هل يُخرج الدعم الخارجي مصر من أزمتها الاقتصادية؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 9 دقيقة للقراءة

يختلف أداء الدول الأجنبية تجاه دعم الاقتصاد المصري من وقت إلى آخر، خاصة في تلك الأوقات التي تتوافق فيها المواقف السياسية لمصر مع الدول الداعمة.

ولعل أبرز تلك المواقف ما كان في مطلع تسعينيات القرن العشرين، حيث دعمت مصر موقف دول التحالف (الأميركي الأوروبي) في حربها على العراق، مما سمح لمصر بالحصول على دعم كبير تمثل تخفيض الديون الخارجية لمصر بنسبة 50%، وكذلك توقيعها اتفاق مع صندوق النقد الدولي، مكّنها من الخروج من أزمة المديونية الخارجية.

ولكن موقف أميركا على وجه التحديد يتذبذب من وقت إلى آخر، ففي 2023 وما قبله -على وجه التحديد قبل طوفان الأقصى– كانت أميركا تلوّح أكثر من مرة بحجب جزء من معونتها لمصر بسبب ملف حقوق الإنسان، والمعلوم أن مصر تتلقى معونة سنوية من أميركا تقدر بنحو مليار و350 مليون دولار، منها مليار دولار معونة عسكرية.

وكانت أكبر صور الدعم الخارجي لمصر، ما حصلت عليه القاهرة من دعم خليجي في 2013 و2014، قدّرته وزارة المالية المصرية بنحو 95.8 مليار جنيه (ما يعادل 12.5 مليار دولار، حسب متوسط سعر صرف لسنة 2014 عند 7.07 جنيهات للدولار)، ومبلغ آخر في 2014 و2015 قدره 25.4 مليار جنيه (ما يعادل 3.3 مليارات دولار حسب متوسط سعر صرف لسنة 2015 عند 7.69 جنيهات للدولار، وفي 2016 و2017 بمقدار 17.6 مليار جنيه (ما يعادل مليار دولار تقريبا، حسب متوسط سعر صرف في المتوسط لسنة 2017 عند 17.7 جنيها للدولار).

وقد تمثلت صفقات الدعم الخليجي في أشكال مختلفة تجمع بين الدعم النقدي والعيني، سواء من خلال صفقات النفط، أو تمويل بعض المشروعات التنموية.

وبمراجعة بند المنح المدرج في الموازنة المصرية، تبين أن مجموع ما حصلت عليه مصر من منح خلال الفترة من 2013 – 2022، بلغ 160.6 مليار جنيه، وذلك حسب أرقام أعداد مختلفة للتقرير المالي الشهري الصادر عن وزارة المالية.

ولم يقتصر الدعم الذي مُنح للاقتصاد المصري على المنح الجارية أو الاستثمارية فقط، ولكن فتح باب الاقتراض الخارجي بشكل كبير أمام مصر لتحصل على قروض من المؤسسات الدولية والإقليمية، وكذلك أسواق المال الدولية، فضلا عن ودائع من دول الخليج لدعم الاحتياطي النقد الأجنبي بالبنك المركزي المصري.

وتظهر بيانات البنك المركزي المصري، أن الدين الخارجي لمصر بلغ 46 مليار دولار في يونيو/حزيران 2014، في حين قفز إلى 165 مليار دولار بنهاية 2023، وهو ما يعني زيادة هذا الدين بنحو 119 مليار دولار خلال الفترة.

وتمثل الودائع الخليجية بالبنك المركزي المصري منذ 2013 /2014، رقما مهما في شأن النقد الأجنبي بالبلاد، حيث تقترب هذه الودائع من 18 مليار دولار، وظل جزء كبير منها دون فائدة لفترة 5 سنوات، ثم بدأ دفع فائدة عنها فيما بعد، إلا أنها تتسم بالمرونة من حيث تأجيل سدادها، وإعطاء مصر فرص لتمديد هذه الودائع بالبنك المركزي، ودون عودتها للدول الخليجية.

مساندة أميركية

مؤخرا صرحت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، دعم الولايات المتحدة القوي لمصر وبرنامجها للإصلاح الاقتصادي، مشددة على هدف تعزيز الاقتصاد المصري ودعم النمو الشامل والمستدام. وأشارت إلى استعداد وزارة الخزانة الأميركية لمواصلة العمل بشكل وثيق مع مصر بشأن القضايا الثنائية والإقليمية.

وتأتي تصريحات يلين في ظل الأحداث التي يعيشها قطاع غزة من عدوان إسرائيلي يستهدف الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني بغزة، وثمة مشكلة تتعلق بمعبر رفح الواقع بين فلسطين ومصر، وقد صرح وزير الخارجية المصري سامح شكري من قبل، أن تمرير المساعدات للشعب الفلسطيني في غزة يتطلب موافقة الجانب الإسرائيلي، وهو ما وضع أهل غزة في أزمة إنسانية كبيرة تتعلق بنقص الغذاء والدواء، وتعرض جزء كبير منهم للجوع أو الموت، خاصة في ظل هدم البيوت، والمدارس، والمستشفيات.

والمسلَّمة الواضحة في العلاقات الدولية، أنه لايوجد شيء مجانا، ولذا يخشى مراقبون أن هذا الموقف الداعم من الخزانة الأميركية للاقتصاد المصري، يتسم بالمصالح السياسية، للدور المصري في الأزمة الحالية في غزة.

والمثير للانتباه أن تقديم الدعم الاقتصادي من أميركا أتى على لسان وزيرة الخزانة، وأن هذا الدعم سيمتد ليشمل العمل مع مصر في القضايا الثنائية والإقليمية، وبذلك اكتسب الدعم الأميركي صورة الدعم المشروط بالتعاون في المجالين الاقتصادي والسياسي كما يشير المراقبون.

حدود الدعم وإمكانية الخروج من الأزمة

يتسم الخطاب السياسي بمصر عبر مسؤوليها الكبار، حول الأزمة الاقتصادية بشكل عام، والتمويلية منها بشكل خاص، بتحميل الأزمات الخارجية الجانب الأكبر، حيث مر الاقتصاد المصري بجائحة كورونا، وكذلك التداعيات السلبية للحرب الروسية على أوكرانية، ومؤخرا تداعيات السلبية للعدوان الإسرائيلي على غزة، ويُركّز من المسؤولين المصريين كذلك على الزيادة السكانية كونها عاملا مهما يقضى على ثمار التنمية خلال السنوات العشر الماضية.

وحول ما يتعلق بالدعم الأميركي، فيتوقع أن يكون عبارة عن الإسهام في الإسراع في توقيت التوقيع بين مصر وصندوق النقد الدولي، أو الإسهام في زيادة قيمة القرض، وكانت وكالة بلومبيرغ قد نشرت خلال الأيام الماضية خبرا يتضمن وجود مباحثات بين مصر وصندوق النقد لزيادة قيمة القرض لنحو 6 مليارات دولار.

أما بالنسبة للدعم الخليجي، فقد لوحظ وجود تطور في صورة الدعم المقدمة للاقتصاد المصري، من خلال تملك حصص من الشركات العامة المصرية، وليس تقديم مساعدات مادية أو عينية، وتعدّ آلية تقديم حصص من ملكية الشركات المصرية سياسة متبعة للحكومة المصرية، حيث تضمنت وثيقة التوجهات الإستراتيجية التي نشرت مؤخرا، تقديم حصص من ملكية الشركات العامة مقابل الديون.

وفي حالة المؤسسات المالية الدولية (البنك والصندوق الدوليين) فالمفوضات تركز على قبول الحكومة المصرية لتخفيض قيمة الجنيه، وتسريع برنامج خصخصة الشركات العامة، وعلى أرض الواقع تم بالفعل تخفيض قيمة الجنيه في السوق الموازية (السوداء)، حيث تجاوز 50 جنيها للدولار.

أما عن إمكانية إسها الدعم من الجهات المذكورة في خروج مصر من أزمتها الاقتصادية، فسيكون عبارة عن حل مؤقت أو مسكنات كما حدث من قبل، فبيانات المركزي المصري، تؤكد أن العجز في صافي الأصول الأجنبية بالبنوك بلغ حوالي 25 مليار دولار، فضلا عن التزامات مصر في الوفاء بأعباء الدين الخارجي من أقساط وفوائد، التي قُدّرت بنحو 29 مليار دولار لسنة 2024، وذلك حسب تقديرات تقرير البنك المركزي المصري.

وإذا ما توصلت مصر لاتفاق مع صندوق النقد -خاصة حول تخفيض قيمة الجنيه المصري، ورفع سعر الفائدة- سوف يضمن هذا الأمر، تحسين تدفق النقد الأجنبي لمصر من خلال مسارين، الأول: مسار تحويلات العاملين بالخارج، التي خرج منها نحو 10 مليارات دولار للسوق السوداء، وكذلك: الأموال الساخنة التي يمكن أن تعود في ظل تخفيض قيمة الجنيه ورفع سعر الفائدة، والجدير بالذكر أن مصر خرج منها نحو 20 مليار دولار من الأموال الساخنة، عقب الحرب الروسية على أوكرانيا، مما أحدث أزمة في النقد الأجنبي لا تزال تعاني منها مصر.

مكمن المشكلة

بيانات وزارة المالية المصرية، عبر التقرير المالي الشهري ديسمبر/كانون الأول 2023، تبين أن نسبة الاستثمار وصافي الصادرات بحدود 25% تقريبا من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعني أن الناتج المحلي يعتمد على الاستهلاك بشكل كبير، وأن الاستهلاك يتضمن نسبة مرتفعة من الواردات السلعية والخدمية.

تظهر بيانات التقرير المالي كذلك، وجود فجوة بين الاستثمارات والمدخرات المحلية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، بلغت في 2021 /2022 نحو 7% تقريبا، وتُسد هذه الفجوة عبر الديون.

وفي جانب آخر نجد أن العجز في الميزان التجاري لا يزال يمثل مشكلة مزمنة، حيث بلغ 31 مليار دولار في نهاية السنة المالية 2022 /2023.

ومن هنا تكمن أهمية الدعم الخارجي للاقتصاد المصري حتى يستطيع ردم الفجوات الهيكلية في أداء اقتصادها القومي، بتقليص الفجوة التمويلية لأقل حد ممكن، وزيادة إسهام الإنتاج والتصدير في الناتج، وتقليص عجز الميزان التجاري.

ولكن تبقى المسألة المهمة في الدعم الخارجي، وهي الثمن المدفوع نظير الحصول على هذا الدعم، سواء كان ذلك الثمن له وجه سياسي، أو اقتصادي.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *