عمّان – تبلغ مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في الوطن العربي 220 مليون هكتار، يُستغل ثلثها فقط، ويضع تراجع نسبة الأراضي الزراعية المستغلة المنطقة أمام تحديات كبيرة في مجال الأمن الغذائي.
فالدول العربية هي أكبر مستورد للغذاء في العالم، وتعاني من ارتفاع فاتورة استيراد الأغذية من الخارج بالعملة الصعبة من سنة إلى أخرى، فقد وصلت قيمة فاتورة استيراد الدول العربية من الأغذية نحو 100 مليار دولار سنويا.
وثمة مشكلات وتحديات كثيرة يواجهها القطاع الزراعي في المنطقة العربية؛ من أهمها:
- ضعف الدعم الحكومي للمزارعين.
- قلة الاستثمار في القطاع.
- عزوف الشباب العرب عن العمل في الزراعة.
- إبقاء الشعوب العربية مستهلكة للمنتجات الخارجية.
في خضم هذه التحديات يركز هذا التقرير على مشروع عربي رائد انطلق من الصفر على يد شاب أردني استطاع خلال بضع سنوات من إنشاء بنك بذور عربي إسلامي، وزراعة أكثر من 100 ألف دونم من القمح، وحقق الاكتفاء الذاتي لبلده في العديد من المزروعات والمنتجات الغذائية، بعد أن كانت تستوردها بملايين الدولارات.
انطلق مشروع “روابي فرح” في 2019 على يد الشاب ليث دويكات، الذي كان لنا معه هذا الحوار:
-
حدّثنا عن البدايات الأولى، كيف جاءتك فكرة مشروع روابي فرح؟
بدأت الفكرة في 2003، عندما دخلت قوات الاحتلال الأميركي إلى بغداد، كنت حينها طالبا جامعيا في جوهانسبيرغ، وكنت أتابع الأحداث على شاشة التلفزيون فذكر المذيع معلومة استوقفتني كثيرا، وهي أن الجيش الأميركي هاجم بنك البذور والحنطة العراقي.
استوقفني الخبر طويلا، فما دخل بنك البذور والحنطة العراقي في الحرب؟ وهل يوجد صواريخ أو أسلحة كيماوية في بنك الحنطة والبذور؟ ولماذا يدخله الجيش الأميركي؟ فأخذت بالبحث عن الموضوع، فوجدت أن الأمر مختلف تماما، فلم يكن الأميركان يبحثون عن صواريخ وأسلحة ممنوعة، وإنما كان الهدف هو البذور العراقية، وبالتعمق في البحث وجدت أن غذاء العالم كله تسيطر عليه 5 شركات عالمية كبرى، كما وجدت أن البذور الموجودة في عالمنا العربي هي آنية ومؤقتة، بمعنى أنه لا يمكن استخدامها سوى مرة واحدة فقط، وفي كل مرة تريد زراعة القمح مثلا، عليك استخدام بذور جديدة، فلا يمكنك استخدام بذور من محصول العام الماضي، وأن كل بذرة نأخذها من هذه الدول تصلح للزراعة مرة واحدة فقط.
وهذا طرح سؤالا آخر في ذهني وهو: “أين ذهبت البذور الأصيلة التي كان يستخدمها أجدادنا في السابق التي كانت صالحة للزراعة بشكل دائم، وموسما بعد موسم؟”
تعمقت في البحث أكثر فوجدت أن المستشرقين حين جاءوا للوطن العربي عموما والأردن خصوصا، بدؤوا بتوزيع بذور على المزارعين والفلاحين تنتج 10 أضعاف البذور المحلية الأصيلة المتوارثة والموجودة لديهم، وكانوا يوزعون هذه البذور مجانا، واستمروا على ذلك لسنوات، وكانت هذه الفترة كفيلة لإنهاء عمر البذور المحلية الأصيلة الموجودة والصالحة للزراعة مرات ومرات، بينما وجدت أن البذور المحسّنة التي كانوا يوزعونها على الفلاحين هي بذور عقيمة لا تُزرع سوى مرة واحدة فقط، ولا يمكن زراعتها مرة ثانية.
استفزني هذا الموضوع، خاصة أن الجيش الأميركي بالتعاون آخرين كرر الفعل نفسه في سوريا، إذ سُرق أكثر من 120 ألف صنف من البذور الأصيلة وأُرسلت لأميركا، وحُرق ما تبقى من بذور.
وكان هذا الموضوع هو أكثر ما يشغل تفكيري على مدى سنوات، فبدأت بمشروع “روابي فرح” في 2019 بعد أن تجولت في مختلف مناطق الأردن، والتقيت بعدد كبير من المزارعين، فعرفت خلال جولاتي أننا من أكثر الدول تضررا بالبذور في العالم، فلا يوجد لدينا أي أصول وراثية للبذور، لا لدى مركز البحوث الوطني الأردني، ولا لدى الدولة الأردنية عموما.
-
ماذا عن فكرة إنشاء بنك بذور عربي إسلامي؟
زرت عددا كبيرا من الدول العربية والإسلامية لجمع البذور الأصيلة، وإنشاء بنك بذور عربي إسلامي، وأخذت بجمع البذور من هذه الدول، وأسسنا بروابي فرح بنك بذور أصيلة مجمعة من المنطقة العربية والإسلامية فقط، فقد كنت أسعى لجمع بذورنا الأصيلة المفقودة والمسروقة.
في هذه الأثناء اشتريت قطعة أرض حجمها 500 دونم في الصحراء الأردنية بمنطقة الحلابات وعشت 6 أشهر فيها، واستقطبت عددا كبيرا من الخبراء والمهندسين الزراعيين المختصين في تكثير البذور، وبدأنا بزراعة هذه القطعة من البذور العربية الإسلامية الأصيلة التي جمعناها، وأخذنا بتكثيرها، حتى صار لدينا مئات الأطنان من هذه البذور التي كان عندنا من بعضها في البداية ما لا يزيد عن 100 بذرة أو 200 بذرة، وبعضها 10 بذور، وبعضها بذرة واحدة فقط.
وفي السنة التالية أصبح لدينا آلاف الأطنان من كل أنواع البذور العربية الأصيلة التي حوربت طويلا من المستعمرين؛ ومن أهمها: القمح حيث أصبح لدينا الآن نحو 72 صنف عربي إسلامي أصيل من القمح.
وحاليا لدينا في “روابي فرح” بنك بذور يضم 800 أصل وراثي من جميع أنواع البذور العربية الأصيلة، بما فيها الحبوب والفواكه والخضروات والأشجار المثمرة. ووزعنا 6 مليارات بذرة على المزارعين في مختلف الدول العربية والإسلامية.
-
ماذا عن رأس المال؟ وهل أخذت مساعدة من أي مؤسسة أو جهة؟
رأس مال شخصي بالكامل، ولم آخذ أي مساعدة من أي جهة في الأردن أو خارجه، لكن كان يعمل معي شركاء ساعدوني، وهم شركاء من عمل آخر، أعمل معهم في أعمال تجارية أخرى، وكانوا يساعدونني، ويوزعون الحبوب عن أرواح والديهم وذويهم، ورغبة منهم في عمل الخير، أما هذا العمل فكنت أقوم به لوجه الله تعالى، وبعض الناس يستغربون من ذلك، ولكني أؤمن أن الله اختارني لهذا العمل، وهو سبب وجودي في هذه الحياة.
-
ما أهم التحديات والصعوبات التي واجهتها في مسيرتك؟
- أهم تحد واجهني هو البيروقراطية في الأردن.
- تجار البذور والحبوب الأكبر في المنطقة والعالم الذين ليس من مصلحتهم نشر البذور الأصيلة، وتشجيع المزارعين في مختلف الدول العربية للعودة إليها وزراعتها، وأن هذا يعني ضرب مصالح هؤلاء التجار وهذه الشركات.
- اللوبيات الصهيونية التي تسيطر على غذاء الكوكب التي ليس من مصلحتها أن نصبح منتجين للغذاء، بل يريدون شعوبنا العربية والإسلامية أن تبقى مستوردة للغذاء، وتعتمد على الدول الأجنبية في طعامها وغذائها.
-
هل لك أن تتحدث لنا عن الإنجازات؟
أهم الإنجازات التي حققتها روابي فرح خلال السنوات الماضية هي:
- زراعة 100 ألف دونم من القمح وإنشاء أكبر مصنع للطحين في العالم العربي.
ففي 2018 زرعت 50 مترا قمحا، وكان هذا أول قمح أزرعه بحياتي، حاليا نزرع 100 ألف دونم من القمح بالتعاون مع 3700 مزارع في مختلف أنحاء الأردن، ونحلم بتحقيق الاكتفاء الذاتي للبلد من القمح بإذن الله، وفي هذه الفترة أسسنا أكبر مصنع طحين للحبة الكاملة غير المعدلة وراثيا في العالم العربي.
- مصنع للسماد العضوي
من المعروف أن السماد غير العضوي والمبيدات الحشرية من أكبر أعداء الأرض الزراعية، حيث تتسبب في تلويث التربة على المدى الطويل، ولهذا السبب أنشأنا في روابي فرح مصنعا للسماد العضوي، والمبيد الحشري العضوي، بهدف إنقاذ التربة الزراعية من التلوث، وذلك بالتعاون مع علماء من مختلف أرجاء الوطن العربي.
- تحقيق الاكتفاء الذاتي من الكُركُم والكمّون
الكركم: بحمد الله استطعنا بروابي فرح من زراعة الكركم في الأردن، وحققنا الاكتفاء الذاتي من هذه المادة التي تدخل في طعام كل أردني، حيث بدأنا باستيراد 50 كيلوغرام من “رايزومات الكركم” وزرعناها في بيت بلاستيكي فأنتج معنا 1600 كيلوغرام، وحققنا ربحا صافيا بلغ 24 ألف دينار أردني (33 ألفا و850 دولارا).
بعد هذا النجاح، أخذنا بنشر التجربة والإعلان عنها للمزارعين، فجاء عدد كبير من المزراعين وأخذوا بشراء “رايزومات الكركم” التي أنتجناها، وبدأت زراعة الكركم تنتشر في الأردن بتشجيع من روابي فرح، وفي 2023 أنتجت الأردن 1200 طن من الكركم، وصدّرت هذه المادة للدول المجاورة.
الكمّون: كان الأردن لا ينتجه أبدا، بل كان يستورد هذه المادة من الخارج، فزرعنا في السنة الماضية 2023 ألف دونم من الكمون، وهذه السنة 2024 زرعنا 15 ألف دونم، وهو ما يغطي احتياج الأردن من الكمون، وذلك بالتعاون مع 950 مزراع أردني من مختلف أرجاء المملكة.
الدراغون فروت: هي فاكهة استوائية تستورد من الخارج، حاليا زرعنا بالتعاون مع المزارعين الأردنيين حوالي 900 دونم من هذه الشجرة، وهو ما يغطي احتياج الأردن من هذه الفاكهة.
الزعفران: كان الأردن يستورد هذه المادة بنسبة 100% طوال السنوات الماضية، وحاليا زرعنا 200 دونم بالزعفران إنتاج أردني بحت، وباستخدام بذرة أردنية خالصة، حيث جمعنا 10 آلاف بصيلة من “الزعفران المؤابي” وكثرناه، والآن لدينا 200 ألف بصيلة، ونتوقع الموسم القادم أن يكون لدينا 700 ألف بصيلة، وهو ما يزيد بكثير عن حاجة الأردن، وسنصدّر في 2024.
-
ما نصائحك للشباب العربي؟
عودوا للأرض: أوهموا الشباب في العالم العربي أن الوظائف سواء كانت حكومية أو خاصة هي الأفضل للشباب، ففيها تأمين صحي، وضمان اجتماعي، وراتب تقاعدي، وأمن وظيفي، ولكن كل هذا وهم، فكثير من هؤلاء بعد تقاعدهم، وعملهم معنا اكتشفوا أن عمل سنة في الزراعة والأرض ينتج دخلا ماديا أكثر مما أنتجوه طوال وظائفهم. نصيحتي للشباب العرب لا تبحثوا عن سراب الوظيفة وعودوا للأرض.
الصمود: لا يجتمع الأمل والإخفاق معا، فالأمل بالله دائما موجود، لهذا أنصح كل من يحاول ويزرع ويخفق أن يصمد ويبقي أمله بالله كبيرا، ويحاول مرة ثانية وثالثة.
الشغف: الشغف هو أحد محركات الإنسان الكبرى، لا تفقدوا الشغف، فكل إنسان خلقه الله في أمة محمد له دور في هذا الأمة. أنت لك دور، ولم تُخلق عبثا فلا تفقد شغفك أبدا.
المثابرة: أدعو الشباب للمثابرة دائما وعدم الاستسلام للحظات اليأس، ولدينا مثل وقدوة هو سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، فقد وُلد يتيما وفقيرا وأميا، فإذا كنت يتيما فإن محمدا كان يتيما، وإذا كنت فقيرا، فإن سيدنا محمدا كان فقيرا، وإذا كنت لا تملك شهادة جامعية فسيدنا محمد ولد أمّيّا، وهذا درس كبير لنا جميعا في الصمود والمثابرة والمحاولة مرة تلو أخرى حتى تحقيق النجاح.