خبراء اقتصاديون : هذه أبعاد قرار رفع العقوبات الأميركية عن سوريا

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

دمشق- أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات الأميركية عن سوريا في خطوة تاريخية “لمنحها فرصة” وذلك في كلمة له بمنتدى الاستثمار السعودي الأميركي في الرياض.

ويأتي الإعلان بالتزامن مع تحسّن كبير في قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، حيث سجلت مساء اليوم الثلاثاء ارتفاعا ملحوظا لتبلغ 8400 ليرة مقابل الدولار الواحد، مقارنة بـ11 ألف ليرة يوم أمس، محققة نسبة ارتفاع بنحو 23%.

ورحب وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بتصريحات الرئيس الأميركي بشأن رفع العقوبات عن سوريا، ووصف القرار بأنه نقطة تحول محورية للشعب السوري، بحسب وكالة الأنباء السورية (سانا).

ونقلت سانا عن الشيباني قوله إن ترامب قدم للشعب السوري أكثر من أسلافه الذين سمحوا لمجرمي الحرب بتجاوز الخطوط الحمراء، وشدد على أن الرئيس ترامب يمكنه تحقيق اتفاق سلام تاريخي ونصر حقيقي للمصالح الأميركية في سوريا.

 

وفي هذا التقرير تستعرض الجزيرة نت آراء خبراء اقتصاديين بشأن هذا القرار وأبعاده وآثاره المتوقعة على الاقتصاد ومستوى معيشة السوريين.

أبعاد رفع العقوبات

يقول الخبير الاقتصادي زياد عربش إن قرار الرئيس الأميركي رفع العقوبات عن سوريا “حدث تاريخي”، بالنظر إلى “كل ما عاناه السوريون في الماضي، وحجم الآمال المرتفعة لديهم بالمستقبل”.

ويشير -في تعليق للجزيرة نت- إلى أن نتائج إعلان ترامب يمكن لمسها بعد أن تحسّنت قيمة الليرة السورية بتداولات اليوم وبنسبة 40%.

ويؤكد عربش أن الأثر النفسي لإعلان ترامب بدا واضحا على الاقتصاد السوري، متوقعا أن يدخل الاقتصاد اليوم للمرة الأولى منذ عقود بمنحى “الاندماج بالاقتصاد العالمي”، لا سيما إذا لحق الاتحاد الأوروبي، كما هو متوقع، بمسار الولايات المتحدة الأميركية ورفع العقوبات عن قطاعات أخرى ومجالات جديدة مقارنة بالرفع الحالي لعقوباته الممتد لعام واحد فقط.

ويرى أن قرار رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا ستكون له أبعاد عديدة، أبرزها:

  • أولا: يعطي إشارات إيجابية للمجتمع الدولي والمنظمات الدولية، خاصة بعد النتائج الإيجابية لزيارة الوفد السوري لأميركا وعودة العمل مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
  • ثانيا: إمكانيات حقيقية لمساعدة دول عديدة لسوريا، فعلى سبيل المثال، سعت السعودية وقطر وتركيا في الأشهر الأخيرة لمؤازرة الاقتصاد السوري بجهود حثيثة، والآن أصبح من السهل زيادة أوجه التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف، بما يعيد اقتصاد سوريا إلى الاندماج الإقليمي والولوج إلى الأسواق العالمية.
  • ثالثا: من المتوقع أن يستفيد الإقليم ككل في حال شمل الرفع قطاعات خدمية أساسية تساهم في إعادة تأهيل البنى التحتية في البلاد.
  • رابعا: في حال تم تعليق العقوبات عن قطاعات التكنولوجيا والتقانة، فإن مجمل قطاعات الاقتصاد ستنهض، خاصة وأن العقوبات كانت تشمل كل من يتعامل مع الحكومة السورية، حتى ولو كان ينتمي للدول الغربية.
  • خامسا: فتح المجال أمام عقد ملتقيات استثمارية عربية ودولية، بما في ذلك مع تركيا، إلى جانب إمكانية إنشاء شركات تعمل على تلبية احتياجات السوق السورية، وفي الوقت ذاته تستهدف التصدير إلى الأسواق الخارجية، مما يعزز من موقع الليرة السورية ويقوي مكانتها.

بيئة جاذبة للاستثمارات

يرى الخبير الاقتصادي السوري يونس كريم أن قرار رفع العقوبات عن سوريا يمنح هامشا أوسع لحركة الدول الإقليمية تجاهها، ويتيح لكل من السعودية وقطر، أبرز داعمي الإدارة السورية الجديدة إقليميا، التحرك استثماريا داخل البلد، ودعم مؤسسات الدولة وتمويل الرواتب، في ظل تعهدات قطرية سابقة بهذا الخصوص، وتشجيع سعودي مباشر للمستثمرين على المساهمة في إعادة الإعمار.

وفي سياق الآثار المرتقبة للقرار، يضيف كريم في حديث للجزيرة نت أن رفع العقوبات، خاصة عن البنك المركزي السوري، يؤدي إلى تسهيل عمليات الاستيراد والتصدير، وتمكين السوريين في الخارج من دعم الاقتصاد الوطني بشكل أكثر فاعلية، كما يمهّد لإطلاق سياسة عامة للانفتاح السياسي الداخلي، وتحقيق قدر من الاستقرار يشجّع على جذب الاستثمارات.

وعلى المدى المتوسط، يرى كريم أن القرار قد يفتح الباب أمام “التركيز على الشفافية والحوكمة، ومن الممكن أيضا أن يعيد القرار رسم النشاط الاقتصادي والفلسفة الاقتصادية في البلاد، وإجراء انتخابات مصغرة في المناطق والأرياف والمدن للمجالس المحلية، مما يسمح بتشكيل صيغة جاذبة للاستثمارات طويلة الأجل”.

ويتوقع الخبير الاقتصادي أن يتم التوصل إلى تفاهمات مع قوات سوريا الديمقراطية “قسد” لتطوير البنية التحتية، خاصة في القطاعات النفطية والطرقية.

تفعيل الرقابة

من جهته، يرى الخبير الاقتصادي عبد المنعم الحلبي أنه لا بد للحكومة السورية، في المستقبل القريب، من تفعيل عدد من الآليات لتحقيق أثر إيجابي وفعلي لهذا القرار على حياة ومستوى معيشة السوريين.

وأشار إلى أن هذه الآليات تشمل:

  • تفعيل الرقابة الحكومية على أسعار السلع والخدمات بما يتناسب مع القيمة الإسمية لليرة السورية، وبما ينعكس إيجابا على القدرة الشرائية للمواطنين.
  • خفض استيراد البضائع المنافسة للمنتجات الوطنية، لدعم عجلة الإنتاج المحلي وتحقيق نمو اقتصادي متوازن يتوافق مع السيولة المتوفرة، مما يُسهم في تأسيس توازن اقتصادي مستدام قائم على مؤشرات حقيقية.
  • تحديث البنية التحتية للجهاز المصرفي والاعتماد على التحوّل الرقمي، لتقليل الاعتماد على الكاش (التعامل النقدي).
  • تعزيز استخدام الليرة السورية في تأدية وظائفها التقليدية وتخفيض مستوى الدولرة.
  • تقديم حوافز استثمارية عامة ومتوازنة، تشمل مزايا ضريبية وتسهيلات ائتمانية.
  • تعزيز اللامركزية الإدارية والمالية، لتمكين المدن والمناطق المختلفة من المساهمة الفعلية في اتخاذ القرارات التنموية، مع التركيز على المناطق الأكثر تضررا من الحرب.
  • توسيع نطاق المشاركة المحلية في التنمية يسهم أيضا في تهيئة الظروف الملائمة لعودة اللاجئين، من خلال تحسين الخدمات وفرص العمل في مناطقهم الأصلية.

ويختتم الحلبي حديثه للجزيرة نت بالإشارة إلى أنه يتوجب كذلك على الحكومة السورية وضع خطة خمسية ذات أهداف واضحة ومؤشرات قابلة للقياس والتقييم في مختلف قطاعات الاقتصاد المحلي.

العقوبات الأميركية

وقد بدأت العقوبات الأميركية على سوريا منذ ثمانينيات القرن الماضي، لكنها تصاعدت بشكل كبير بعد عام 2003، وبلغت ذروتها بعد اندلاع النزاع في سوريا عام 2011، واستخدمتها واشنطن أداة للضغط السياسي والاقتصادي على النظام السوري السابق.

ومع اندلاع الاحتجاجات في سوريا عام 2011، فرضت الولايات المتحدة حزما متتالية من العقوبات، استهدفت بشكل خاص شخصيات في النظام السوري السابق، بمن فيهم الرئيس المخلوع بشار الأسد وأفراد من أسرته، إضافة إلى كيانات حكومية مثل البنك المركزي السوري، ووزارتي الدفاع والداخلية، والمؤسسات العسكرية والأمنية، فضلا عن القطاع النفطي عبر حظر تصدير النفط السوري واستيراده، وعرقلة الاستثمارات الأجنبية في الطاقة والمصارف وشركات التحويل المالي، مما أدى إلى عزل سوريا عن النظام المالي الدولي.

وكان قانون قيصر، الذي فرضته الولايات المتحدة الأميركية على سوريا في يونيو/تموز 2020، الأشد تأثيرا على الاقتصاد، وأدى إلى انهيار كبير في سعر صرف الليرة حينها، وتضمنت تداعياته معاقبة أي جهة أو شخص، سواء داخل سوريا أو خارجها، يقدّم دعما ماديا أو تقنيا أو ماليا للحكومة السورية، وكان هدفه الأساسي الضغط لمنع أي جهود لإعادة تغذية النظام أو تمويل إعادة الإعمار من دون حل سياسي.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *