظات الوسط والجنوب، أما دفع تكاليف الاستخراج فيكون في وقت لاحق من خلال الخزينة العامة وهو ما كان الفتيل الذي أشعل الأزمة بين بغداد وأربيل.

وحث الشمري النواب على الالتزام بما ورد في الموازنة، مشيرًا إلى أنها صيغت بطريقة مهنية واحترافية وتوافقية بين جميع الأطراف.

وتوقع الشمري قيام وفود من إقليم كردستان بزيارة العاصمة بغداد للوصول إلى صيغة حل نهائي وفقًا للدستور وقرارات المحكمة الاتحادية، مؤكدًا أهمية الحوار البَناء في تحقيق المصالح الوطنية العليا لجميع الأطراف.

تعديلات جوهرية

النائبة محاسن حمدون عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي أكدت -في حديث للجزيرة نت- أن اللجنة قد أجرت تعديلات جوهرية على المادة الـ12 من قانون الموازنة.

وأوضحت محاسن حمدون أن الصياغة الأولية للمادة تضمنت تخصيص مبلغ 16 دولارًا أميركيًّا لكل برميل نفط يتم استخراجه في إقليم كردستان، وذلك لتعويض تكاليف الإنتاج، مشيرة إلى أن المقترح كان يقضي بتصدير نفط الإقليم عبر شركة سومو الوطنية، وهو ما كان محل اتفاق بين عدة كتل سياسية.

وتابعت: “مع ذلك، فقد واجه هذا المقترح اعتراضات من بعض الكتل البرلمانية التي تساءلت عن سبب تخصيص مبلغ محدد لإقليم كردستان دون باقي المحافظات، حيث أدت هذه الاعتراضات إلى تعطل التصويت على الموازنة في الجلسة الماضية”.

وتوقعت أن يتم التوصل إلى توافق حول آلية جديدة لتصدير نفط الإقليم خلال الأيام القليلة المقبلة، بحيث يتم تحويل إيرادات النفط إلى الحكومة الاتحادية، مؤكدة أن هناك توافقًا كبيرًا حول معظم بنود المادة الـ12، وأن المؤشرات الحالية تشير إلى أن الاعتراضات لن تستمر على نفس المستوى.

وبشأن أبرز التعديلات التي أجرتها اللجنة، أوضحت البرلمانية العراقية أنه تم الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة دولية لحل الخلافات القائمة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان.

كما تم الإبقاء على المبلغ المقترح لتكاليف استخراج النفط في إقليم كردستان، مؤكدة أن هذه التعديلات لاقت قناعة لدى العديد من الكتل البرلمانية، نظرا لأهمية تحقيق إيرادات مالية للحكومة الاتحادية.

التحكيم الدولي

بدوره، أكد عضو لجنة المالية في مجلس النواب جمال كوجر في حديثه للجزيرة نت أن لهذه “المادة أهمية عالية جدا لحل جملة مشاكل، المشكلة الأولى هي تكاليف والإنتاج والنقل لحكومة الإقليم والتي بسببها توقف تصدير نفط الإقليم عن طريق سومو”.

وأضاف أن “هذه المادة ستعالج هذه المشكلة، حيث سترتفع تكاليف الإنتاج والنقل من 6 دولارات إلى 16 دولارا في المرحلة الأولى، وبعد ذلك تتعدل وفق نتائج المؤسسة الاستشارية”.

وقال أيضا: “إن التصويت على هذه المادة ستحل مشكلة الإقليم مع الشركات العاملة فيه، لأن هذه الشركات لم ترض بسعر التكلفة المحددة من قبل بغداد في موازنة 2023 -2024”.

وأضاف أنه “بمرور هذه المادة سيتم فتح خط آخر لبيع نفط الإقليم إلى تركيا عبر ميناء جيهان التركي ومنها إلى العالم، وهذه مهمة جدا، لأن من دون تعديل هذه المادة الحكومة الاتحادية لديها منفذ واحد لبيع النفط عبر ميناء الفاو”.

وتابع “أي خلل في هذا الميناء أو أي حادث أمني يحدث في هذا الميناء، فسيكون العراق أمام كارثة اقتصادية. هذا التعديل سيقدم حلا لهذه النقطة أيضا”.

وحول تداعيات فشل التصويت على المادة قال جمال كوجر: “من المحتمل جدا إذا استمر إيقاف تصدير النفط عبر تركيا، ستلجأ هي إلى الشكاوى على الدولة العراقية والمطالبة بالتعويضات، بسبب وجود اتفاقية ضخ النفط بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان مع الدولة التركية عبر أنبوب النقل من حقول كركوك إلى ميناء جيهان التركي”.

الخاسرون

من جانبه، قال الخبير في مجال الاقتصاد والطاقة كوفند شيرواني، إن “توقف تصدير نفط إقليم كردستان العراق الذي كان إنتاجه يتجاوز 400 ألف برميل يوميا منذ شهر مارس/آذار 2023، ألحق خسائر بالاقتصاد العراقي تتراوح ما بين 19 إلى 20 مليار دولار، وهي قيمة النفط التي كان يمكن أن تباع خلال هذه الفترة”.

وأضاف أن شركات الإنتاج والنقل الأجنبية العاملة في الإقليم أصابتها هي الأخرى خسائر بعشرات الملايين من الدولارات جراء هذا التوقف.

وتوقف تصدير نفط إقليم كردستان في مارس/آذار من عام 2023 بعدما كسب العراق دعوى للتحكيم رفعها أمام هيئة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية في باريس ضد أنقرة بشأن تصدير النفط الخام من إقليم كردستان العراق عبر ميناء جيهان التركي دون الرجوع إلى شركة تسويق النفط العراقية “سومو”.

وحول خسائر الإقليم أوضح شيرواني “أن الإقليم أيضا كانت لديه خسائر مادية ضخمة بسبب أن هذا الخلاف الذي حصل في الملف النفطي أدى إلى عدم استلام حصته الكاملة من الموازنة”.

واستطرد “الآن الحصة التي ترسل من قبل الحكومة الاتحادية (إلى الإقليم) تقتصر على الرواتب في حين تم حجب الموازنة التشغيلية والاستثمارية للإقليم التي يفترض أن تكون إجمالا بحدود 12.6% من موازنة قدرها 210 تريليونات دينار عراقي”، (الدولار يعادل 1310 دينارات).

وأكد شيرواني للجزيرة نت أنه توجد أطراف أخرى أيضا خاسرة من توقف تدفق النفط عبر الأنبوب الذي يصل ميناء جيهان، وهذا الطرف هو الشركات التركية العاملة على تشغيل وصيانة أنابيب ومحطات النفط من الحدود العراقية إلى ميناء جيهان التركي.

ولكن حسب العقد المبرم مع الحكومة العراقية أيضا، كما يشير شيرواني، فإن الشركات التركية تستحق تعويضات وغرامات حتى في حال عدم استعمال هذا الأنبوب من قبل العراق وعدم ضخ أي كميات من النفط من خلاله.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *