القدس المحتلة- منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول المنصرم أُصيب القطاع السياحي بالقدس في مقتل، فاضطرب السياح وانغمست مكاتب السياحة وشركات الطيران في تقديم موعد حجوزاتهم لإعادتهم إلى بلدانهم في ظل حالة من الإرباك الشديد مرّ بها مطار “بن غوريون” الدولي في مدينة اللد.
وخلال 3 أيام، خلت المدينة بشكل كامل من حركة السيّاح التي يعتمد اقتصادها بشكل كبير عليهم، فهي مقصد مسلمي ومسيحيي العالم للصلاة في مقدساتها والاستمتاع بعراقة تاريخها وحضارتها، ويزورها أكثر من 3 ملايين سائح سنويا.
وفي حديث للجزيرة نت قال رئيس التجمع السياحي المقدسي إن 24 فندقا عربيا في القدس يضم 1200 غرفة فندقية باتت خاوية على عروشها بسبب الحرب، ورغم ذلك صمم أصحاب بعض الفنادق الإبقاء على أبوابها مفتوحة وتشغيلها بالحد الأدنى من خلال الوفود الصحفية التي وصلت إلى المدينة لتغطية الأحداث.
وأضاف سعادة:”تعلمنا من جائحة كورونا أن إغلاق الفنادق لفترة طويلة يُصعب عملية إعادة فتحها، لأنها ستحتاج حينها لأعمال صيانة مكلفة بسبب توقفها عن العمل، وبالتالي فإن بعض أصحاب الفنادق قرروا إبقاءها مفتوحة رغم المصاريف التشغيلية الباهظة”.
موسم الانتعاش انقضى
وتكمن المشكلة الأكبر -وفقا لسعادة- في أن الموسم السياحي الأكثر انتعاشا في القدس يتركز في شهري أكتوبر/تشرين الأول، ونوفمبر/تشرين الثاني من كل عام، وبالتالي فإن فرصة القطاع السياحي للانتعاش انتهت مع استمرار الحرب التي يجهل الجميع مآلاتها.
ويملك سعادة فندق “القدس” الواقع في شارع عنتر بن شداد على بعد عشرات الأمتار من باب العامود (أحد أبواب البلدة القديمة)، ورغم دخول الحرب شهرها الثالث ووصول نسبة إلغاء الحجوزات إلى 100% حتى شهر أبريل/نيسان المقبل فإنه يُصرُّ على فتح أبواب فندقه، ويقول إنه يعيش كل يوم بيومه على أمل أن يحالفه الحظ بحجوزات من هنا أو هناك لغرف فندقه.
ويشير سعادة إلى أن “شركات الطيران أوقفت حجوزاتها إلى البلاد كما أن بعض الدول نشرت تحذيرات بعدم السفر إلى فلسطين بسبب الحرب، وحتى بعض الطواقم الصحفية التي اعتدتُ أن تحجز فترة مكوثها في البلاد في فندقي أخبرتني مؤخرا أن التأمين لا يغطي إقامتهم في فنادق شرقي القدس”.
وفقا لرئيس التجمع السياحي المقدسي فإن عدد فنادق القدس العربية تقلص بنسبة 50% بعد بناء الجدار العازل عام 2002 وعزل المدينة عن امتدادها الجغرافي المتمثل بضواحيها وقراها من جهة، ومحافظات الضفة الغربية من جهة أخرى.
ويقابل هذا الوضع المأساوي لفنادق المدينة انتعاش في عدد الغرف التابعة لفنادق إسرائيلية منتشرة في شطري المدينة الشرقي والغربي التي يقدر عددها بـ9 آلاف غرفة ، وفقا لسعادة.
الضرر متشعب
لا تمرُّ هذه الأشهر ثقيلة على أصحاب الفنادق فحسب، بل على كل من يرتبط عمله في القطاع السياحي كأصحاب 45 مكتب سياحة عاملا في المدينة، و462 محلا متخصصا في التحف السياحية والمطاعم والحافلات، بالإضافة إلى كافة الأعمال المرتبطة بالفنادق كخدمات غسيل الملابس وشركات مواد التنظيف ومحلات الخضراوات والفواكه والمواد التموينية المتعاقدة مع فنادق المدينة العربية.
ووفقا لأمين سر الغرفة التجارية الصناعية العربية في القدس حجازي الرشق فإن المحال المتخصصة بالتحف السياحية الشرقية تشكل ما نسبته 34% من إجمالي محلات البلدة القديمة، ويفتح أصحاب هذه المحال أبوابها منذ بداية الحرب لتهويتها فقط خوفا من تلف البضائع المتكدسة داخلها دون مشترين.
أما الدليل السياحي المقدسي سعيد رابية فتؤلمه حالة الموت التي وصل إليها القطاع السياحي في القدس منذ اندلاع الحرب، لكن ما يؤلمه أكثر حال البلدة القديمة “المُبكي” مع خلوها من الوفود السياحية التي تنعش التجار، وفق تعبيره.
ومنذ عقدين ونيف يعمل رابية كدليل سياحي ويؤكد أنه اعتاد على انتكاس السياحية في المدينة المقدسة كل عامين أو 3 أعوام على أبعد تقدير، وهو ما اضطره و200 دليل سياحي مقدسي إلى التقدم لمؤسسة التأمين الوطني للحصول على مخصصات بطالة مؤخرا.
ويقول للجزيرة نت “اشتقت لرؤية السياح يملؤون أزقة البلدة القديمة ويزورون مقدساتها، وهي أكثر مكان أستمتع بإرشاد السياح فيه لأنني ابنها الذي ولد وترعرع بها ويحفظ كل شبر فيها عن ظهر قلب”، ويضيف أن الحزن يخيم على العتيقة ومحالها التي يعتمد 85% منها على الحركة السياحية.