ارتفعت أسعار الذهب 11.36% منذ اشتداد التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط على خلفية عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية، وما تبعها من حرب إسرائيلية على قطاع غزة، التي واكبت تزايد توقعات انتهاء دورة التشديد النقدي في الولايات المتحدة.
تقدم “الجزيرة نت” استشرافًا للمستقبل المنظور لأسعار الذهب من خلال توقعات الخبراء وما إذا كان شراؤه يمثل فرصة استثمارية حاليا أم لا.
عوامل الارتفاع
زادت أسعار المعدن النفيس منذ بداية السنة بنسبة 10.96% إلى 2043.95 دولارا في المعاملات الفورية، عند تسوية تعاملات الخميس، ويقول كبير محللي الأسواق في مجموعة إكويتي، رائد حامد الخضر للجزيرة نت إن أكثر العوامل الحالية تأثيرا في أسعار الذهب هي التوترات الجيوسياسية واستعداد الأسواق العالمية لتغيير الاحتياطي الفدرالي الأميركي (البنك المركزي) سياسته النقدية في 2024.
ويضيف أن ارتفاع حالة العزوف عن المخاطرة بسبب الصراع في الشرق الأوسط ساهم في زيادة الطلب على الذهب باعتباره الملاذ الآمن الأول الذي يلجأ إليه المستثمرون وقت الأزمات.
ومع توقعات انخفاض الدولار، ودعم المعادن المقومة به وعلى رأسها الذهب، يتوقع الخضر أن يفوق المعدن الأصفر 2100 دولار للأوقية، خلال الربع الأول من العام المقبل، وربما محاولة لتحقيق قمة تاريخية جديدة.
ويقلل تراجع عوائد السندات من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة السبائك التي لا تدر عائدا، لكنها وسيلة للاحتماء من المخاطر وتحقيق أرباح سريعة عبر المضاربات، التي تعد في حد ذاتها، عامل رفع لأسعار الذهب، في هذه المرحلة، إذ يزيد الطلب في مقابل عرض أقل.
يشار إلى أن مؤشر أسعار المستهلكين الأميركيين، أحد مقاييس التضخم الرئيسية، انخفض إلى 3.1% في نوفمبر/تشرين الثاني من 3.2% في أكتوبر/تشرين الأول، بحسب بيانات مكتب إحصاءات العمل.
وأبقى الاحتياطي الفدرالي الأميركي (المركزي الأميركي)، الأسبوع الماضي، الفائدة من دون تغيير عند نطاق 5.25%-5.5%، وذلك في آخر اجتماعات السياسة النقدية للسنة الحالية.
وتراجعت عائدات سندات الخزانة الأميركية، أجل 3 سنوات، إلى أدنى مستوى لها في أكثر من 6 أشهر إلى 4.128%، وقت إعداد هذا التقرير، كما انخفضت عائدات السندات، أجل 7 سنوات، إلى أدنى مستوى منذ يوليو/تموز الماضي عند 3.931%، وهبطت عائدات السندات ذات أجل 10 سنوات إلى 3.9%، وهو أقل مستوى منذ أواخر يوليو/تموز الماضي.
وتابع الخضر: “مع استمرار التوترات والمخاوف، واستعداد الأسواق لتوجه البنوك المركزية لتغيير السياسة النقدية في 2024، بالإضافة إلى مخاوف الركود الاقتصادي العالمي التي أصبحت تلوح في الأفق، قد نرى عودة الذهب إلى تلك المستويات مجددا، وقد نرى مستويات قياسية جديدة في 2024”.
والعلاقة بين الذهب والدولار في الغالب تكون عكسية، بحسب الخضر، ففي حالة تحسن أوضاع الاقتصاد الأميركي وتوجه البنك إلى سياسة التشديد النقدي ورفع الفائدة، قد يتسبب هذا في دعم الدولار وابتعاد المستثمرين عن الأصول من دون عائد مثل الذهب، ومع تحسن أوضاع الاقتصاد في الدولة يرتفع عائد السندات، كما يكون مؤشر أيضًا على احتمالات ارتفاعات التضخم.
توصيات شرائية
يرى الخضر أن التوصيات للمستثمرين حاليًا بشأن الذهب تميل إلى الشراء مع استمرار التوترات الجيوسياسية واستعداد الأسواق لتغيير السياسة النقدية للبنك المركزي الأميركي وخفض الفائدة في 2024، خاصة أن البيانات الاقتصادية لم تكن إيجابية بما يكفي لتقلل احتمالات انزلاق الاقتصاد العالمي إلى الركود حتى الوقت الحالي.
ويرجح أن يصل سعر الأوقية 2050 دولارا قبيل نهاية العام، وأكثر من 2150 دولارا في الربع الأول من العام المقبل.
ويؤيده كبير إستراتيجيي الأسواق في أوربكس مصر، عاصم منصور، قائلًا للجزيرة نت إن الذهب سيحقق مكاسب كبير في 2024 مع الاتجاه إلى خفض الفائدة مع تراجع التضخم، وبالنظر إلى العلاقة العكسية بين أسعار المعدن الأصفر والفائدة.
ولفت منصور إلى أن اتجاه بنوك مركزية، خاصة بنك الشعب الصيني (المركزي الصيني) إلى زيادة حيازاته من الذهب بعد الاستغناء بنسبة ما عن الدولار على إثر استخدامه كسلاح اقتصادي في العديد من الأزمات، لا سيما الحرب الروسية الأوكرانية.
ويشير إلى أن الذهب يستفيد كذلك من لجوء صناديق الاستثمار إلى شرائه وحتى من الأفراد الذين يسعون إلى الاحتماء من موجة التضخم والحفاظ على قيم مدخراتهم في 2022 و2023.
ويرى منصور أن العوائد الحقيقية ستكون العامل الرئيسي في الحد من مكاسب الذهب، فكلما زاد التضخم والفائدة حدّ ذلك من مكاسب الذهب.
في المجمل يرى منصور أن “النظرة شرائية بصورة كبيرة جدا في 2024” وأن استقرار الأوقية فوق 2000 دولار يدعمها إلى نطاق 2100 دولار، ويرجح أن تنتقل أونصة الذهب إلى نطاق سعري جديد في السنة المقبلة.