دمشق- “كانت لحظة قبولي لأداء فريضة الحج لا توصف، فلطالما دعوت الله أن يكتب لي زيارة كعبته المشرفة والحمد لله المجيب لقد تحقق رجائي مع أن رسوم الحج كانت مكلفة وثقيلة على أبنائي المغتربين، فإنهم تعاونوا على تأمينها وصارت متوفرة بفضل الله”.
بهذه الكلمات يعبر أبو محمد (62 عاما) في حديث للجزيرة نت عن سعادته بقبوله ضمن قوائم الحجاج السوريين لهذا العام، التي ستنطلق أفواجها من دمشق في يونيو/ حزيران المقبل باتجاه السعودية لأداء الفريضة المقدسة.
وأعلنت وزارة الأوقاف في حكومة النظام السوري، الأسبوع الماضي، عن قبولها العدد المحدّد بـ 17 ألفا و500 شخص لأداء فريضة الحج من أصل نحو 50 ألف متقدم بطلب عبر المنصة الإلكترونية المخصصة لهذا الغرض، وجرت المفاضلة بينهم وفقا لمعيار السن، ليتم قبول جميع المتقدمين من مواليد 1957 فما دون مع مرافقيهم المسجلين.
وهي المرة الأولى التي ستنطلق فيها حملات الحج من دمشق منذ نحو 12 عاما، ذلك بعد أن استأنفت السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع النظام السوري العام الماضي.
وتوزع ملف الحج للموسم الحالي بين وزارة الأوقاف في حكومة النظام ولجنة “الحج العليا” التابعة للمعارضة السورية، التي كانت المسؤولة عن الملف كاملا منذ عام 2013.
تكلفة فلكية والدفع بالنقد الأجنبي
وتتراوح تكاليف رحلة الحج في مكاتب الحج والعمرة ضمن مناطق سيطرة النظام بين 85 و200 مليون ليرة سورية (5700-13 ألفا و400 دولار وفقا لسعر الصرف الرسمي) بحسب الخدمات المقدمة وأماكن الإقامة (درجة الفندق)، بينما لا تتجاوز تكاليف رحلة الحج من مناطق المعارضة في الشمال السوري مبلغ 5 آلاف دولار.
وعن الخدمات والتسهيلات التي تؤمنها مكاتب الحج والعمرة للحجاج في مناطق سيطرة النظام، يقول أبو إياد (53 عاما)، موظف في شركة سياحة في دمشق، للجزيرة نت: “يتضمن المبلغ المدفوع حجوزات الطيران ذهابا وإيابا، وأجور التنقّل بين الحرم والمدينة المنورة بباصات حديثة مكيّفة، إلى جانب تقديم وجبتي طعام (فطور وغداء) لكل حاج يوميا، وتفسيرات وإرشادات دينية يقدمها علماء دين طوال فترة الحج، وهدايا مقدمة للحجاج”.
ويضيف: “تزيد التكلفة أو تنقص بحسب شركة الطيران ودرجة الحجز، إلى جانب درجة الفندق التي يختار الحاج المكوث فيه”.
وأصدر مصرف سوريا المركزي، تزامنا مع إعلان وزارة الأوقاف قبولها الأعداد المحدّدة من الحجاج منتصف الشهر الجاري أبريل/نيسان، قرارا يقضي بإلزام المقبولين لأداء فريضة الحج بتسديد الرسوم والتكاليف بالنقد الأجنبي لبنك “البركة سورية”.
وصرّح المركزي لشركات الصرافة المرخصة ببيع المقبولين من الحجاج مبالغ بالنقد الأجنبي بسعر الصرف الخاص بالمصرف “مضافا إليه عمولة لا تتجاوز 10%” من سعر الصرف المطبّق، مشيرا إلى أن شركات الصرافة ملتزمة بتزويد المصرف المركزي ببيانات الحجاج الواردة إليها مع إشعارات البيع.
ردود الفعل
واستنكر سوريون في مناطق سيطرة النظام الارتفاع الكبير في التكاليف التي حددتها مكاتب الحج والعمرة لقاء الخدمات المقدمة للحجاج خلال الرحلة الممتدة إلى 14 يوما، بينما سخر آخرون من قرار المصرف المركزي لتنظيم عمليات دفع الرسوم والتكاليف بالقطع الأجنبي لتناقضه مع قانون يقضي بمنع التعامل بغير الليرة السورية.
فتقول عزيزة (66 عاما)، من سكان دمشق، للجزيرة نت: “إن التكلفة مرتفعة جدا مقارنة بدخل معظم السوريين، وإن بعتُ ما فوقي وما تحتي لن أتمكَّن من دفع التكاليف”.
وتضيف: “إن بقيت الأسعار على هذا الحال في المواسم القادمة فربما لن أتمكن من أداء فريضة الحج طيلة حياتي”.
بينما يدوّن المستشار الإعلامي رامز حمصي، في منشور على صفحته في فيسبوك، مستنكرا ارتفاع تكاليف الحج في سوريا: “تصور يا رعاك الله أن الحج من سوريا هذا العام يكلف ابتداء من 100 مليون وصولا إلى 200 مليون”.
وفي إشارة إلى رجال أعمال مقربين من النظام، يتابع: “مبروك على أبو علي خضر وقاطرجي وسامر الفوز ومن لف لفيفهم زيارة بيت الله الحرام.”
في حين انتقد محمد درويش مَنْ ينتقدون الحجاج السوريين المستعدين لدفع تكاليف رحلة الحج من دمشق، مدوّنا على صفحته في فيسبوك: “في ناس الله عاطيها وبتشتغل وبتتعب طول السنة، ولا عندها (ليس لديها) لا روحة ولا جية ولا سياحة ولا سباحة، وبتحب تروح عالحج كل سنة، فشو دخلك (ما علاقتك؟) حتى تقول لهم اطلعوا ولا تطلعوا؟”.
وأثار قرار المصرف المركزي إلزام الحجاج بدفع التكاليف بالنقد الأجنبي سخرية السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك لتناقض القرار مع المرسوم رقم 5 للعام 2024 الذي أكد منع التعامل بغير الليرة السورية كوسيلة للدفع أو لأي نوع من أنواع التداول التجاري.
وقال محمد صالح في منشور على فيسبوك: “بتروح (تذهب) إلى البنك وبتدفع رسوم الحج بالدولار، وبتقول الحمد لله المهم نروح على الحج. ولما ترجع على سوريا بتلاقي عندك مراجعة لشي (لأحد) فرع (أمن) مشان التحقيق معك ليعرفوا من وين جبت الدولار”.