كيف يؤثر نقص الغاز الإسرائيلي على قطاع الكهرباء في مصر؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

القاهرةـ حاول مصطفى عبيد وجيرانه بمدينة ببا في بني سويف (جنوب القاهرة) الاتصال بأرقام الطوارئ والمطافئ دون جدوى، فلا شبكات اتصالات تعمل لمدة ساعة، تلت الساعة الأولى لانقطاع الكهرباء عن المنطقة التي غرقت في الظلام قبل أن يضاء الأفق بحريق كبير في أحد البيوت أحال الظلام البارد نهاراً ملتهبا.

وتعطلت أبراج الهاتف المحمول بعد نفاد مخزونها من الطاقة مع طول مدة انقطاع الكهرباء -بحسب مختصين- مما سبب شللا كاملا في التواصل بين المواطنين تلك الفترة.

وعادت ظاهرة الانقطاع المتكرر للكهرباء بمصر مؤخراً، بعد أن كانت قد اختفت مع رحيل فصل الصيف الذي تضاعف فيه استهلاك الكهرباء بفعل تشغيل المكيفات، مما دفع الحكومة وقتها لتخفيف الأحمال بقطع الكهرباء عن مناطق كاملة خلال وقت محدد تزايد مؤخرا ليبلغ ساعتين في بعض المناطق رغم انخفاض درجات الحرارة وتراجع استهلاك الكهرباء.

ويؤثر الانقطاع على كفاءة كثير من الخدمات ومنها الاتصالات، ليصيبها بالشلل في بعض المناطق.

وأرجعت تصريحات حكوميين عودة ظاهرة الانقطاع إلى نقص الغاز المطلوب لتشغيل محطات توليد الكهرباء، رغم تبشير الحكومة للمصريين بتزايد الإنتاج من الغاز الطبيعي، مما دفع للتساؤل عن سر نقص الغاز المطلوب لتشغيل محطات التوليد.

ظلام دامس

وتردد صدى ضربات جيش الاحتلال الإسرائيلى على غزة في مصر بإغراق البلاد في ظلام دامس لساعة أو ساعتين يوميا، بعد توقف إسرائيل عن ضخ الغاز نحو مصر بالمعدل المعتاد.

ورغم عودة الغاز الإسرائيلي جزئياً، فإن انقطاع الكهرباء استمر.

ومن جهة أخرى، أفاد مواطنون في بعض مناطق القاهرة أن مدة الانقطاع انحسرت خلال اليومين الماضيين من ساعتين إلى ساعة واحدة.

وكانت الحكومة تستثمر واردات الغاز الإسرائيلي في عمليات التسييل، ومن ثم تصديره لأوروبا، سعيا لتدبير عوائد دولارية تتزايد حاجة مصر إليها بشكل متزايد.

واضطرت الحكومة إلى تسييل جانب من إنتاجها من الغاز المحلي الموجود بالمحطات لتعويض الحصة المطلوب تصديرها بهدف توفير العملة الصعبة، مما انعكس سلبا بالنقص على احتياجات محطات توليد الكهرباء المحلية التي قلصت ساعات عملها فانقطع الكهرباء فترات محددة عن معظم مناطق البلاد.

وأمام تراجع إيرادات السياحة من العملة الصعبة في ظل إلغاء 25 ألف حجز وإغلاق 90%من المنشآت الفندقية في سيناء -بحسب إحصاءات غرفة السياحة- بحثت الحكومة عن بدائل لتوفير الدولار، كما يقول مراقبون.

وضاعفت تلك التطورات من حاجة مصر إلى عوائد دولارية لسداد التزاماتها المتمثلة في أقساط الديون الخارجية التي تجاوزت -بحسب إحصاءات شبه رسمية- 172 مليار دولار.

وارتفعت واردات مصر من الغاز الطبيعي الإسرائيلي بنحو 133% خلال أسبوع، لتصل إلى 350 مليون قدم مكعب يوميا، وفقا تصريحات صحفية لمسؤولين مصريين.

ولايزال  مستوى واردات مصر من الغاز الإسرائيلي أدنى مما كانت عليه الوضع قبل بداية العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين.

وبلغت واردات الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى مصر أواخر الشهر الماضي نحو 150 مليون قدم يومياً، مقارنة بـ 800 مليون قبل شهر من تدهور الأوضاع بالأراضي المحتلة.

وتجري إسالة هذه الكميات في معملي إدكو ودمياط، قبل تصديرها والحصول على عائدات تجاوزت 8 مليارات دولار عام 2022 من بيع الغاز الطبيعي والمسال.

ضغوط العملة الصعبة

بهذا الصدد أكد رئيس قسم الاقتصاد بكلية التجارة جامعة القاهرة رشاد عبده أن مصر مضطرة لتجرع الدواء المر باحتمال انقطاع الكهرباء بدلا من الانقطاع عن سداد 17 مليار دولار بنهاية السنة الحالية، و24 مليار دولار بنهاية العام المقبل كأقساط ديون.

وأوضح عبده -بحديث للجزيرة نت- أن تسييل الغاز الإسرائيلي في محطات الإسالة المصرية يحدث فارقا هائلا في ثمن الغاز، بشكل يزيد من عائدات مصر الدولارية، ويوفر مداخيل أكثر لميزان المدفوعات الذي يحتاج بشدة العملة الصعبة.

ولفت إلى أن الصيف الماضي شهد استهلاك كميات ضخمة من الغاز بسبب استخدام أجهزة التكييف، مما أدى إلى نفاد جزء كبير من الغاز الموجه في الأصل إلى التصدير.

وأضاف الدكتور عبده “كان الرهان على فصل الشتاء -وهو موسم ازدهار للسياحة- لتعويض نقص العوائد الدولارية، ومن ثم الاستمرار بسداد أقساط الديون، لكن أحداث غزة وانعكاساتها على مصر دفعت الحكومة للرهان على تحويل الغاز المحلي نحو محطات الإسالة ومن ثم تصديره بدلا من استهلاكه محليا”.

من جهته عزا الخبير الاقتصادي هاني عادل تزايد انقطاع الكهرباء في مصر إلى اضطرار الحكومة للاستعاضة بالغاز المحلي بعد انقطاع الإسرائيلي لتزويد محطات الإسالة، وفاء بالتزامات دولية بتصدير الغاز نحو أوروبا بحصص واتفاقات محددة، في ظل توقف إمدادات الغاز الروسي نحو القارة العجوز.

وجاء هذا الخيار على حساب المواطن المصري، حيث تم تقليل الغاز المخصص لمحطات توليد الكهرباء مما أسهم في انقطاعات مستمرة للكهرباء.

ويتفق عادل -في حديث للجزيرة نت- مع الرأي القائل برغبة الحكومة في سد النقص من الدولار عبر هذا الحل، نظرا للالتزامات بسداد أقساط الديون التي تطارد الحكومة دوريا.

ما البدائل؟

قلل الخبير الاقتصادي وائل النحاس من أهمية التقارير التي تتحدث عن عدم اعتماد مصر على الغاز الإسرائيلي في توليد الكهرباء محلياً بشكل كلي، مؤكدا صعوبة الجزم بهذا الأمر، لاسيما وأن هذا الغاز يتم ضخه في أنابيب ويدخل السوق المحلية بشكل يصعب معه الفصل بين ما هو موجه للتصدير وبين المخصص للاستهلاك المحلي.

وعن البدائل المتاحة أمام الحكومة لتجاوز قطع الكهرباء عن الداخل، رأى الخبير الاقتصادي النحاس -في حديث للجزيرة نت- أن الخيارات تبدو محدودة:

  • أولا: عدم التركيز فقط على الغاز لتوليد الكهرباء، والاعتماد -بالمقابل- على المازوت، رغم تكلفته المرتفعة.
  • ثانيا إمكانية الاعتماد على الطاقة البديلة المتمثلة في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتوليد الكهرباء، لكن ذلك يحتاج لاستثمارات عالية.
  • ثالثا: زيادة عمليات استكشافات الغاز، عبر تقديم حوافز للاستثمار في هذا المجال، بشكل يجعل البلاد في حالة اكتفاء ذاتي من الطاقة، لتلبية الطلب المحلي والعالمي، ومنع اللجوء إلى خيار تخفيف أحمال الكهرباء مستقبلا، لما لذلك من أضرار على مناخ الاستثمار والأنشطة الاقتصادية المختلفة.
  • ترشيد أساليب التعامل مع حقول مصر من الغاز، والعمل على تطويرها وفق خطط ممنهجة.
  • ضرورة وجود توجه رسمي وشعبي لتقليل الاستهلاك بشكل يحول دون استهلاك كميات كبيرة من الغاز الطبيعي، مما سيسهم في خفض فاتورة الطاقة.

وانتقد مصريون توسع الحكومة في قطع الكهرباء بوتيرة غير مسبوقة، دون الوضع في الاعتبار معاناة المواطنين جراء هذا الإجراء.

وقال طالب طارق نبيل (محام) إن على الحكومة أن تطالب من إسرائيل تعويضات عن انقطاع إمدادات الغاز الطبيعي، ورأى -في حديث للجزيرة نت- أنه لا يجوز التذرع بالحرب لأن إسرائيل هي من بدأتها وتملك وقفها وحل الأزمة التي صنعتها لنفسها وللعالم، كما لا يجوز تحميل المواطنين فاتورة تخاذل إسرائيل عن الوفاء بالتزاماتها التعاقدية.

من جهته سخر أحمد البربري (معلم بإحدى مدارس القاهرة) من مثل هذه الإجراءات، وقال إن الحكومة استندت إلى “الحائط المائل” وهو المواطن، وهو تعبير مصري يقصد به اختيار أسهل الحلول وترحيل العبء على الجانب الأضعف، مضيفا أن المنظومة التعليمية تعاني من انقطاع الكهرباء.

أما محمود سلامة (ممرض بأحد مستشفيات الجيزة) فقال إن طول فترة انقطاع الكهرباء يتسبب في انخفاض كفاءة المستشفيات، نظرا لاعتمادها على المولدات.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *