عمّان- مع تزايد معدلات الفقر والبطالة بين السكان، وفي ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الأردن، وصل معدل البطالة إلى 22.3% في الربع الثالث من عام 2023، حسب دائرة الإحصاءات الأردنية، في حين يعاني 35% من إجمالي السكان في الأردن من الفقر، أي ما يقارب 3.9 ملايين شخص من أصل 11.3 مليون نسمة، يصنفون على أنهم فقراء، حسب تقرير للبنك الدولي.
وفي ضوء هذه الأرقام يلجأ العديد من المواطنين لتدشين مشاريع بيتية صغيرة لمكافحة الفقر والبطالة، والحصول على الحد الأدنى من متطلبات الحياة الكريمة لهم ولعائلاتهم.
ولا تكلّف هذه المشاريع أموالا كبيرة للدخول إلى سوقها، ولكنها تحتاج إلى مثابرة وإصرار للبدء والمواصلة حتى تحقيق النجاح، والأهم من ذلك هو معرفة ما تريد القيام به، والأمثلة عديدة وكثيرة لرجال ونساء لم يستسلموا للظروف الاقتصادية الصعبة، ولا للمعوقات والمحبطات، فبدؤوا مشاريعهم البيتية، وهم الآن يجنون حصاد ما تعبوا من أجله.
ويسلط تقرير “الجزيرة نت” هذا الضوء على عدد من هذه التجارب التي كافحت حتى تحقيق النجاح.
انطلاقة بـ10 دنانير فقط
وجدت السيدة فاطمة الصالح والمعروفة باسم “أم حمزة البصول” نفسها أمام معضلة حقيقية بعد أن وجد زوجها نفسه بلا عمل عقب جائحة كورونا (كوفيد-19)، ومع وجود أبناء لها في المدارس والجامعات، إضافة إلى غلاء الأسعار ومتطلبات حياة وعدم كفاية الراتب التقاعدي الضئيل لزوجها لتلبية هذه المتطلبات.
اشتهرت أم حمزة في حيها ببراعتها في الطبخ وإعداد المأكولات الشعبية والحلويات، فقررت بعد تفكير طويل أن تبدأ مشروعها الخاص لصناعة الحلويات والمأكولات والوجبات الشعبية.
وتقول السيدة أم حمزة “كانت البداية بـ10 دنانير فقط (نحو 14 دولارا) حيث ذهبت للسوق، واشتريت دقيقا وسمسما وزيتا ومتطلبات إعداد الكعك والقراص، وهو خبز أردني خاص يقدم في الأعياد والمناسبات وله شعبية كبيرة”.
وتواصل أم حمزة قصتها “أعددت الكعك والقراص، ثم ذهبت لمدرسة قريبة تعمل فيها إحدى قريباتي، وعرضت المنتج على مديرة ومعلمات المدرسة اللاتي أعجبن بما صنعت واشترين كامل الكمية التي كانت معي، وأوصين على كمية أخرى أكبر منها، عدت للمنزل وبجيبي 30 دينارا، وكانت فرحتي عارمة”.
كان هذا النجاح الأولي دافعا كبيرا وحاسما للسيدة فاطمة، لتواصل العمل، حيث أنشأت بمساعدة ابنتها صفحة خاصة على فيسبوك وأخرى على إنستغرام، وشرعت بنشر فيديوهات قصيرة عن منتجاتها من الحلويات والمأكولات الشعبية.
السيدة فاطمة تكسب الآن ما لا يقل عن ألف دينار أردني شهريا (1400 دولار) وهو ما يكفي لتأمين حياة كريمة لها ولعائلتها وتدريس ابنها في الجامعة، وتخطط للتوسع وفتح مطعم خاص بها في المستقبل.
حين يتحول الشغف إلى مهنة
شريف كتانة شاب طموح يسعى لتكوين أسرة ومستقبل له بعد تخرجه من الجامعة، ولكن دخله من وظيفته لم يكن يساعده على ذلك، يقول شريف “كنت أعمل بمؤسسة أردنية، ولكن الدخل لم يكن يكفي، ووجدت نفسي في حاجة ماسة إلى إيجاد مصدر دخل إضافي يمكنني الاعتماد عليه، وهو ما دفعني للنظر إلى إمكانية بدء مشروع صغير يمكنني إدارته من المنزل”.
كان شريف من عشاق الحاسوب والإنترنت، وقرر تطوير شغفه هذا بتعلم المزيد حول المجال والتخصص في التسويق الإلكتروني، وتصميم مواقع الويب، كما استفاد من المصادر المفتوحة التي توفرها شبكة الإنترنت، وشيئا فشيئا أتقن مهنة التصميم والتسويق والرقمي.
يقول شريف “بعد التفكير العميق، قررت الاستفادة مما تعلمته، ومن خبرتي المكتسبة لبدء مشروع صغير يقدم خدمات التسويق الرقمي للشركات الصغيرة والمتوسطة والأفراد، وإدارة الحملات الإعلانية عبر الإنترنت، وتصميم وتطوير المواقع الإلكترونية”.
واجه شريف العديد من العقبات في بدايته، منها القيود المالية، والمنافسة الشديدة في سوق التسويق الرقمي، والصعوبات التقنية في بعض الأحيان. و”لكن بالتحدي والعمل الجاد، بالإضافة إلى مهاراتي في الاتصال والإقناع، تمكنت من تجاوز هذه العقبات وتحويلها إلى فرص للتعلم والنمو”، يقول شريف.
ويؤكد أن “أحد العوامل الرئيسية لنجاح المشروع كانت الاستمرارية في التعلم وتطوير المهارات. كنت دائما أسعى لتحسين نفسي والتعلم من التجارب الفاشلة وتحويلها إلى دروس بناءة. بالإضافة إلى ذلك، كان الالتزام والمثابرة جزءا أساسيا من نجاح المشروع”.
وبالنسبة للدخل المادي من المشروع يؤكد شريف أنه كان “متقلبا في بداية المشروع، ولكن مع مرور الوقت وتوسيع قاعدة العملاء، تحسنت الأوضاع وزادت الإيرادات. ولا يزال الدخل غير ثابت في بعض الأحيان، لكنه بالتأكيد كافٍ لتلبية احتياجاتي الأساسية أنا وعائلتي”.
ويوجه شريف كتانة نصائح للشباب العاطلين عن العمل، الذين يبحثون عن فرص في مجال ريادة الأعمال، ويقول “أنصحهم بتحديد مهاراتهم واهتماماتهم والاستثمار في تطويرها، بالإضافة إلى الاستفادة من المصادر المفتوحة أو المدعومة التي تقدمها الحكومة أو المؤسسات الخاصة، واستكشاف الآفاق التي تفتحها لهم وسائل التواصل الاجتماعي”.
هالو تيراريوم
وجدت المهندسة تقى محمود السالم نفسها عاطلة عن العمل بعد أن تخرجت من كلية الهندسة الزراعية، وكانت تطمح دائما لمواصلة دراستها، ولكن الظروف المادية لم تكن تساعدها على تحقيق هذا الحلم.
كانت تقى تحب القراءة منذ صغرها، وقرأت في هذه الأثناء عن مشروع نادر لتربية نباتات استوائية طبيعية داخل أوانٍ زجاجية مغلقة لا تفتح بعد زراعتها، وهو ما يطلق عليه اسم “التيراريوم المغلق”.
تقول تقى “التيراريوم عبارة عن غابة استوائية مصغرة تمثل البيئة الطبيعية للغابات، وتعطي لك فرصة اقتناء حديقة مصغرة داخل المنزل، والاستمتاع بنموها داخل الحوض الزجاجي. ولا يحتاج إلى عناية مستمرة، فهي تكتفي بدورة الماء والغازات داخل الحوض المغلق، وهو نظام مغلق تماما لا يفتح بعد زراعته”.
استدانت تقى مبلغ 200 دينار أردني (282 دولارا) واشترت المواد الأولية المطلوبة، وبدأت في تجربة زراعة “التيراريوم” في منزلها.
فشلت جميع التجارب الأولى، ولكنها أعادت التجربة مرة تلو الأخرى، حتى نجحت في زراعة أول نباتاتها، وكانت فرحتها عارمة بالنجاح الذي جاء بعد تجارب كثيرة فاشلة.
تصف تقى هذه اللحظات “نجاحي كان في بداية الأمر توفيق من الله سبحانه وتعالى، وبعد ذلك بسبب عنادي وإصراري الكبير واستمراري في العمل رغم المحاولات الكثيرة الفاشلة، كما وجدت تشجيعا كبيرا من عائلتي”.
أول دخل حققته تقى كان عن طريق بيع حديقة تيراريوم زجاجية لطبيب يعمل في أحد مستشفيات العاصمة الأردنية عمان، “وقف الطبيب مشدوها أمام جمال المنظر، ودفع لي مبلغ 100 دينار (140 دولارا) وكان هذا أول دخل لي من المشروع، وقد أعطاني هذا دفعة كبرى للمواصلة والاستمرار”.
وحاليا، تكمل تقى دراسة الماجستير في الجامعة من ريع مشروعها، وتقول ناصحة الشباب والشابات الذين يجدون أنفسهم بلا عمل بعد التخرج “نصيحتي هي أن كل شيء في هذه الحياة يبدأ من فكرة صغيرة، ليس عليك أن تستهين بأي فكرة قد تخطر على بالك، لأنها قد تكون الفكرة الذهبية التي سترفعك وتدفعك للأمام، وعليك الإصرار والمثابرة وعدم الاستسلام أمام لحظات الفشل، فكلما سعيت أكثر حققت نتائج أفضل فلا يأس مع الحياة”.
وتطمح تقى حاليا أن تفتتح متجرها الخاص الذي يضمن التوسع لها تحت اسم “هالو تيراريوم” والدخول إلى عالم الديكورات الكبيرة والتصاميم التي تدخل في هندسة الديكور كتفصيل أساسي للجدران الطبيعية المغلقة، وخلق تصاميم مبتكرة ومميزة وفريدة، كما تتطلع أن يصبح التيراريوم ثقافة زراعية وتطورا جديدا في عالم التصميم خاصة والديكورات عامة.