صنعاء – تشهد مناطق سيطرة جماعة الحوثي شمالي اليمن حالة من الاستياء الشعبي، بعد انتشار كميات كبيرة من البنزين المغشوش في السوق، الأمر الذي تسبب بأضرار جسيمة للمركبات والمولدات، في ظل اتهامات متداولة بوجود تقصير رقابي، وتوجيه اتهامات من قبل الجماعة لإسرائيل بالوقوف وراء هذه الأزمة.
شكاوى مواطنين وأضرار بملايين الريالات
وقال المواطن أحمد الطياري (43 عامًا) إنه عبّأ سيارته بالبنزين من إحدى محطات العاصمة صنعاء، لكنها بدأت تُصدر أصواتًا غير معتادة قبل أن تتوقف عن العمل تمامًا في شارع الخمسين.
وأوضح في حديثه لـ”الجزيرة نت” أنه نقل سيارته إلى إحدى ورش شارع خولان، وهناك اضطر لتغيير أجزاء رئيسية في المحرك، بتكلفة بلغت نحو 550 ألف ريال يمني (ما يزيد على ألف دولار). وأضاف أنه قدم شكوى إلى شركة النفط عبر تطبيق “واتساب”، وتم تسجيلها دون أن يتلقى أي رد لاحقًا.
من جانبه، قال عبد الله القاسمي، سائق سيارة أجرة في صنعاء، إنه واجه مشاكل مماثلة قبل أيام، حين بدأت سيارته تفقد العزم تدريجيًا. وأضاف أن خبرته في صيانة السيارات مكّنته من اكتشاف السبب، ليجد أن “البواجي” مغطاة بطبقة شبيهة بالأكسيد.
وأوضح القاسمي أنه اضطر لتبديل قطع غيار من بينها “كويلات”، معبرًا عن قلقه من أن تتكرر الأضرار وتؤدي في النهاية إلى فقدان مصدر دخله الوحيد الذي يعيل به أسرته.
شحنة ضخمة دخلت من البحر الأحمر
مصادر يمنية مطلعة أكدت لـ”الجزيرة نت” أن نحو 60 ألف طن من البنزين المغشوش دخلت السوق خلال الأسابيع الماضية عبر ميناء رأس عيسى المطلّ على البحر الأحمر والخاضع لسيطرة الحوثيين.
وأضافت المصادر -التي فضّلت عدم كشف هويتها- أن الشحنة تم تمريرها دون فحص دقيق في ظل غياب الرقابة المستقلة وآليات الفحص الفني المعتمدة.
وأشار الباحث الاقتصادي وحيد الفودعي إلى أن البنزين المغشوش بات منتشرا على نطاق واسع بسبب الاعتماد على السوق السوداء وشحنات غير مطابقة للمواصفات، تأتي أحيانًا عبر تحالفات تجارية وسياسية غير شفافة.
وأوضح الفودعي أن الناقلة “LOVE” هي التي حملت الشحنة، ودخلت إلى ميناء رأس عيسى بتاريخ 26 ديسمبر/كانون الأول 2024 وعلى متنها 60 ألفا و 639 طنًا. وفي 20 فبراير/شباط 2025 تم ضخ الكمية إلى الأسواق مباشرة بسبب عدم توفر سعة تخزينية كافية.
تداعيات اقتصادية وصحية واسعة
وحذر الفودعي من أن آثار هذه الأزمة تتجاوز المركبات المتضررة، إذ إن البنزين المغشوش قد يتسبب أيضًا بتعطيل المولدات ورفع تكاليف النقل والإنتاج، إلى جانب استنزاف دخل المواطنين بسبب تكاليف الصيانة المتكررة.
وأشار إلى أن ذلك سيؤدي إلى اضطراب الخدمات الأساسية، كالمياه والكهرباء والنقل، إلى جانب تفاقم الوضع الصحي نتيجة الانبعاثات الضارة وانتشار أمراض نفسية مرتبطة بالأعباء الاقتصادية، فضلًا عن ضعف الثقة بالأسواق المحلية والموردين.
ودعا الفودعي إلى تشكيل لجنة رقابة مستقلة للإشراف على استيراد الوقود وفحصه، مع إشراك منظمات دولية لضمان الشفافية، ودعم القطاع الخاص النزيه وتعزيز الوعي المجتمعي بمخاطر الوقود المغشوش.

تحركات حوثية.. واستمرار الغموض
وعقدت “الوحدة التنسيقية المشتركة للأجهزة الرقابية والنيابة العامة” التابعة للحوثيين اجتماعًا في صنعاء يوم 15 أبريل/نيسان الجاري، ناقشت خلاله تقرير الهيئة العليا لمكافحة الفساد وجهاز الأمن والمخابرات حول الشحنة المغشوشة.
وحسب ما نقلته وكالة “سبأ” بنسختها الحوثية، شدد الاجتماع على “أهمية تنسيق الأدوار لاستكمال إجراءات التحقيق”، كما أقرت الجهات المعنية بمتابعة القضية حتى كشف الملابسات وتحديد المتسببين.
وكانت شركة النفط اليمنية الخاضعة لإدارة الحوثيين قد أعلنت في مارس/آذار الماضي عن تشكيل لجنة ميدانية لفحص بعض المحطات ودراسة الأعطال التي لحقت بالمركبات، وأكدت اتخاذها “إجراءات احترازية” إلى حين انتهاء أعمال اللجان الفنية.
اتهامات لإسرائيل
وفي تطور لافت، اتهم سلطان السامعي، عضو المجلس السياسي الأعلى في جماعة الحوثي، إسرائيل بالوقوف وراء صفقة البنزين المغشوش، زاعمًا أن “الكيان الصهيوني دفع مبالغ كبيرة لإيصال هذه الشحنة بهدف تعطيل معدات الجيش والزراعة في حال نشوب مواجهة”.
وأضاف السامعي عبر منصة “إكس” أن ما حدث يُشبه ما وصفه بـ”البيجرات في لبنان”، في إشارة إلى مزاعم عمليات تخريبية إسرائيلية سابقة.
ولم يقدم المسؤول الحوثي تفاصيل بشأن مصدر الشحنة أو الجهات المتورطة، ولم يصدر أي رد رسمي من إسرائيل حتى الآن.