توقفت مواقع البناء في إسرائيل عن العمل مع استمرار حظر دخول العمال الفلسطينيين وذلك بعد عملية طوفان الأقصى التي شنتها المقاومة الفلسطينية ضد قوات الاحتلال في منطقة غلاف غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث بات قطاع البناء والتشييد يعكس الأزمة الاقتصادية المصاحبة للحرب حسبما ذكر تقرير نشرته وكالة بلومبيرغ.
وحسب التقرير فإن الانفصال “المؤلم” بين الاقتصادين الإسرائيلي والفلسطيني يهدد شريان الحياة للأراضي الفلسطينية وترك شركات البناء الإسرائيلية تتدافع للحصول على عمال من الخارج، وهو التحول الذي تظهر توقعات الصناعة أنه سيستغرق سنة، في أحسن الأحوال. وكان أكثر من ثلثي الفلسطينيين العاملين في إسرائيل قبل الحرب يعملون في البناء.
وفرضت إسرائيل إغلاقا كاملا للحدود مع الضفة الغربية المحتلة مع شنها حربا مدمرة على قطاع غزة، ومنذ ذلك الحين ضاعفت حصة العمال الأجانب المسموح بدخولهم إسرائيل 3 مرات لتصل إلى 65 ألف عامل، ومعظمهم من الهند وسريلانكا، لكن حتى الآن وصل 850 فقط.
وتقدّر وزارة المالية الإسرائيلية أن غياب العمال الفلسطينيين في قطاعات البناء والزراعة والصناعة يكلف الإنتاج خسارة 3 مليارات شيكل (840 مليون دولار) شهريا. وفي الضفة الغربية تضاعفت معدلات البطالة إلى أكثر من 30%.
وقبل الحرب، كان خُمس سكان الضفة الغربية العاملين يعملون في إسرائيل أو مستوطناتها، حيث كانوا يكسبون أكثر من ضعف متوسط الأجر المحلي، وفقا للأمم المتحدة، ويبلغ إجمالي دخلهم نحو 4 مليارات دولار، ما يعادل ربع الناتج المحلي الإجمالي.
وزادت معدلات توظيف العمال الفلسطينيين في إسرائيل من الضفة الغربية تدريجيا على مدى العقدين الماضيين، ويرجع ذلك جزئيا إلى الطلب على العمال اليدويين ذوي الأجور المنخفضة في إسرائيل، وحتى أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كان نحو 156 ألف فلسطيني يعملون في إسرائيل.
أما عمال غزة، فقد تم إغلاق حدود قطاعهم مع إسرائيل منذ عام 2005، ولم يُسمح إلا لجزء محدود من 20 ألف عامل كحد أقصى بدخول إسرائيل في السنوات الأخيرة.
ماذا بعد؟
تتخطى مشاكل منع العمالة الفلسطينية من دخول إسرائيل حدود الاقتصاد، وفق بلومبيرغ، فعدم التوصل إلى حل، يعرض التعاون بين قوات الأمن الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية للخطر. ويدعو اليمينيين الإسرائيليين دولتهم إلى اغتنام الفرصة وقطع العلاقات مع الفلسطينيين، وقال اتحاد العمال الوطني، وهو اتحاد عمالي صغير يضم 100 ألف عامل: “على إسرائيل أن تتوقف عن تشغيل الفلسطينيين وتجلب العمال المهرة من بلدان أخرى”.
ووفق بلومبيرغ، فإن هذه ليست وجهة نظر المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، التي كانت حتى الحرب الحالية حريصة على الحفاظ على فرص عمل للفلسطينيين حتى في أوقات التوترات المتصاعدة، وهي توصي الآن بعودة تدريجية وحذرة للفلسطينيين، جزئيا لتحقيق الاستقرار في الضفة الغربية، لكن حتى الآن، يبدو أن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اليمينية تدعمها جماهير إسرائيلية في الوقت الذي تعمل فيه على إبقاء العمال خارجا.
وقبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كان واحد من بين كل 3 عمال بناء في إسرائيل فلسطينيا، فقد سيطروا على المراحل الأولى من أعمال البناء، وهو ما يعني أنه لا يمكن المضي قدما من دونهم، وتم إغلاق نحو 40% من مواقع البناء، في حين استؤنف العمل في الباقي جزئيا.
تضرر إسرائيلي
والوضع مشابه بالنسبة لقطاع البنية التحتية في إسرائيل، الذي لم يعد بإمكانه الاعتماد على ما يقرب من 10 آلاف عامل فلسطيني كانوا يعملون في هذا القطاع قبل الحرب، بل إن الاحتياجات أكثر إلحاحا بعد أن أصيبت مواقع بصواريخ أطلقت من غزة ومن جنوب لبنان.
ورغم أن البناء يمثل ما بين 6% إلى 7% فقط من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل، فإنه يمثل ما يقرب من نصف الانخفاض شبه القياسي في النمو خلال الربع الأخير من عام 2023.
وقال رئيس الأبحاث في البنك المركزي الإسرائيلي، آدي بريندر إن غياب العمال الفلسطينيين يمكن أن يكلف إسرائيل بين 1.5% إلى 2% من ناتجها المحلي الإجمالي في العام المقبل وبعده.
وأشارت بلومبيرغ إلى أن اقتصاد إسرائيل الذي نما خلال العقدين الماضيين بفضل قطاع التكنولوجيا شمل التوسع السريع في الطرق والإسكان، والآن بعد أن أصبحت هذه الصناعات في حالة توقف تام تقريبا، فإن التأثيرات غير المباشرة سوف تكون واسعة النطاق.
وقال أكثر من ثلثي المصانع المحلية التي تورد مواد لقطاع البناء والتشييد إن مبيعاتها تراجعت بأكثر من 50% في يناير/ كانون الثاني الماضي.
ووفق بلومبيرغ، فإن مصدر قلق آخر في إسرائيل يتمثل في أن أسعار العقارات سترتفع، ما يزيد الضغط على المستأجرين وأصحاب المنازل في واحدة من أغلى أسواق العقارات في العالم.
ويمكن أن تنتقل عدوى التراجع الاقتصادي من قطاع البناء إلى البنوك الكبرى، إذ شكّل قطاعا البناء والعقارات ما يصل إلى 26% من إجمالي القروض في أكبر 5 بنوك في إسرائيل حتى سبتمبر/أيلول 2023، وفق وكالة موديز.