لا حديث يعلو على حديث الأسعار وارتفاعها في مصر مع بداية العام الجديد بنسب تراوحت ما بين 15% و 35%، وترقب زيادات جديدة تشمل البقية الباقية، وسط حديث عن سعي لخفض جديد لقيمة الجنيه المصري مقابل الدولار.
ومع الأيام الأولى للعام الجديد أقبل مواطنو أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان (105 ملايين) على بعضهم بعضا يتلاومون ويتساءلون في العمل والمنزل والشارع والأسواق: لماذا ترتفع الأسعار؟ ومتى تتوقف؟
وردّ مسؤولون إزاء غضب المواطنين واستهجانهم وتساؤلاتهم بأنها قرارات مؤجلة وأنها ضرورية وأن تأخيرها يضر أكثر مما يفيد، ونأت الحكومة المصرية بنفسها عن مسؤوليتها عن تلك الزيادات وأرجعتها “لضعف الجنيه” وأسباب خارجية.
وتصدّر وَسْم الأسعار الجديدة منصات التواصل في مصر، وذلك عقب سلسلة القرارات بزيادة أسعار في وسائل النقل والاتصالات والكهرباء والبضائع والسلع، وكذلك رسوم بعض الخدمات.
حيث قفزت أسعار تذاكر قطارات أنفاق (مترو) القاهرة بنسب تصل إلى 30%، بينما زادت أسعار باقات الإنترنت والاتصالات كافة ما بين 15% و33%، وارتفعت أسعار الكهرباء بنسب تصل إلى 20% للشرائح الأكثر شعبية، وتضاعفت أسعار رسوم تسجيل السيارات ونقل الملكية بنسب تجاوزت 200%، في حين زادت أسعار مواد البناء والسلع الاستهلاكية والغذائية بنسب لا تقل عن 10%.
المواطنون في حيرة
وأعرب محمد فتحي (35 عاما) وهو موظف في إحدى شركات التمويل المالي في محافظة القاهرة عن تذمره من الارتفاعات المستمرة في الأسعار، وقال للجزيرة نت، “زيادة الأسعار لا تتوقف أبدا، لا أحد يستطيع أن يضع جدولا لمصروفاته، ما كان يكفي لأسبوع أصبح يكفي نصفه ثم ثلثه ثم ربعه، والأجور لا تتغير”.
وتؤكد الحكومة أولوياتها بزيادة الأجور والمعاشات ورفع حد الإعفاء الضريبي، للإسهام في احتواء أكبر قدر ممكن من تبعات الموجة التضخمية غير المسبوقة، تأثرا بتداعيات جائحة كورونا، وما أعقبها من توترات جيوسياسية.
ويبلغ الحد الأدنى للأجور لموظفي الدولة 4 آلاف جنيه (130 دولارا) للدرجة السادسة، و11 ألفا (358 دولارا) للدرجة الممتازة، بينما يبلغ الحد الأدنى لأجور العاملين في القطاع الخاص 3500 جنيه (114 دولار)، بدلا من 3000 جنيه بنسبة زيادة 16%، (الدولار يعادل نحو 31 جنيها في البنوك، و53 جنيها في السوق الموازي).
وتقول صفية جمال وهي إدارية بإحدى الإدارات الصحية في محافظة الجيزة (جنوب القاهرة) إن هذه الزيادات “كانت متوقعة”، مضيفة للجزيرة نت، أن “الجميع يعلم أن هناك ارتفاعات في الأسعار سوف تطبق ولكن متى وكم لا يعلم أحد، ولا بد أن نتكيف مع تلك الزيادات؛ لأنها ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وعلى الشباب أن يعملوا ويساعدوا أسرهم”.
بينما لا يرى سعيد محفوظ صاحب محل مواد غذائية بأحد ضواحي مدينة الجيزة أن “المشكلة في زيادة الأسعار فقط، إنما في توافر البضاعة في الأسواق؛ لأن أي نقص سوف يؤدي إلى انفلات كبير في الأسعار”، ويضيف في حديثه للجزيرة نت، لا أحد بمقدوره وقف الأسعار، والحكومة تقول إنها تحاول تخفيف الأضرار، وأنها تحملت كثيرا.
صندوق النقد في الكواليس
وأرجع رئيس جمعية “مواطنون ضد الغلاء” محمود العسقلاني هذه الزيادات الجديدة إلى مطالب صندوق النقد الدولي، التي كان مخططا لإعلانها بداية العام وكان من الممكن تأجيلها، لكن المفاوض المصري فقد قوته وقدرته على مقاومة مثل تلك الإجراءات في ظل ضغوط كبيرة.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح العسقلاني أنه كان يأمل أن تعطي الحكومة إشارات إيجابية للمواطنين الذين يعانون من الغلاء مع بداية العام الجديد، ولكن ما حدث هو العكس فقد انفرط عقد تحمل الحكومة، مشيرا إلى أن ارتفاع أسعار الخدمات الأساسية سوف يرفع معدلات التضخم وأسعار باقي السلع، ولا يملك المواطنون سوى التعايش والتحمل والصبر.
وعدّ العسقلاني أنه ليس من العدل تحميل الجنيه مسؤولية الغلاء واستمرار الدعم وزيادة أسعار الخدمات؛ بسبب انخفاض قيمته أمام الدولار، وما يحدث هو استغلال الأزمة ومضاربة على الدولار ينبغي لها أن تتوقف حتى تتوقف مظاهر الغلاء.
خطايا حكومية
ووصف رئيس منتدى التنمية والقيمة المضافة والخبير الاقتصادي أحمد خزيم، قرارات الحكومة بأنها “خطوة المضطر، حيث لا تملك أي مصادر سوى الجباية في ظل تراجع مواردها الدولارية من السياحة وتحويلات المصريين بالخارج والتهديدات الجيوسياسية الجديدة، وارتفاع معدلات التضخم العالمية ورفع أسعار الفائدة، كلها عوامل أقوى تحتاج إلى أرضية اقتصادية صلبة”.
مؤكدا في حديثه، للجزيرة نت، أن مثل هذه القرارات كانت متوقعة في ظل اعتماد مشروع الموازنة الصيف الماضي بعجز أكثر من 824 مليار جنيه (27 مليار دولار) بشكل مبدئي، وحتى تحافظ الحكومة على مستوى العجز وعدم تفاقمه وتقليل الضغط على الموازنة التي تذهب إيراداتها لسداد الديون والفوائد، سوف تستمر الحكومة في زيادة أسعار الخدمات والسلع وفرض المزيد من الرسوم.
وفنّد أحمد خزيم مثل تلك القرارات التي لا تمثل أي حل للأزمة، مشيرا إلى أنه ليس إصلاحا اقتصاديا ولا ماليا ولا نقديا، فالسياسة المالية منفتحة على القروض والسياسة النقدية منكمشة في رفع الفوائد، لا توجد دولة سياستها النقدية تسير عكس سياستها المالية، كما أن استمرار طباعة النقود وعدم القدرة على توليد الدولار، وعدم الاستفادة من القطاعات الهيكلية من صناعة وتجارة وزراعة، جزء من أخطاء الحكومة المستمرة منذ 2016.
الحكومة لن تحتمل للأبد
وألقى رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، مسؤولية ارتفاع الأسعار على ارتفاع السعر الرسمي للدولار، وأوضح، خلال مؤتمر صحفي، الأربعاء الماضي، أن الدولة تحملت المزيد من الأعباء للتخفيف عن المواطن منذ بدء الأزمة في فبراير/شباط 2022 عندما اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية.
وزاد حجم الدعم في 5 سلع وخدمات إستراتيجية إلى 342 مليار جنيه، ارتفاعا من 100 مليار جنيه (مثل: الكهرباء والوقود والتموين والبوتاغاز ورغيف الخبز) في 2021، حسب مدبولي، لولا جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية وأزمة التضخم العالمية.
وأكد أن الهدف من زيادة أسعار بعض السلع والخدمات الأساسية جزئيا، “هو التخفيف من حجم الأعباء المالية التي زادت بصورة كبيرة على الدولة”، محذّرا من أنه في حال استمرارها “من الممكن أن تنفجر هذه المشكلات على المدى القصير”.
وخفّضت مصر قيمة الجنيه 3 مرات منذ فبراير/شباط 2022 وبلغ في البنوك 31 جنيها، ونحو 53 جنيها في السوق الموازي، ووصل معدل التضخم إلى نحو 36% وحافظ الدين الخارجي على ارتفاعه القياسي عند نحو 164.5 مليار دولار.