لطالما كانت نيجيريا محركا للقارة الأفريقية، بأسواقها الواسعة، وأراضيها الخصبة، واحتياطياتها الوفيرة من النفط، وتشكل منذ فترة طويلة القوة الاقتصادية المنتظرة في القارة.
ومع ذلك، شهدت الأشهر الأخيرة علامات متزايدة على زعزعة الاستقرار في نيجيريا حيث تتصارع مع عدد لا يحصى من التحديات الاقتصادية، مما أثار المخاوف على الصعيدين المحلي والعالمي.
المرحلة الانتقالية
يقول تقرير بوكالة بلومبيرغ إنه عندما تولى الرئيس بولا تينوبو منصبه في مايو/أيار الماضي، ورث اقتصاداً كان يعاني لسنوات من الركود. وكانت عملية صنع القرار في عهد سلفه محمد بخاري بطيئة للغاية.
ومع إدراك تينوبو للحاجة الملحة إلى التغيير، سارع إلى تنفيذ الإصلاحات، وخفض إعانات الدعم، وعين رئيسا للبنك المركزي الذي رفع أسعار الفائدة. ولكن هذه التدابير، التي تهدف إلى إرضاء المستثمرين الدوليين، أطلقت عن غير قصد العنان لصدمة تكلفة المعيشة التي تعيث الآن فساداً في الاقتصاد الحقيقي، حسب التقرير.
سقوط حر للعملة
وتشير بلومبيرغ إلى أن العملة النيجيرية (النيرا) كانت في حالة من السقوط الحر طيلة القسم الأكبر من العام الماضي، حيث انخفضت بنحو 70% مقابل الدولار منذ أصبح تينوبو رئيساً.
وقد أدى هذا الانخفاض، إلى جانب تراكم الطلب على الدولار، إلى تآكل ثقة السوق في النيرا. وقد فشلت الزيادة غير المسبوقة التي طرأت على أسعار الفائدة مؤخراً -والتي أقرها محافظ المركزي المعين حديثاً أولايمي كاردوسو بهدف تثبيت استقرار العملة- في استعادة الثقة، الأمر الذي أثار المخاوف على الساحة العالمية، وفق بلومبيرغ. ومع تصاعد التوترات الجيوسياسية في أماكن أخرى، فإن الأزمة المحتملة في نيجيريا قد تتطلب قريباً اهتمام القوى الكبرى مثل مجموعة السبع والصين وروسيا.
هجرة الشركات
وبحسب بلومبيرغ أدى انخفاض قيمة النيرا إلى إحداث صدمات في المشهد التجاري، مما دفع الشركات الكبرى مثل “بروكتر” و”غامبل و”جي إس كيه” إلى الخروج من البلاد.
ويواجه الباقون خسائر فادحة، حيث أعلنت الوحدة المحلية لشركة نستله عن أول خسارة لها منذ 12 عاما، وشهدت شركة “إم تي إن” (أكبر مزود للخدمات اللاسلكية في أفريقيا) انخفاضا مذهلا بنسبة 90% في الأرباح السنوية بسبب انخفاض قيمة النيرا.
وقد يؤدي هذا النزوح والانكماش الاقتصادي إلى تفاقم التحديات التي تواجهها نيجيريا ويعيق طريقها نحو التعافي الاقتصادي، بحسب المصدر ذاته.
تأثير ممتد للسكان
يقول تقرير بلومبيرغ إن المواطنين النيجيريين هم الذين يتحملون وطأة المشاكل الاقتصادية خاصة مع ارتفاع معدل التضخم إلى أعلى مستوياته منذ 28 عاماً.
فقد أدى إلغاء إعانات الدعم إلى مضاعفة أسعار الوقود إلى ثلاثة أمثالها، في وقت تشهد أسعار السلع الأساسية ارتفاعاً كبيراً، مما دفع صندوق النقد الدولي إلى إصدار تحذير شديد اللهجة، داعياً نيجيريا لمعالجة مسألة الأمن الغذائي بشكل عاجل.
الطريق إلى الأمام
وتطرح بلومبيرغ أنه وفي مواجهة الأزمة التي تلوح في الأفق، يتعين على الرئيس تينوبو أن يعمل على إيجاد توازن دقيق بين تنفيذ الإصلاحات الضرورية وتلبية الاحتياجات الفورية للسكان.
وفي حين أن بعض إجراءاته اجتذبت استثمارات في المحافظ الأجنبية تجاوزت مليار دولار في فبراير/شباط الماضي، ليصل إجمالي الإيرادات لهذا العام 2.3 مليار دولار مقارنة بـ 3.9 مليار لعام 2023 بأكمله، إلا أن هناك مخاوف من أن العقبات البيروقراطية والرسوم المثيرة للجدل قد تعيق التقدم، وفق بلومبيرغ.
وتصنف شركة استخبارات المخاطر العالمية “فيريسك مابلكروفت” نيجيريا كواحدة من الدول الأفريقية التي من المرجح أن تواجه اضطرابات مدنية خطيرة العام المقبل.
ولا تزال الشركات تواجه متاهة بيروقراطية من الأنظمة والضرائب، ويبدو أن فرض ضريبة معوقة على استقدام العمال الأجانب -الآونة الأخيرة- يسير في الاتجاه الخاطئ.
وبما أن نيجيريا تقف على مفترق طرق، فإن قدرة الرئيس تينوبو على تنفيذ الإصلاحات واستدامتها ستكون حاسمة في تحديد مستقبل البلاد.