واشنطن- بعد انتهاء مهلة حددتها نقابة العاملين في أكبر 3 مصانع سيارات أميركية، بدأ 13 ألف عامل إضرابهم من أجل التوصل لاتفاق جديد بخصوص تعاقدات 145 ألف عامل في مصانع شركات: جنرال موتورز، فورد، وستيلانتس (كرايسلر سابقا).
ويهدد فشل المعركة التفاوضية الشاقة بين رئيس نقابة العاملين بقطاع السيارات “يو إيه دبليو” شون فين ورؤساء الشركات الثلاث الكبرى، بإلحاق الضرر بمصنعي السيارات الأميركيين، هو ما يضر بقدرتهم على المنافسة أمام منتجي السيارات الأوروبيين والآسيويين، ومنتجي السيارات الكهربائية.
كذلك يُعقد الإضراب من موقف الرئيس الأميركي جو بايدن وحظوظه الانتخابية لعام 2024، خاصة أنه يُصنف -سياسيا- داعما تاريخيا لنقابات العمال، لكنه لا يدعم الإضراب هذه المرة.
وتخطط نقابة عمال السيارات المتحدة لتنظيم “إضرابات مستهدفة” في بعض مصانع السيارات، وهي إستراتيجية غير عادية يمكن أن تعطل إنتاج خطوط تجميع السيارات على نطاق واسع.
مطالب النقابات
تطالب النقابة -تأسست قبل 88 عاما وتضم ما يقرب من 145 ألف عامل- بزيادة الأجور خلال السنوات الأربع القادمة بنسبة 40%، كما تطالب أن يكون أسبوع العمل 4 أيام فقط (32 ساعة أسبوعيا بدلا من 40 ساعة حاليا)، وعودة الزيادات التلقائية في الأجور المرتبطة بالتضخم، فضلا عن تحسين قيمة مكافأة الأرباح السنوية.
وتنفق الحكومة الفدرالية مليارات الدولارات لتسريع الانتقال إلى السيارات الكهربائية، وتحفيز مزيد من مصنعي هذه السيارات على إقامة مصانع لهم داخل الولايات المتحدة.
وتضغط نقابة العمال على إدارة بايدن للتأكد أن العمال -وليس الشركات فقط- يشعرون أيضا بفائدة من تلك الأموال الفدرالية، معتبرة أن حماس بايدن للسيارات الكهربائية قد يؤدي إلى مزيد من التدهور في الوضع الاقتصادي لعمال السيارات التقليدية.
ولدى النقابة صندوق مالي قيمته 825 مليون دولار، سيستخدم لتعويض العمال في أثناء الإضراب، وتوفر النقابة للعمال 500 دولار في الأسبوع.
مطالب الشركات
في المقابل، ترغب الشركات في التحكم بتكاليف العمالة، وتعتقد الشركات الثلاث أن نفقاتها أعلى بكثير من نفقات منافسيها غير النقابيين، مما يضعها في وضع تنافسي غير عادل.
ورفعت الشركات الثلاث عروضها للعمال، إذ عرضت شركة فورد زيادة بنسبة 20% في الأجور خلال مدة العقد، وعرضت جنرال موتورز 18%، في حين اكتفت ستيلانتس بنسبة 17.5%.
وتقول الشركات الأميركية إن الخطر الأكبر هو التوصل لاتفاق يجعل من الصعب عليها التنافس مع الشركات التي لا يتمتع عمالها بعضوية النقابات، إضافة للتهديدات الخاصة بالانتقال إلى تصنيع السيارات الكهربائية.
ويجادل مصنعو السيارات بأنهم لا يستطيعون تحمل مطالب النقابة رغم أرباحهم العالية، وأن التكلفة العالية للانتقال لإنتاج سيارات كهربائية هي من أكبر أسباب ذلك.
وتقول شركات السيارات إن تلبية مطالب النقابة سيرفع متوسط تكلفة العامل إلى أكثر من 150 دولارا في الساعة، مقارنة بـ 65 دولارا حاليا، ويشمل ذلك الأجر والأرباح السنوية، والتأمين الصحي.
في الوقت ذاته، يكلف العامل 55 دولارا في الساعة في المصانع التي لا يتمتع عمالها بعضوية النقابة، وتنخفض النسبة في قطاع السيارات الكهربائية، حيث يكلف العامل 45 دولارا في الساعة في شركة تسلا.
معضلة بايدن
بعد ساعات من بدء سريان الإضراب، قال الرئيس جو بايدن إنه سيرسل القائم بأعمال وزيرة العمل جولي سو وكبير مستشاري البيت الأبيض جين سبيرلينغ إلى مدينة ديترويت للمساعدة في التوسط في المفاوضات.
وأضاف بايدن “قدمت الشركات بعض العروض المهمة، لكن أعتقد أنهم يجب أن يذهبوا إلى أبعد من ذلك لضمان أن أرباح الشركات القياسية تعني عقودا قياسية لعمال النقابة”.
وتضمنت التشريعات التي نجح بايدن في تمريرها مثل قانون خفض التضخم، أو تشريع المناخ، تقديم حوافز مالية ضخمة لمصنعي السيارات الكهربائية، وقال إنه يريد أن يصنعها أشخاص لديهم وظائف نقابية ذات رواتب جيدة. لكن الإدارة فشلت في تأمين ذلك كشرط عندما بدأت توزيع مليارات الدولارات في شكل منح لهذه الشركات.
ورغم سمعته كرئيس مؤيد للنقابات العمالية، فإن تأثير بايدن على النقابة محدود، خاصة بالنظر إلى انتقاد النقابة المتكرر لدعم إدارة بايدن للانتقال إلى السيارات الكهربائية، التي تعتبرها النقابة سيئة لوظائف عديد من أعضائها.
ولم تعلن نقابة العاملين في صناعة السيارات بعد تأييدها لإعادة انتخاب بايدن، وتستخدم هذه الورقة للضغط على البيت الأبيض، لكن قدرة بايدن على الضغط على شركات صناعة السيارات محدودة، نظرا للحاجة إلى التنافس مع شركات صناعة السيارات غير النقابية، مثل تسلا وماركات السيارات الأجنبية.
بالنسبة لبايدن، الذي يعتمد خطابه السياسي تاريخيا الانحياز إلى الطبقة العاملة، فإن الإضراب سيكون كارثيا بالنسبة لحظوظ ترشحه وفوزه في انتخابات 2024. وحصل بايدن على أصوات أكثر من ثلثي العاملين بقطاع السيارات في انتخابات 2020.
ويزيد من خطورة تبعات هذا الإضراب حال وقوعه، تركز أغلب العاملين في هذه المصانع في ولايات متأرجحة وحاسمة للفوز في أي انتخابات مستقبلية مثل ميتشيغان وويسكونسن وبنسلفانيا، وهي ولايات فاز بها بايدن بفارق ضئيل من الأصوات.
وقال رئيس نقابة العاملين بقطاع السيارات “يو إيه دبليو” شون فين “أعتقد أن الإضراب يمكن أن يؤكد له أين تقف الطبقة العاملة في هذا البلد. وكما تعلمون، حان الوقت للسياسيين في هذا البلد للاختيار، إما أن تدافع عن طبقة المليارديرات حيث يتخلف الجميع عن الركب، وإما تدافع عن الطبقة العاملة”.
ضربة للاقتصاد الأميركي
خلال السنوات القليلة الماضية، تقلصت الحصة السوقية لشركات صناعة السيارات الثلاث الكبرى، التي تتخذ من مدينة ديترويت بولاية ميتشغان مركزا رئيسا لهم، حيث أنشأت الكثير من الشركات الأجنبية مصانع لها في الجنوب الأميركي، ولا ينتمي عمالها لأي نقابات، مثل هوندا وتويوتا اليابانيتين، وكيا وهيونداي الكوريتين، ومرسيدس وفولكسفاغن وبي إم دبليو الألمانية.
ويقول تقرير لشركة أندرسون للاستشارات الاقتصادية إن من شأن استمرار إضراب مدة 10 أيام ضد شركات صناعة السيارات الثلاث، أن يكلف الاقتصاد الأميركي أكثر من 5 مليارات دولار.
وتشير تقديرات إلى أن مطالب النقابة ستضيف أكثر من 80 مليار دولار إلى تكاليف العمالة لكل من الشركات الثلاث على مدى 4 سنوات.
ولا تملك شركة ستيلانتس من السيارات إلا ما يكفي مبيعاتها لـ74 يوما، مقابل 64 يوما لشركة فورد، في حين أن جنرال موتورز، التي تعطلت بعض مصانعها مؤخرا بسبب نقص قطع الغيار، لديها ما يكفي لـ50 يوما فقط.
سيكون الإضراب ضد شركات صناعة السيارات الثلاث هي المرة الأولى في تاريخ نقابة عمال السياسات الأميركية التي تبدأ فيها النقابة إضرابا متزامنا ضد “الشركات الثلاث الكبار”، وسيكون هذا أكبر إضراب في البلاد منذ 25 عاما.