حظر زراعة الأرز بمحافظات مصرية.. ما الدوافع والتداعيات؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

انتقد برلمانيون مصريون قرار وزير الزراعة حظر زراعة الأرز في بعض المحافظات، محذرين من إضرار القرار بالتربة الزراعية في هذه المحافظات على اعتبار أن الأرز يسهم في التقليل من ملوحة التربة، كما انتقدوا عدم توفر قاعدة بيانات عن نوعية التربة في المحافظات وتوزيع المياه فيها.

وكان وزير الري المصري هاني سويلم أقر مؤخرا تشديد عقوبات زراعة الأرز في محافظات عدة، بحجة تأثيرها السلبي الشديد على عملية إدارة وتوزيع المياه في تلك المحافظات، مستشهدا على ذلك بمحافظتي الفيوم وبني سويف اللتين تقعان إلى الجنوب من القاهرة.

واعتبر البرلماني عادل عامر في طلب إحاطة أن “قرار زراعة الأرز بالتناوب من القرارات التنظيمية، ولكن لا بد من وجود قاعدة تفصيلية بالأراضي وطبيعة التربة، خاصة أن هناك أراضي تعاني من ارتفاع الملوحة ومن ثم لن تصلح سوى لزراعة الأرز، كما أنها لا تحقق هامش ربح في حال زراعتها بأي من المحاصيل الأخرى”.

وطالب عامر -وهو أيضا عضو لجنة الزراعة في البرلمان- بسرعة الانتهاء من قاعدة البيانات الخاصة بالتربة الزراعية وتحديد الأراضي ذات الملوحة العالية واستثنائها من قرار زراعة الأرز، أو توفير المحاصيل البديلة “حتى لا يتم تحرير محاضر للمزارعين جراء عدم التزامهم بالقرار، وهم في حقيقة الأمر يريدون محصولا يتناسب مع طبيعة التربة ولا يوجد سوى الأرز”.

ويرى مراقبون أن القرار متأثر بمخاوف شح المياه في مصر مع مضي إثيوبيا قدما في تنفيذ مراحل سد النهضة وتأثيراته على حصة مصر من نهر النيل، لكنه لا يراعي من ناحية أخرى تداعياته على المستهلكين في ظل تزايد أسعار.

إنتاج وفير وأسعار مرتفعة

ويرجح ارتفاع سعر الأرز نتيجة شحه في الأسواق، بحسب تاجر سلع غذائية تحدث للجزيرة نت رافضا ذكر اسمه، مشيرا إلى أن السبب يرجع إلى قرارات حظر زراعته، وتصدير الجيد منه إلى الخارج واستيراد بدائل أقل جودة.

ويبلغ سعر كيلو الأرز للمستهلك حاليا 30 جنيها (دولار واحد)، ويختلف السعر بحسب نوعه وجودته.

ووفقا لتقارير رسمية، يزيد المزروع من الأرز على مليون و600 ألف فدان، في تجاوز للحد التي سمحت به الحكومة التي حددت مليونا و200 ألف فدان، أغلبها بشمال الدلتا، وحظرت زراعة الأرز في الصعيد والوادي الجديد والفيوم وشمال وجنوب سيناء والسويس، فضلا عن محافظات القاهرة الكبرى والمنوفية في الوجه البحري.

وتنتج مصر حوالي 6 ملايين طن من الشعير تعطي من 6 إلى 4 ملايين طن من الأرز الأبيض، فيما يتجاوز الاستهلاك حوالي 4 ملايين طن، مع فائض بنحو 600 ألف طن للتصدير.

الأرز يحقق منافع للفلاحين وزراعاتهم تمكنهم من دفع الغرامات وتحقيق ربح. (تصوير خاص لعبوات أرز ـ مصر ـ ديسمبر 2023) وفرة الإنتاج لم تمنع ارتفاع أسعار الأرز بمصر وسط حظر حكومي وتحد المزراعين.

وفرضت الحكومة غرامات مالية على من يخالفون الحد الذي وضعته لزراعة الأرز، وتدل زيادة المساحات المزروعة بالأرز بحوالي 400 ألف فدان على أن آلافا من المزارعين ضربوا بهذا القرار عرض الحائط خلال الموسم الحالي متجاهلين الغرامات والعقوبات.

ويبرر عوض -وهو أحد مزارعي الأرز بالقليوبية (شمال القاهرة)، والذي فضل ذكر اسمه الأول فقط- في حديثه للجزيرة نت إصراره على زراعة الأرز بـ”كثافة إنتاجية الفدان بأكثر من 3.5 أطنان، وبربح يتجاوز تكاليف الزراعة”.

وعبر مصطفى -وهو مزارع وتاجر من محافظة المنوفية إلى الشمال من القليوبية، والذي فضل ذكر اسمه الأول فقط- في حديثه للجزيرة نت عن تجاهله المتعمد لتهديدات العقوبات الحكومية، مضيفا إلى الأسباب السابقة المغرية لزراعة الأرز سهولة تخزينه، مما يعني إمكانية تحقيق مكاسب أكبر مستقبلا، في ظل تعويم متوقع للجنيه، مما يضاعف المكاسب ويغطي التكاليف والغرامات معا، وفوقها أرباح معقولة.

وبحسب المتحدث، فإنه يخزن المحصول مضطرا لكي يتمكن من دفع الغرامات الباهظة.

وارتفع سعر طن الأرز خلال السنوات الثلاث الماضية من 3 آلاف جنيه (100 دولار) إلى 7 آلاف (230 دولارا)، ثم إلى أكثر من 18 ألفا (600 دولار).

حددت الحكومة مساحة زراعة محصول الأرز بنحو 725 ألف فدان لمواجهة أزمة نقص المياه (الجزيرة نت) المصدر: مراسل الجزيرة المكان: الشرقية محافظة الزمن: 2021

فوائد وأضرار

بدوره، يتوقع رئيس شعبة الأرز في اتحاد الغرف رجب شحاتة تصاعد الإقبال على زراعة الأرز في مصر خلال السنوات المقبلة في ظل إنتاج سلالات جديدة تستهلك كميات مياه أقل وتقلص مدة زراعته من 210 إلى 120 يوما فقط، وتحقيقه أرباحا للمزارعين لارتفاع سعر الطن، فضلا عن إيجابياته على الأراضي الزراعية مرتفعة الملوحة، خصوصا في شمال الدلتا.

وأرجع شحاتة ارتفاع الأسعار رغم وفرة الإنتاج إلى جملة من الأسباب، منها قلة المعروض في السوق المحلي نتيجة قيام البعض بتخزينه لتحقيق مكاسب أكبر، وكذلك ارتفاع تكلفة الإنتاج شأن المحاصيل الأخرى التي شهدت أسعارها موجة تصاعد، مع زيادات معدلات استهلاك الأرز.

ومع هذا، يعتبر شحاتة 28 جنيها لكيلو الأرز سعرا غير مرتفع مقارنة بأغلب الحاصلات الزراعية حسب تقديره، نافيا في حديث للجزيرة نت مسؤولية التجار أو المزارعين وحدهم عن الزيادة في الأسعار، فـ”الأمر مرهون بقواعد العرض والطلب أيضا”.

من جهته، أرجع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام قيام فلاحين بمخالفة تعليمات الدولة بحظر زراعة الأرز في محافظات عدة إلى أسعار جيدة يحققها مزارعوه، خصوصا في العامين الماضيين.

وطالب أبو صدام برفع حظر زراعة الأرز باعتبار أنه بريء من تهمة إهدار المياه، خصوصا أن السلالات الجديدة لا تستهلك كميات كبيرة من المياه “فضلا عن أن التوسع في زراعة الأرز يجعلنا قادرين على الوفاء بالاستهلاك المحلي والتوسع في التصدير وتحقيق حصيلة جيدة من العملة الأجنبية، فضلا عن أن الأرز له تأثيرات إيجابية في التخفيف من ملوحة الأرض، خصوصا في شمال الدلتا”.

ورأى أن التطورات الدولية المؤثرة على مصر لعبت دورا في زيادة الأسعار، مع تزايد الطلب، إضافة إلى تورط تجار في تهريب كميات كبيرة من الأرز إلى الخارج.

ونفى أبو صدام أي مسؤولية للفلاحين عن أزمة ارتفاع أسعار الأرز في ظل اتهامهم بتخزينه وعدم تسليمه إلى الجهات المختصة، معتبرا في حديث للجزيرة نت أن الفلاح هو الحلقة الأضعف في المعادلة رغم التحسن الكبير الذي طرأ على الأسعار ووصل سعر الطن 19 ألف جنيه.

يضاف إلى ذلك سبب آخر مسكوت عنه وهو تساهل الحكومة مع المخالفين لاحتياجها إلى الأرز من ناحية، ورغبتها في تمرير الانتخابات الرئاسية التي انتهت مؤخرا من ناحية أخرى، برأي مراقبين.

بدوره، أكد رئيس قسم بحوث الأرز في مركز البحوث الزراعية بسيوني زايد على ضرورة التوسع في زراعة الأرز، لارتفاع إنتاجيته اعتمادا على الصرف الزراعي، دون إهدار المياه كما هي التهمة للأرز سابقا، كما أنه المحصول الوحيد القادر على امتصاص عناصر ثقيلة، مما يجعله آمنا طبقا للمعايير الصحية، مع احتمال إجهاد التربة.

واعتبر زايد أنه لولا زراعة الأرز في شمال الدلتا لتعرضت آلاف الأفدنة للبوار، متهما ظاهرة التخزين بالتسبب في ارتفاع أسعاره وليس لأي أسباب أخرى.

ونبه إلى أن زراعة الأرز في مصر حققت طفرات مؤخرا، حيث غدت إنتاجية الأصناف الجديدة تقترب من حد 4 أطنان للفدان، مشددا في حديث للجزيرة نت على كونها أقل استهلاكا للمياه وتزرع في مدى زمني قصير، بشكل يكشف عن موسم واعد لهذا المحصول الإستراتيجي، في ظل معدلات الإنتاج العالية التي بلغت 6 ملايين طن في العام الواحد.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *