بغداد- بقيمة تجاوزت 3.5 تريليونات دولار في عام 2024، تمثل التجارة العربية مع العالم رقمًا لافتًا على الخارطة الاقتصادية الدولية، غير أن الجزء البيني منها لا يزال محدودًا مقارنة بالإمكانات الكامنة، في ظل تحديات متواصلة تواجه التكامل الاقتصادي العربي.
وتنعقد القمة العربية في بغداد في لحظة بالغة الأهمية، وتتيح للدول الأعضاء فرصة إستراتيجية لتقييم واقع التجارة والاستثمارات البينية والخارجية، وتحديد المعوقات التي تحول دون تعزيزها، واقتراح آليات عملية لتوسيع نطاقها بما يخدم مصالح الشعوب العربية ويعزز التنمية المستدامة.
حجم التجارة العربية واتجاهاتها
ويشير الخبير المالي والاقتصادي كاظم جابر إلى استمرار النمو التصاعدي في حجم التجارة العربية البينية للسلع والخدمات حتى الربع الأول من عام 2025، مدفوعًا باتجاهات نسبية من التكامل والنمو الاقتصادي.
وقال جابر للجزيرة نت إن التقديرات الأولية تشير إلى تجاوز قيمة التجارة البينية السلعية 550 مليار دولار أميركي في عام 2024، بما يمثل نحو 18-20% من إجمالي التجارة السلعية العربية، موضحًا أن هذا النمو يُعزى إلى اتفاقيات التجارة الحرة والجهود الرامية إلى تسهيل التبادل التجاري. لكنه أكد في الوقت ذاته أن هذه الأرقام لا تزال دون الطموحات الحقيقية المتاحة.
وأضاف جابر أن التركيز لا يزال منصبًّا على المنتجات الأولية والمواد الخام، وذلك ما يستدعي تنويع قاعدة التجارة وتوسيعها لتشمل منتجات ذات قيمة مضافة. وجغرافيا، أشار المتحدث إلى أن التجارة تتركز بين دول بعينها، داعيًا إلى توزيع أكثر توازنًا يشمل مختلف الدول العربية.
وفي ما يخص الاستثمارات البينية، أوضح جابر أن نموها متواصل لكنه لا يرقى إلى المستوى المنشود. فقد قُدّرت قيمتها التراكمية بنحو 450 إلى 500 مليار دولار أميركي حتى نهاية 2024، وتتركز هذه الاستثمارات في قطاعات مثل العقارات والسياحة والخدمات المالية والبنية التحتية.
وأكد جابر أهمية توجيه جزء أكبر من هذه الاستثمارات نحو القطاعات الإنتاجية والتكنولوجية التي تُسهم بشكل مباشر في تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة. وذكر أن كلا من الأردن ومصر والمغرب والجزائر تمثل وجهات رئيسية لتلك الاستثمارات، في حين تُعد دول الخليج أبرز مصدر لها، لافتًا إلى الدور المتزايد الذي تلعبه الصناديق السيادية في دعم هذا التوجه.
أما على صعيد التجارة الخارجية، فشدد جابر على أن الدول العربية تُعد لاعبًا محوريًّا في التجارة العالمية بإجمالي تجارة تجاوز 3.5 تريليونات دولار أميركي في 2024. ومع أن الصادرات ما زالت تهيمن عليها السلع النفطية والغازية، فإن ذلك يُبقي اقتصادات المنطقة عرضة لتقلبات أسعار الطاقة.
وأشار إلى أن الواردات العربية تتنوع بين السلع المصنعة والمنتجات الغذائية والتكنولوجية، مبينًا أن الاتحاد الأوروبي، والصين، والولايات المتحدة، والهند من أبرز الشركاء التجاريين، مع نمو ملحوظ للعلاقات مع دول آسيا.
وأوضح أن الميزان التجاري العربي لا يزال يعتمد إلى حد كبير على أسعار النفط، مشيرًا إلى أن الفائض التجاري شهد تراجعًا في عام 2024، وهو ما يعكس الحاجة الماسّة إلى تنويع الصادرات وتعزيز الإنتاجية في قطاعات أخرى.
وأضاف أن الدول العربية، وخاصة الخليجية منها، تمتلك أصولًا استثمارية ضخمة في الخارج تُدار من خلال صناديق ثروة سيادية، تُوزَّع على أنواع مختلفة من الأصول بهدف تحقيق عوائد مستدامة وتنويع مصادر الدخل. ومع ذلك، فإن هذه الأصول تواجه تحديات تقلب الأسواق والمخاطر الجيوسياسية، في مقابل فرص واعدة في قطاعات النمو العالمية.
دور القمة في تعزيز التجارة والاستثمارات
من جانبه، اعتبر الخبير الاقتصادي أحمد الأنصاري أن القمة العربية المنعقدة في بغداد تمثل فرصة محورية لرسم مسار جديد للتعاون الاقتصادي العربي وتعزيز كل من التبادل التجاري والاستثمارات البينية والخارجية.

وقال الأنصاري للجزيرة نت إن القمة قادرة على إقرار إستراتيجيات واضحة لتسريع التكامل الاقتصادي العربي، من خلال تفعيل منطقة التجارة الحرة الكبرى وإزالة العوائق غير الجمركية، داعيًا إلى إطلاق مبادرات عملية لتشجيع الاستثمارات العربية المشتركة.
واقترح في هذا السياق تأسيس صندوق عربي لتمويل المشاريع الإقليمية، وتسهيل إجراءات تسجيل الشركات، وتقديم محفزات ضريبية للمستثمرين العرب، معتبرًا أن هذه الخطوات قادرة على تعزيز بيئة الأعمال وجذب رؤوس الأموال.
وشدد على أن تطوير البنية التحتية الإقليمية المشتركة في قطاعات النقل والطاقة والاتصالات يشكّل أحد أعمدة دعم التجارة والاستثمار، مؤكدًا أهمية تفعيل دور القطاع الخاص العربي من خلال إنشاء منصات تعاون وتنظيم منتديات اقتصادية مشتركة.
وأشار الأنصاري إلى إمكانية تنسيق السياسات الاقتصادية بين الدول العربية في مجالات الاستثمار والتجارة والضرائب، بما يعزز البيئة الجاذبة للتجارة ويقوي الروابط الاقتصادية.
كذلك نادى بأهمية تعزيز التعاون الاقتصادي العربي مع الشركاء الدوليين على أسس تخدم المصالح المشتركة وتدعم أهداف التنمية المستدامة. وطالب بالاتفاق على آليات واضحة لمتابعة تنفيذ قرارات القمة وتقييم التقدم المحرز بشكل دوري.
وختم الأنصاري حديثه بالتأكيد على ضرورة:
- تسريع وتيرة التكامل الاقتصادي العربي.
- تفعيل الاتفاقيات التجارية القائمة.
- إزالة الحواجز غير الجمركية.
- جذب الاستثمارات في القطاعات ذات القيمة المضافة.
- تمكين القطاع الخاص وتعزيز دوره.
- تعزيز التعاون الدولي الاقتصادي.
- تنظيم آليات فعالة لتنفيذ القرارات ومراقبة أثرها الفعلي.