أذكت أزمة البحر الأحمر القائمة، المخاوف العالمية من ترجيح عودة التضخم للارتفاع مجددا في حال طال أمد الأزمة، بعد صراع قادته البنوك المركزية العالمية مع ارتفاع الأسعار، عبر زيادات أسعار الفائدة.
واضطرت أغلب السفن إلى اتخاذ طريق رأس الرجاء الصالح الواقع جنوبي دولة جنوب أفريقيا، ممرا بديلا عن مضيق باب المندب والبحر الأحمر، خوفا من هجمات قد تشنها جماعة الحوثي اليمنية.
ويستهدف الحوثيون بصواريخ ومسيّرات سفن شحن بالبحر الأحمر تملكها أو تشغلها شركات إسرائيلية، أو تنقل بضائع من وإلى إسرائيل، وذلك “تضامنا مع قطاع غزة” الذي يتعرض منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 لحرب إسرائيلية مدمرة بدعم أميركي.
ودخلت التوترات في البحر الأحمر مرحلة تصعيد لافتة منذ استهداف الحوثيين، في 9 يناير/كانون الثاني الجاري، سفينة أميركية بشكل مباشر، تلته ضربات أميركية على مواقع للحوثيين.
وارتفعت أسعار كلفة الشحن الوارد عبر مضيق باب المندب بنسب وصلت إلى 170%؛ بسبب هجمات الحوثي على السفن المرتبطة بإسرائيل والولايات المتحدة، وهو ما دفع شركات شحن لتعليق كل رحلاتها عبر المضيق.
عودة التضخم
نبهت شركة “إم إس سي” -أكبر شركة شحن في العالم- العملاء في بيان صحفي، إلى زيادات إضافية في أسعار بعض حركة الحاويات إلى الولايات المتحدة، بدءا من 12 فبراير/شباط المقبل.
وقالت شركة الشحن أونر لين Honor Lane في بيان منفصل، إنها تتوقع أن يستمر الوضع في البحر الأحمر لمدة تصل إلى 6 أشهر، وربما حتى سنة.
وأضافت “إذا كان الأمر كذلك، نتوقع أن يستمر ارتفاع أسعار الشحن ونقص المعدات حتى الربع الثالث في 2024”. وتنقل شبكة سي إن بي سي عن ستيفن شوارتز، نائب الرئيس التنفيذي لشركة ويلز فارغو للمستحقات العالمية والتمويل التجاري قوله: لقد شعرت أوروبا بأكبر الأثر من الوضع في البحر الأحمر.. آثار ارتفاع الأسعار بدأت تظهر على السلع.
وأضاف أن تأخير الحاويات وانخفاض السعة، وأوقات العبور الأطول “كلها (عوامل) تؤثر في تكاليف الشحن العالمية، التي بدأت في التأثير في الشركات الأميركية كلما استمر الوضع في البحر الأحمر”.
أوروبا وأميركا
تتوقع تقديرات لمكتب الإحصاءات الأوروبية، أن تتسبب أزمة البحر الأحمر في ارتفاع التضخم بنصف درجة مئوية، على مدى الربعين الأول والثاني من 2024.
وفي أوروبا، تضغط أزمة البحر الأحمر على آمال اقتصاد منطقة اليورو، في احتمالية خفض أسعار الفائدة خلال العام الجاري، من القمة التاريخية الحالية البالغة 4%.
وبهدف كبح التضخم، نفّذ البنك المركزي الأوروبي 10 زيادات متتالية على أسعار الفائدة بدأت في يوليو/تموز 2022، وبينما كان المحللون يرجّحون أن يخفّض المركزي الأوروبي أسعار الفائدة 6 مرات في 2024، إلا أن توترات البحر الأحمر قد تؤجل هذا الخفض.
وفي الولايات المتحدة، عاد التضخم للارتفاع إلى 3.4% في ديسمبر/كانون الأول الماضي، من 3.1% في الشهر السابق له، وهو ارتفاع ما زالت توترات البحر الأحمر بريئة منه.
وتكمن مخاوف الفدرالي الأميركي من أن تقود أزمة البحر الأحمر إلى وضع تأثيرات إضافية على التضخم، بداية من يناير/كانون الثاني الجاري، ما يعني تراجع الآمال بفرضية خفض الفائدة قبل نهاية النصف الأول من 2024.
وتبلغ أسعار الفائدة في الولايات المتحدة حاليا 5.5%، وهي أعلى نسبة منذ 2001، حسب بيانات الفدرالي الأميركي.
ماذا عن الشرق الأوسط؟
في الشرق الأوسط، لا تزال توقعات التضخم غير واضحة في العديد من الاقتصادات، خاصة أن جماعة الحوثي لا تستهدف كل السفن العابرة للممر المائي.
إلا أن ما بادر به الأردن، قد يشكّل نموذجا لأغلب الدول العربية المستوردة للنفط، في آلية التعاطي مع التوترات، واستباق أيّ تأثيرات في إمدادات السلع.
وفي 15 يناير/كانون الجاري، وجّه رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة، الوزارات والجهات المعنية في المملكة إلى اتخاذ تدابير وإجراءات، للتعامل مع الآثار التضخمية المحتملة على السوق المحلية؛ بسبب تطورات البحر الأحمر.
وقال الخصاونة في بيان “وجّهنا لتوفير مخزون وافر وكافٍ لكل المواد الأساسية، وأن تحافظ على أسعار هذه المواد الأساسية حتى نهاية شهر رمضان (بين مارس/آذار، وأبريل/نيسان المقبلين) على الأقل، بصرف النظر عما قد نتحمله من كلف مرتبطة بذلك”.
ووجّه إلى تشديد الأدوات الرقابية في الأسواق و”التحوط والتثبت من استمرارنا في الحفاظ على مخزون إستراتيجي آمن من القمح والشعير وكل المواد الأساسية”.