في خضم مؤشرات الاقتصاد الأميركي القوية التي صدرت مؤخرا ومع ارتفاع سوق الأسهم، وصل الذهب -وهو الملاذ التقليدي الآمن- إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 2195 دولارا للأونصة، قبل أن يلتقط أنفاسه قليلا، مسجلا مكاسب بنسبة تفوق 5% منذ بداية العام حتى الآن وارتفاعا مثيرا للانتباه بنسبة تقارب 19% في الأشهر الـ12 الماضية.
فما القوى الدافعة وراء الارتفاع غير المتوقع للذهب، بتعبير مجلة فوربس؟
حمى الذهب المحيرة
يقول تقرير مجلة فوربس “يتناقض ارتفاع الذهب إلى مستويات قياسية بشكل صارخ مع حالات سابقة عندما ارتفع المعدن الأصفر خلال الأزمة المالية أواخر العقد الأول من القرن 21 أو مع بداية جائحة كوفيد-19”.
ويضيف التقرير أنه بينما من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الأميركي بنسبة 2.1% هذا العام، متجاوزا الاقتصادات المتقدمة الأخرى مثل ألمانيا واليابان والمملكة المتحدة، يبدو أن الدافع الحقيقي وراء صعود الذهب هو التوقعات الأقل تفاؤلا للعديد من الأسواق غير الأميركية.
وشهدت البورصات الأجنبية، وخاصة في هونغ كونغ والمملكة المتحدة، أداء ضعيفا، حيث انخفض مؤشر هانغ سنغ في هونغ كونغ بنسبة 18% خلال العام الماضي، كما انخفض مؤشر “إف تي إس إي 100” البريطاني بنسبة 3%.
وتنقل فوربس عن الرئيس التنفيذي لشركة “ميتالز ديلي” روس نورمان قوله إن ارتفاع الذهب يغذيه الطلب “الهائل” من المستثمرين الصينيين الذين يسعون للتحوط ضد عدم الاستقرار الاقتصادي المحتمل، خاصة في ضوء أزمة العقارات التجارية في الصين.
ويشار إلى أن الذهب التقط أنفاسه -اليوم الاثنين- بعد سلسلة ارتفاعات قياسية، واستقر المعدن الأصفر في المعاملات الفورية عند 2177.24 دولارا للأوقية (الأونصة) في التعاملات الصباحية، في حين سجلت العقود الأميركية الآجلة للذهب 2183.90 دولارا.
عوامل أخرى تعزز الذهب
تسهم عدة عوامل في ارتفاع الذهب منها:
- سعي بعض المستثمرين إلى الحصول على الحماية من مخاطر التضخم الأعلى من المتوقع.
- قيام مستثمرين آخرين بتعديل محافظهم الاستثمارية في أعقاب ارتفاع سوق الأسهم.
- تنضاف المخاوف الجيوسياسية، بما في ذلك حرب إسرائيل على غزة، وكذلك روسيا وأوكرانيا، إلى جانب الانتخابات الرئاسية الوشيكة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إلى قائمة الشكوك التي تدفع المستثمرين إلى التحول إلى الذهب.
- يراقب محللون -بحسب فوربس- عن كثب التخفيضات المحتملة في أسعار الفائدة، والتي قد تؤثر على عوائد السندات الحكومية الأميركية، مما يجعل أصول الملاذ الآمن الأخرى مثل الذهب أكثر جاذبية.
- زيادة مشتريات الذهب القياسية من قبل البنوك المركزية على مستوى العالم.
- احتمال تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين إذا أصبح دونالد ترامب المرشح الرئاسي الجمهوري، يتم الاستشهاد بها كأسباب لبقاء المنحنى صعوديا بشأن الذهب.
جاذبية الذهب العالمية
ومن المثير للدهشة أن حوالي نصف شحنات الذهب في يناير/كانون الثاني الماضي كانت متجهة إلى هونغ كونغ والبر الرئيسي للصين، مما يشير إلى شهية كبيرة للذهب في الأسواق الآسيوية، ويؤكد جاذبيته العالمية.
جاذبية المعدن النفيس
وتعود شعبية الذهب كاستثمار إلى تاريخه الممتد لقرون من الاحتفاظ بقيمته خلال فترات التضخم والصراع العالمي. وشهد العام الماضي تعبير المستثمرين الأميركيين عن أعلى مستويات ثقتهم بالذهب منذ عام 2012، حيث أشار استطلاع أجرته مؤسسة غالوب إلى ثقة أكبر في استثمارات الذهب مقارنة بالأسهم.
ويتماشى ارتفاع الذهب مع الاستقرار النسبي للدولار الأميركي، والذي عادة ما يكتسب قيمة أثناء الأزمات وأوضاع السوق الصعبة.
ويقول تقرير فوربس إنه على الرغم من زيادة قيمته بنسبة 394% على مدار الـ20 عاما الماضية، متخلفا عن عائد مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 522%، فإن مرونة الذهب تظل جديرة بالملاحظة، أخذا في الاعتبار أنه يفتقر إلى إمكانات الربح التي تتمتع بها الأسهم التقليدية.