القاهرة– أعلن وزير المالية في مصر محمد معيط زيادة مخصصات قطاعي الصحة والتعليم في الموازنة العامة للدولة بنسبة 30%، بدءًا من العام المالي المقبل الذي يبدأ في الأول من يوليو/تموز.
وبموجب هذا الإعلان المنتظر إقراره من قبل مجلس النواب، سترتفع مخصصات التعليم بنسبة 2% من الإنفاق العام في الموازنة العامة للدولة من 230 مليار جنيه (4.7 مليارات دولار) إلى 299 مليار جنيه (6.1 مليارات دولار) العام المالي المقبل من مجمل الدخل القومي البالغ ما يقرب من 11.8 تريليون جنيه (242.8 مليار دولار).
ووفقا لإعلان معيط، ترتفع مخصصات وزارة الصحة من 147.3 مليار جنيه (3 مليارات دولار) خلال موازنة العام المالي الحالي بنسبة 1.2% من الإنفاق العام إلى 191.1 مليار جنيه (3.93 مليارات دولار).
وطبقا للمادتين 18 و19 من الدستور الذي صدر عام 2014، يتوجب تخصيص 7% من الإنفاق العام في الدولة لقطاعات التعليم بنسبة 3% والصحة بنسبة 3%، ترتفع سنويا حتى تصل إلى المعدلات العالمية.
شكوك ومخاوف
يشكك متابعون في مدى قدرة الحكومة على تنفيذ ذلك الالتزام، فضلا عن التأكيد على ضعف النسبة، وسط تضخم تجاوز 33%، مع تراجع سعر صرف الجنيه، مما يعني انخفاضا فعليا في مجمل الإنفاق العام على القطاعين الحيويين، وليس ارتفاعا حتى حال التزام الحكومة بقرار رفع معدل الإنفاق عليهما.
يشار إلى أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قال في عام 2023 إن “الميزانيات المطلوبة للإنفاق على الصحة والتعليم وفق الدستور غير متاحة”.
والنسبة المثالية للإنفاق على التعليم، وفق منظمة الثقافة والعلوم والتربية “اليونسكو”، تصل إلى 18.3%، في حين حددت منظمة الصحة العالمية الإنفاق المثالي على قطاع الصحة بـ9.1% من الموازنة العامة للدول قابل للزيادة.
وأكد تقرير للبنك الدولي عن العام 2022-2023 أن تراجع الإنفاق العام على التعليم في مصر يؤدي إلى نقص حاد في جودة التعليم نتيجة نقص أعداد المعلمين والقائمين على العملية التعليمية، الذين لا يتجاوز عددهم مليون معلم، في وقت يزيد فيه عدد الطلاب في مراحل التعليم قبل الجامعي على 24 مليون طالب، يزيدون كل عام بمعدلات عالية في السلم التعليمي.
ويرى مراقبون أنه لو جرى الالتزام بالدستور، لكان من المتوقع أن يقترب الإنفاق على التعليم من نسبة 12% والصحة 8% من مجمل الإنفاق العام حاليا.
مأزق
ويقول أستاذ أصول التربية بجامعة عين شمس والخبير التربوي تامر شوقي إن الزيادة التي تتحدث عنها الحكومة في موازنة التعليم خلال العام المالي الحالي لا تسد مستلزمات العملية التعليمية المتصاعدة، في ظل ارتفاع معدلات الملتحقين بالتعليم سنويا، ولا تتوافق مع الدستور.
ويضيف في حديث للجزيرة نت أن “هذه الزيادة لن تحقق أهدافها ولن تلتزم بالدستور، وغير قادرة على الارتقاء بالتعليم ومخرجاته”، ومرد ذلك إلى عدة أسباب، في مقدمتها “انخفاض قيمة العملة وزيادة عدد المقبولين في المراحل التعليمية المختلفة، فضلا عن أن التعليم لم يعد تقليديا، بل صار عبارة عن مدارس تكنولوجية، تحتاج إلى أجهزة متقدمة وميزانيات عالية للتشغيل، فضلا عن أن تكلفة الطالب الواحد حاليا تفوق بأضعاف تكلفته في السنوات السابقة”، على حد قوله.
ويؤكد المتحدث أن هذه الزيادة، حال الوفاء بها، “لن تحقق شيئا، لا سيما أن ثمة حاجة ماسة لتحسين أوضاع المعلمين المادية وأعضاء هيئات التدريس في الجامعة كذلك، بشكل سيلتهم جزءا من هذه الزيادة”.
وحول سبل تجاوز هذه الصعوبات، يقول الخبير التربوي ضرورة لتفعيل دور القطاع الخاص في التعليم ما قبل الجامعي والجامعي، للتخفيف الأعباء على التعليم العام، رغم الطابع الربحي لهذه المؤسسات، فضلا عن أن سوق العمل ما زال يفضل خريجي الجامعات الحكومية.
وينبه شوقي إلى أهمية قيام الحكومة بتحديد أولوياتها، والتركيز على التعليم والصحة بوصفها قطاعات تشكل قاطرة للتنمية البشرية والحد من الإنفاق على قطاعات ممكن تأجيلها، في ظل الأزمة الاقتصادية، وتراجع قيمة الجنيه.
قرارات متضاربة
ويتناقض التوجه الجديد مع إجراءات وقرارات اتخذها وزير الصحة خالد عبدالغفار مؤخرا، منها قرار زيادة أسعار 500 خدمة يقدمها التأمين الصحي، مع زيادة حصة ما يدفعه المتعاملون مع التأمين في ما يتعلق بالعمليات الجراحية والتعقيم والإشاعات، وغيرها.
كما زادت أسعار الكشف في العيادات الخارجية في مستشفيات الوزارة من جنيه واحد إلى 10 جنيهات، مع تقليل نسبة الأسّرة المجانية في مصر إلى 25% فقط، بعد أن كانت نسبتها 65%، وفقا لأرقام رسمية.
ووصف وكيل وزارة الصحة المصري الأسبق مصطفى جاويش إعلان الحكومة بزيادة الإنفاق على الصحة بـ”الخدعة الكبيرة”، مفسّرا ذلك بأن هذا القطاع يتضمن المستشفيات الحكومية ومستشفيات الجيش والشرطة والمستشفيات الجامعية ومستشفيات الأزهر، فضلا عن مخصصات ورواتب العاملين بقطاع الصحة، ومديونيات قطاع الصحة في إطار الدين العام للدولة.
وأشار إلى أن رفع مخصصات قطاع الصحة في موازنة الدولة للعام المالي بنسبة 30% لا تشكل إلا 1.2% من إجمالي الناتج المحلي، وهو ما يُشكل مخالفة واضحة للدستور التي نصت على ضرورة تخصيص 3% من الدخل القومي، في انخفاض شديد عن المعدلات العالمية التي تجاوزت 9.1%، حسب أرقام منظمة الصحة العالمية.
ولا تقترب مصر من معدلات عالية للإنفاق على الصحة في دول أخرى، ففي سنغافورة يتجاوز الإنفاق 20% وفي الأردن 3.8% وترتفع في الجزائر إلى 4%.
وأضاف جاويش للجزيرة نت أن الإعلان الحكومي عن زيادة الإنفاق على قطاع الصحة لا يلبي احتياجات المصريين، خاصة أن الحكومة باتت تتعامل مع هذا القطاع، وفق منظور “تسليع الصحة” والرغبة في تحقيق أرباح من هذا القطاع الخدمي.
ورفعت أسعار الخدمات المقدمة في مستشفيات وزارة الصحة وهيئة التأمين الصحي بنسبة قد تتجاوز 900%، وفق جاويش، بما يشير إلى أن هذه الزيادة المتوقعة للإنفاق على الصحة، حال الالتزام بها، لن تتجاوز كونها خدعة جديدة، تتجاهل الأثر السلبي للتضخم وانهيار الجنيه المصري، إذ إن أغلب مستلزمات القطاع الصحي مستوردة من الخارج.
وحظر وزير الصحة التعامل مع المنتجات الأجنبية في صيدليات الوزارة، مكتفيا فقط بالمكون المحلي الذي يعاني نقصا حادا، وحدد الصرف من هذه الصيدليات بصنف واحد فقط، مما يؤكد أن الحكومة تخفض الإنفاق على القطاع الصحي ولا ترفع مخصصاته.
تدهور
وحذر جاويش من انهيار أوضاع القطاع الصحي رغم الحديث عن زيادة المخصصات، في ظل عمليات التخارج الحكومية من 6 مستشفيات حكومية كبيرة ومنحها لمؤسسات ورجال أعمال، في وقت تزداد فيه أوضاع المصريين من رواد القطاع الطبي الحكومي سوءا.
بدوره، أكد الأمين العام السابق لنقابة الأطباء إيهاب الطاهر أن المنظومة الصحية ستزداد سوءًا خلال العام المالي المقبل، بسبب قلة الميزانية المخصصة للصحة، رغم تلك الزيادة.
واعتبر طاهر أن حديث الدولة عن زيادة المخصصات المالية للقطاع بنسبة 30% لا يكفي، بل يحتاج إلى ضعف ذلك عشرات المرات حتى يوافي مطالب ملايين المصريين ويحترم الدستور، إذ لم تقترب الميزانية المخصصة للصحة من نسبة 3% قابلة للزيادة كل عام بحسب دستور 2014.
وأضاف في حديثه للجزيرة نت أن “المخصص للصحة للأعوام الماضية وحتى بعد الزيادة لا يقترب من الاستحقاق الدستوري أو المعدلات العالمية، مما يؤكد أن قطاع الصحة على موعد مع أزمة كبيرة”.