هل نجحت روسيا والصين في التخلص من هيمنة الدولار؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

موسكو– شكّل التخلّي التدريجي عن التعامل بالدولار أبرز معالم التعاون الاقتصادي والتجاري بين روسيا والصين خلال العام المنصرم، وحقق البلدان خطوات ملموسة باتجاه تقريب البلدين مما يمكن تسميته بـ”التحالف المالي”.

ووفقا لرئيس الوزراء الروسي، ميخائيل ميشوستين، حوّلت روسيا والصين خلال 2023 أكثر من 90% من التجارة إلى اليوان والروبل، وهو ما يوضح- حسب قوله- الإلغاء شبه الكامل للدولار في العلاقات الاقتصادية بين البلدين.

ورغم أن الاتجاه نحو تقليل روسيا الاعتماد على “ملك العملات” بدأ بعد أزمة 2008، عندما أظهر النظام المالي الأحادي القطب نقاط ضعف وألحق الضرر بالتجارة والإنتاج وتشغيل العمالة؛ فإنه مع اشتداد العقوبات الغربية ضد موسكو، بدأت الأخيرة عملية إلغاء “الدولرة” في سياق ربط الدولة بين القوة المالية والقوة الجيوسياسية، وعلى قاعدة أن محاولات التنمية وتقوية الجيش وتطوير التقنية والحفاظ على قوة عاملة منتجة، يتطلب وجود قاعدة اقتصادية متينة.

وسجل الروبل هبوطا قياسيا خلال 2023، وهو الأعلى خلال السنوات التسع الماضية، حيث ارتفع الدولار بنسبة 30%، وقد رأى فيه الخبراء أحد النتائج السلبية لخروج رؤوس الأموال من البلاد، والديناميكيات السلبية لصادرات النفط في بداية العام، ونمو الواردات.

تقليم أظافر الدولار

أمام هذا الواقع، جرت نقاشات جادة بين الصين وروسيا بالفعل لدمج أنظمتهما المالية، حيث أكدت موسكو لبكين أنها مستعدة لاستخدام اليوان في احتياطاتها من النقد الأجنبي لتسريع العملية.

وتكشف البيانات الرسمية الروسية عن نقلة نوعية في التبادل التجاري بين البلدين رافقها تبادل بالعملات الوطنية. فقد ازداد حجم التجارة الثنائية بين البلدين ليبلغ 218 مليار دولار.

وبناء على نتائج الأشهر التسعة الأولى من 2023، ارتفع إجمالي حجم التجارة بين روسيا والصين بنسبة 29.5% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

وفي شهر سبتمبر/أيلول الماضي وحده، بلغ حجم التجارة بين البلدين نحو 21.2 مليار دولار، وواصلت التجارة البينية ارتفاعها لتصل إلى 21.5 مليار دولار في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

ومنذ بداية 2023 صدّرت الصين بضائع بقيمة 81.4 مليار دولار نحو روسيا، بزيادة 56.9% عن 2022، أما روسيا فصدّرت نحو 95 مليار دولار نحو الصين، وبزيادة سنوية بلغت 12.7%.

ويأتي ذلك بالتوازي مع خطة تحويل مدفوعات النفط والغاز الروسية، التي ستستمر في العمل -حسب مسؤولين روس- طالما أن الدول الأوروبية تعتقد أنها لا تستطيع تقليل اعتمادها على موسكو دون تكبد مصاعب مالية غير مقبولة.

وهذا يظهر -حسب مراقبين روس- وجود سعي لدى موسكو وبكين لتقويض الهيمنة العالمية للدولار الأميركي، بالحد الأدنى في التبادل التجاري بينهما.

ويرى الخبير الاقتصادي، فكتور لاشون، أن هذا التطور يبشر ببداية نهاية الهيمنة المالية الأميركية، رغم تمكن الدولار من استعادة موطئ قدمه عموما بفضل الإنفاق الاستهلاكي والاستثمار التجاري، لمواجهة التداعيات الاقتصادية الناجمة عن وباء كورونا، فضلا عن نقص الغذاء الذي تفاقم بسبب الحرب في أوكرانيا.

وحسب قوله للجزيرة نت، فإنه رغم تكبد روسيا لمصاعب مالية، فإنه من الواضح أنها تتجه نحو تقويض الهيمنة العالمية للدولار الأميركي، عبر تعزيز التعاون مع التنين الصيني.

فالصين -وفقا له- تعدّ عملاقا اقتصاديا ليس من حيث الإنتاج والصادرات فقط، بل من حيث حجم قطاعها المالي كذلك، الذي يعدّ حاليا الأكبر في العالم، إذ تبلغ قيمة أصوله 60 تريليون دولار، أي ما يعادل 340% من الناتج المحلي الإجمالي للصين.

ويتابع أنه رغم القوة الواضحة التي شهدها الدولار في النصف الأول من 2022، واستخدامه سلاحا لفرض العقوبات على روسيا، فإن ذلك أعطى زخما جديدا لبعض أكبر الاقتصادات في العالم لاستكشاف سبل للالتفاف حول العملة الأميركية، وعلى رأسها روسيا والصين.

إلغاء الدولرة

وفي حين أنه لا أحد يقول إنه سيتخلص من الدولار كونه وسيلة التبادل الأساسية في وقت قريب، إلا أن إلغاء “الدولرة” أصبح خيارا إستراتيجيا بالنسبة لموسكو وبكين.

وثمة من يرى بأن عملية التخلص من التعامل بالدولار لن تكون بالسهولة التي يتحدث عنها بعض المحللين، كما يؤكد الباحث بالمعهد الأعلى للاقتصاد فلاديمير أوليتشينكو، الذي يقول للجزيرة نت إن نجاح هذه العملية يتوقف على التطوير الشامل للسوق المحلية، كشرط لتمكن روسيا من التخلي عن استخدام الدولار؛ لأنها تعتمد بشكل أكبر على المبيعات في السوق الأجنبية.

ويضيف بأن الأمر نفسه ينطبق على الاقتصاد الصيني، لكن الصين، على عكس روسيا، منخرطة بشكل هادف في تطوير السوق المحلية، في وقت أصبح السوق الأجنبي يشكل دخلا إضافيا للصين، لكن ليس الدخل الرئيس.

ويوضح بأن الخطوات التي اتخذتها الصين وروسيا للتخلي عن الدولار الأميركي ترافقت مع نقاط مهمة، كان يجب أخذها في الاعتبار بالنسبة لكل اقتصاد من الاقتصادات؛ مثل: اعتماد الاقتصاد الروسي إلى حد كبير على بيع الموارد الطبيعية والأخشاب والقمح والمحاصيل الزراعية الأخرى في السوق العالمية، التي يحصل في مقابلها على ما يعادله نقدا بالعملة الأميركية.

ويشير أوليتشينكو بأن المشكلة في معظم العملات هي أن سعر صرفها يعتمد بشكل كبير على مجموعة ضيقة من السلع، وهي بالنسبة لروسيا، موارد الطاقة والمعادن والمواد الخام.

وبما أن بيئة أسعار هذه السلع تؤثر في ميزان المدفوعات في البلاد، ومن ثم على سعر صرف الروبل، فإن حالة التقلب هذه لا تتيح للروبل أن يصبح عملة احتياطية، ولذا لا تريد أي دولة أن تصبح احتياطاتها من العملة الروسية أرخص؛ بسبب تقلب أسعار النفط، يختم المتحدث ذاته.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *