فايننشال تايمز: ماذا يبقى من غزة عندما تنتهي الحرب؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

رصدت فايننشال تايمز جانبًا من الدمار الذي أحدثه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في حرب قاربت على 3 أشهر من القصف واستشهد فيها أكثر من 22 ألفًا و185 فلسطينيًا، وأصيب 57 ألفا و35 آخرين، وفق وزارة الصحة الفلسطينية.

واستعرضت الصحيفة البريطانية الأطوار التي مر بها الغزيون، من خلال ما نقلته عن رجل الأعمال الفلسطيني فيصل الشوّا من مرحلة ما بعد أوسلو والأمل في تسوية مستدامة للصراع مع الاحتلال المستمر منذ عقود، مرورًا بحكم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالقطاع وحصاره المستمر منذ نحو 17 سنة، وصولًا إلى الحرب الحالية التي فقد فيها استثماراته بالمصانع والمزارع والبناء والزراعة.

معاناة شاملة

بحسب الشوا فإن كل سكان غزة -أغنياءً وفقراءً وصغارًا وكبارًا – يعانون من الهجوم الجوي والبري والبحري من جانب إسرائيل في القطاع، كما أن كل أسرة تقريبًا فقدت أحد أقاربها أو أصدقائها، وقد دُمرت جميع مقوّمات الحياة الطبيعية في المنطقة، بينما يخشى السكان من ألا يبقى ما يعودون إليه عندما تنتهي الحرب، وسط اعتقاد لدى الكثيرين في أن هدف إسرائيل النهائي هو جعل القطاع غير صالح للسكن وإجبار سكانه على التخلي عن وطنهم.

وقال الشوّا “إنهم يريدون جعل غزة غير صالحة للعيش. وحتى لو سُمح لنا بالعودة غدًا، كيف سنعيش؟ إنهم يدمرون منازلنا، واستثماراتنا، ومصانعنا، وأشجارنا، والبنية التحتية وكل شيء” حسبما نقلت عنه الصحيفة.

واقترح وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش، في مداخلة لراديو الجيش الإسرائيلي نهاية الأسبوع الماضي، الإبقاء على ما بين 100 ألف و200 ألف عربي (فلسطيني) في قطاع غزة، داعيًا إلى تهجير البقية.

ورغم أن تعليقاته لا تعكس السياسة الرسمية -وفق الصحيفة البريطانية- فإن العديد من سكان غزة يرون أن إسرائيل تريد دفعهم جنوبًا إلى مصر، فقد سعت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى إقناع القادة الأوروبيين، الأسابيع الأولى من الحرب، بالضغط على القاهرة لقبول اللاجئين من غزة.

لكن مصر رفضت قبول التهجير القسري لسكان غزة إلى أراضيها، إلا أن المخاوف لا تزال قائمة، بحسب الصحيفة. ويخشى الفلسطينيون تكرار نكبة عام 1948، عندما تم تهجير حوالي 700 ألف منهم في أعقاب الحرب الأولى بين الدول العربية وإسرائيل التي أقيمت حديثًا.

وينحدر حوالي 1.7 مليون من سكان غزة من العائلات التي فرت من منازلها قبل 75 سنة، وصنّفتهم الأمم المتحدة لاجئين.

ونقلت فايننشال تايمز -عن الباحث في غزة بمجموعة الأزمات الدولية عزمي كيشاوي- قوله “يفكر الناس، متى سينتهي ذلك؟ هل سنعود؟ هل سيدفعوننا إلى سيناء؟”.

وأجبر الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة أكثر من 85% من السكان البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة على ترك منازلهم، وتم الضغط عليهم في مناطق أضيق من أي وقت مضى بالجنوب، ولجؤوا مع كل ما أمكنهم حمله إلى المباني السكنية المكتظة والمدارس والمستشفيات والمباني التي تستخدمها الأمم المتحدة والخيام.

وتقول الأمم المتحدة إنه تم دفع ربع السكان نحو المجاعة، إذ يصطف الناس ساعات طويلة للحصول على الخبز أو استخدام المرحاض، ولا يعرف الكثيرون ما إذا كانت منازلهم لا تزال قائمة.

تدمير الجامعة

على مستوى فئة أخرى أصغر سنًا، نقلت الصحيفة عن محمود رستم، طالب تكنولوجيا المعلومات في السنة الثالثة بالجامعة الإسلامية في غزة، قوله إن الجيش الإسرائيلي دمر جامعته التي كان يأمل أن ينهي فيها دراسته بدعوى أن حركة حماس تستخدمها “معسكر تدريب لعملاء المخابرات العسكرية، وكذلك لتطوير وإنتاج الأسلحة”.

وبحسب فايننشال تايمز، فإنه ليس غريبًا على سكان غزة أن يضطروا إلى لملمة شتات حياتهم وسط الأنقاض، فقد تحطمت لحظة أمل عابرة بعد اتفاقيات أوسلو بانهيار عملية السلام واندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000، وتعرض قسم كبير من البنية التحتية للقطاع للضرر أو الدمار، ومُنع سكان غزة من العمل في إسرائيل والمستوطنات، وفُرضت قيود شديدة على حركة البضائع إلى القطاع، وسُحقت أي أفكار بشأن الدولة الفلسطينية.

ورغم انسحاب إسرائيل بالكامل من المنطقة عام 2005، فإنها احتفظت بالسيطرة على مجالها الجوي وحدودها، باستثناء 12 كيلومترًا على الحدود مع مصر، وذلك مع سيطرة حركة حماس على القطاع.

وقد انكمش نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في غزة بين 2006 و2022 بنسبة 27% ليصل 1257 دولارًا، بحسب هيئة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد). وعندما اندلعت الحرب الأخيرة، كان أكثر من 3 أرباع السكان يعتمدون على المساعدات الدولية مع نسبة بطالة في حدود 44%.

وتقدر الأمم المتحدة نسبة الوحدات السكنية التي تضررت أو دُمرت في القطاع بأكثر من 60%، إلى جانب مئات المدارس وعشرات المساجد والطرق والمخابز والمحلات التجارية وآلاف الأعمال الأخرى، كما أن أكثر من نصف مستشفيات غزة لم تعد تعمل.

النظام الصحي

أما النظام الصحي في القطاع، فقد قال عنه غسان أبو ستة الجراح البريطاني الفلسطيني الذي عمل في غزة إنه تم تفكيكه بشكل منهجي، مضيفًا “انظروا كيف تم تفكيك المستشفيات واحدة تلو الأخرى.. هل ستسمح إسرائيل بدخول مواد إعادة الإعمار إلى غزة؟ الأمر يتجاوز الفلسطينيين، فهو يحتاج إلى مشاركة دولية”.

ونقلت فايننشال تايمز عن فيليب لازاريني رئيس وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة للفلسطينيين، وصفه ما حدث في غزة بأنه “حرب تفوق كل المقاييس.. مستوى الدمار صاعق”.

أما الخدمات الحكومية، بخلاف العاملين في مجال الصحة والطوارئ، وفق رصد الصحيفة، فقد صارت لا تذكر مع تهجير الموظفين العموميين الذين يخشون أن يتم استهدافهم.

وتوقعت فايننشال تايمز أن تكون كلفة إعادة البناء بمليارات الدولارات. فوفق صندوق النقد الدولي، تسببت حرب عام 2014 المحدودة للغاية بأضرار تتراوح بين 3 و6 مليارات دولار.

وشبّه الأستاذ المشارك في العلوم السياسية بجامعة الأزهر في غزة، مخيمر أبو سعدة، دمار غزة بأنه كالنسخة الثانية من المدن الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية، مضيفا أن غزة تحتاج الآن إلى بناء كل شيء من الصفر.

ويعتقد أن غزة، مثل ألمانيا ما بعد الحرب، ستحتاج إلى خطة مارشال خاصة بها. لكن لا أحد يعرف من سيموّلها.

ونقلت فايننشال تايمز عن دبلوماسي عربي قوله إن دول الخليج الغنيّة بالنفط يمكن أن تساعد في تمويل أعمال البناء في غزة بعد الحرب، لكنه استبعد أن تستثمر ما لم تعرف كيف سيكون الوضع بعد الحرب، فهم بحاجة إلى رؤية أمل حقيقي في حل الدولتين.

من جانب آخر، أدى الدمار الذي لحق بغزة إلى تغيير المزاج العام بين حلفاء إسرائيل الغربيين، وفق فايننشال تايمز، وحتى الرئيس الأميركي جو بايدن، أقوى مؤيديها، انتقد الشهر الماضي “القصف العشوائي”. وقد دفعت فرنسا من أجل هدنة إنسانية بينما دعت المملكة المتحدة وألمانيا إلى “وقف إطلاق نار مستدام يؤدي إلى سلام مستدام”.

لكن المسؤولين الإسرائيليين أوضحوا أن الضغوط الدوليّة لن تردع تل أبيب عن ملاحقة أهدافها التي تتمثل في تأمين إطلاق الرهائن الإسرائيليين، وتدمير قدرة حماس العسكرية، وأسر أو قتل قياداتها العليا، وحذّر رئيس الوزراء الإسرائيلي من أن إعادة الإعمار لن تتم إلا بعد أن يصبح القطاع منزوع السلاح و”يبدأ المجتمع الفلسطيني في اجتثاث جذور التطرف”.

ويشكك كثيرون، وفق الصحيفة، في إمكانية هزيمة حماس بشكل كامل، إذ يقول أبو سعدة “حماس لم تستسلم ولن تستسلم” لكنه يعتقد أن الحرب ستؤدي إلى تقلص الطبقة الوسطى وتفاقم الفقر.

وأظهر استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية ارتفاعًا ملحوظًا في تأييد حماس بالضفة الغربية، وارتفاعا طفيفًا في دعم الجماعة بغزة مقارنة بما كان عليه قبل 3 أشهر، وفي كلتا المنطقتين تتمتع حماس بمعدلات تأييد أعلى بكثير من حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح).

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *