الكويت- حذرت جهات اقتصادية كويتية من استحالة استدامة الأوضاع الحالية، مع وجود خلل ميزان العمالة المواطنة وعجز الاقتصاد عن توظيف 300 ألف شاب وشابة قادمين إلى سوق العمل في 10 سنوات، وفي ظل عدم قدرة القطاع العام على توفير فرص العمل للمواطنين، فإنه لا بد من خلق قطاع خاص منتج يسهم في خلق فرص العمل المواطنة، وتهيئته ليصبح نواة لوعاء ضريبي يعزز القيم الديمقراطية للبلاد، ويشرك المواطنين في البناء والتمويل.
ووفقا لمراقبين، فقد باتت الكويت بحاجة ماسة إلى إدارة تمتلك رؤية إصلاح جذرية، ويكون لديها قدرة على القتال من أجل بلوغ مستهدفات رؤيتها. خصوصا بعد كلام رئيس مجلس الوزراء الشيخ محمد صباح السالم الصباح خلال لقاء موسع مع رؤساء تحرير الصحف المحلية وممثلي الجهات الإعلامية، بأنه من المتوقع دخول أكثر من 300 ألف مواطن سوق العمل خلال السنوات العشر المقبلة، والقطاع العام لن يستطيع استيعاب هذا العدد، مما يتطلب مشاركة القطاع الخاص.
نسبة ضعيفة في القطاع الخاص
تبلغ النسبة الإجمالية للسكان في الكويت -بحسب مؤشرات الهيئة العامة للمعلومات المدنية- 32% من المواطنين مقابل 68% من غير المواطنين (مليونا و51 ألفا و491 كويتيا مقابل مليونين و956 ألفا و965 غير كويتي). ويصل المواطنون داخل قوة العمل إلى 499 ألفا و969، مقابل مليونين و504 آلاف و575 من العمالة المقيمين.
ونجد أن نسبة المواطنين العاملين في القطاع الحكومي تصل إلى نسبة مرتفعة 78% مقابل نسبة ضعيفة جدا تعمل في القطاع الخاص 4%، في حين تصل نسبة العمالة الوافدة في القطاع الحكومي إلى 22% مقابل نسبة كبيرة جدا في القطاع الخاص تصل إلى 96%.
مرونة القطاع العام
ويرى الخبير الاقتصادي الدكتور عصام الطواري أن القطاع العام هو القطاع الطاغي في مجال التوظيف لأسباب أهمها صرف الرواتب وقصر فترة الدوام والامتيازات الأخرى كالكوادر المالية، ووجود مرونة كبيرة في موضوع الإجازات.
وفي المقابل، يسعى القطاع الخاص للحصول على أقصى ما يمكن من جهد وعمل وأفكار وابتكار من أي شخص يعمل لديه، وبالتالي فمتطلبات العمل في القطاع الخاص أعلى من القطاع العام، مقابل مردود مادي أقل منه في القطاع العام.
ويستطرد الطواري أن هذا دفع إلى ظهور برامج لدعم العمالة الوطنية للعاملين في القطاع الخاص من قبل الحكومة، من خلال أن يتم استقطاب العمالة الوطنية من العام إلى الخاص، لكن في عامي 2013 و2014 ومع موضوع إقرار الكوادر المالية لبعض القطاعات، تم نزوح عدد من القطاع الخاص إلى العام الذي لا يستطيع أن يخلق فرص عمل، وأن يستقطب كل مخرجات التعليم.
ويشير الطواري إلى أن لدى الكويت 25 ألف خريج سنويا عدا عن وجود أعداد من الخريجين السابقين الذين ينتظرون تعيينهم في الجهات الحكومية، ولذلك فإن خلق فرص العمل يجب أن تأتي من القطاع الخاص، وهذا أحد أهداف إنشاء صندوق المشاريع الصغيرة والمتوسطة لإنشاء أعمال وشركات توفر فرص عمل للكويتيين بشكل أساسي.
أما عن مدى مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد الكويتي، فيقول الطواري في حديثه لـ”الجزيرة نت” إن “القطاع العام هو المهيمن في الكويت، إذ نعتمد على مصدر وحيد هو النفط الذي يشكل 85% من الناتج القومي، ولذلك تكون مساهمة القطاع الخاص الذي يعتمد على المشاريع التي تأتي من القطاع العام سواء في قطاعات النفط والخدمات وغيرها، ضعيفة ولا تشكل أكثر من 13%، ونأمل أن يكون هناك مساهمة أكبر من خلال إشراك القطاع الخاص في تطوير المشاريع القادمة مثل البنى التحتية وغيرها، واستقطاب رؤوس الأموال من الخارج التي تعمل في قطاعات إستراتيجية مثل اللوجيستية والخدمات التقنية التي يمكن أن تخلق فرص عمل جديدة للمواطنين”.
ويلفت الطواري إلى أن عدد العاملين الكويتيين في القطاع الخاص قد لا يتجاوز 70 ألفا، مقابل 450 ألف كويتي يعملون في القطاع العام، وهذه تعتبر نسبة بسيطة، أما العمالة الوافدة التي تتراوح بين العمالة الفنية وغير الماهرة، فلدينا نحو 650-700 ألف كعمالة منزلية، وباقي العمالة الوافدة تشكل نحو مليون ونصف يعملون بشكل أساسي في القطاع الخاص مقابل عدد أقل في القطاع العام.
ويعتقد أن القطاع الأكبر الذي يستقطب المواطنين في القطاع الخاص، هو القطاع المصرفي، وهو من أهم قطاعات العمل المشغلة لليد العاملة الكويتية، والقطاع النفطي الذي يعتبر شبه حكومي، وقطاعات أخرى مثل الخطوط الجوية الكويتية.
مشاركة ضعيفة
ويرى الكاتب المتخصص في الشؤون الاقتصادية محمد البغلي أن مشاركة القطاع الخاص الكويتي في خلق فرص العمل للمواطنين، ضعيفة نظرا لمحدودية القطاع الخاص وقلة الفرص الاستثمارية، خصوصا مع انخفاض حصة المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي يمكن أن تستقطب عددا أكبر لو أديرت بطريقة محفزة، فالقطاع الخاص في الكويت يوظف أقل من 20% من قوة العمل الكويتية، ولا يشكل الكويتيون أكثر من 6% من حجم العاملين في القطاع الخاص.
ويعتقد البغلي أن تشجيع وتحفيز المواطنين للعمل في القطاع الخاص يتطلب مجموعة من الخطوات مثل تسهيل الحصول على التمويل اللازم والأراضي للمبادرين إلى جانب تسهيل الإجراءات البيروقراطية في تأسيس الأعمال، كما أنه من المهم ربط طرح المناقصات وترسيتها على الشركات بمدى توفيرها لفرص عمل للعمالة الوطنية فضلا عن أن توفر الدولة -بشكل مستمر- العديد من الفرص الاستثمارية للقطاع الخاص كي يتمكن من مواصلة توفير الفرص الوظيفية.
أما عن الخطوات التي يمكن أن تقوم بها شركات القطاع الخاص لاستقطاب المواطنين للعمل لديها، فيرى محمد البغلي أنه من المهم أن يبادر القطاع الخاص إلى العمل على تطوير مهارات العاملين لديه إلى جانب العمل على رفع مستوى الإنتاجية من خلال الدورات التدريبية وتوجيه الخبرات الأجنبية لتطوير الشباب الوطني.
وأضاف البغلي في حديثه لـ “الجزيرة نت” أن من الحلول الأساسية لتخفيف أعباء العمل في القطاع العام، رفع جاذبية العمل في القطاع الخاص ليس فقط من ناحية المميزات المالية، إنما أيضا عبر تقديم مزايا وظيفية متنوعة، مثل أن يكون قانون التقاعد في القطاع الخاص أكثر مرونة منه في القطاع العام، إلى جانب العمل على توطين الوظائف القيادية وواجبة التسجيل خلال فترات محددة وإعادة تأهيل الشباب من مخرجات المعاهد للعمل في القطاع الصناعي. خصوصا أن العمالة الوطنية يتركز عملها في قطاعات معينة في القطاع الخاص مثل العمل في المصارف وشركات الاتصالات والقطاعين المالي والعقاري، فضلا عن الأعمال التجارية الحرة، خصوصا في مجالات التكنولوجيا والأغذية أو المقاهي والكافيهات.