تفاعلت وسائل إعلام تركية وعربية مع إصدار وزارة الخارجية التركية بيانا تعلن فيه فرض قيود على تصدير مختارات من المنتجات التركية إلى إسرائيل، مؤكدة أنها لن تتراجع عن قرارها سوى بإعلان وقف فوري للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وكان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، أعلن الاثنين الماضي، أن بلاده قررت اتخاذ سلسلة تدابير جديدة ضد إسرائيل، بعد رفضها مشاركة تركيا في إيصال المساعدات الإنسانية جوا إلى قطاع غزة.
وشمل القرار حظر تصدير 54 منتجا، منها الحديد والرخام والصلب والإسمنت والألومنيوم والطوب والأسمدة ومعدات ومنتجات البناء ووقود الطائرات وغيرها.
وكانت البيانات الرسمية الصادرة عن هيئة الإحصاء التركية، قد كشفت عن استمرار تصدير هذه المنتجات إلى إسرائيل منذ بداية يناير/كانون الثاني من العام الجاري، وهو ما أثار غضبا واسعا في الشارع التركي حينها، ونفته وزارة التجارة التركية.
وفي رد على القرار التركي، صرح وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، بأن تركيا خرقت الاتفاقيات التجارية بشكل أحادي من خلال قرارها بفرض قيود على صادراتها إلى إسرائيل، وألمح إلى إمكانية رد إسرائيل بتطبيق قيود تجارية على البضائع الواردة من تركيا.
يشير المحلل السياسي المختص بالشأن التركي، طه عودة في حديث للجزيرة نت، إلى أن الرد الإسرائيلي على التحركات التركية مرتبط ارتباطا وثيقا بالتوتر القائم بين البلدين، الذي اشتعل بعد تهديد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بملاحقة قادة حركة حماس الذين يقيمون في الخارج، بما في ذلك في تركيا، وهو ما رفضته تركيا بدورها.
وينوه عودة إلى أن الصراع بين تركيا وإسرائيل لم يقتصر على النطاق السياسي والأمني فحسب، بل تصاعد إلى تفكيك تركيا لعدد من شبكات التجسس الإسرائيلية على أراضيها، مما زاد من حدة التوتر بين البلدين.
وشهدت مدينة إسطنبول مطلع الأسبوع الجاري مظاهرات شعبية واسعة تطالب الحكومة التركية بقطع العلاقات التجارية مع إٍسرائيل، بيد أن وقوع مشادات بين المتظاهرين وعناصر الأمن الموجودة في المكان تسبب في اعتقال 43 شخصا منهم على خلفية إهانة قوات الأمن، ومن ثم إطلاق سراح 38 شخصا بعد التحقق من الهويات، وتم اتخاذ الإجراءات القضائية ضد 5 أشخاص بعد أخذ أقوالهم، كما جرى إيقاف ضابطي شرطة عن العمل، وتعيين مفتش مدني للتحقيق في الأحداث.
ويرى طه عودة أن القرار التركي بتقييد بعض الصادرات إلى إسرائيل يأتي كرد فعل على الانتقادات الموجهة إليها مؤخرا بخصوص زيادة هذه الصادرات خلال الأشهر الأخيرة، رغم البيانات الرسمية مثل تلك الصادرة عن وزير التجارة التركي، عمر بولات، التي تفيد بأن ميزان التبادل التجاري مع دولة الاحتلال قد تقلص بنسبة 50%.
خطوة للاستهلاك الداخلي
وفيما يتعلق بالتأخير في اتخاذ قرار لأكثر من 6 أشهر منذ بدء الحرب، يقول المحلل السياسي إن ثمة خطوات تركية منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول تمثلت في محاولات الوساطة إلى جانب قطر ومصر إلا أنها قوبلت بالرفض.
ويضيف عودة أن الحكومة التركية تدرك أن الولايات المتحدة تلعب دورا محوريا في الحرب الدائرة في قطاع غزة، مما يثير مخاوف من تأثيرات كبيرة على الوضع الاقتصادي والسياسي الداخلي لتركيا، خصوصا بعد أن شهدت البلاد مؤخرا انتخابات محلية حاسمة انتهت بخسارة الحزب الحاكم ( حزب العدالة والتنمية)، وكانت الحرب في غزة من بين العوامل المؤثرة في هذه النتيجة.
وأكمل: “يُفسَّر التصعيد التركي الأخير ضمن سياق الضغوط الداخلية التي واجهتها البلاد، ويبدو أنه يستهدف بشكل كبير الجمهور الداخلي، كرد فعل على الانتقادات الموجهة للحكومة التركية من قبل الداعمين والمعارضين على حد سواء بخصوص موقفها من الحرب في غزة. هذا الأمر كان جليا في نتائج صناديق الاقتراع خلال الانتخابات الأخيرة”.
وأشار عودة إلى الزيارة القادمة المنتظرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الولايات المتحدة في التاسع من من مايو/ أيار المقبل، التي تحمل أهمية كبيرة لتركيا من النواحي الاقتصادية والسياسية والأمنية، وفق قوله.
واستبعد أن تؤدي الخلافات الحالية بين تركيا وإسرائيل إلى القطع الكامل للعلاقات، وقد تستمر على مستوى الخلافات والمناوشات الراهنة، لأن تركيا تدرك تماما أن الولايات المتحدة هي الداعم الأساسي لإسرائيل، ولا ترغب في تقويض علاقاتها مع واشنطن في هذه المرحلة الحرجة، بينما تسعى الحكومة التركية إلى إعادة بناء علاقاتها الاقتصادية.
في السياق، ثمّن مصدر في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) للجزيرة نت، القرار التركي معتبرا أنه قرار يأتي في إطار الدور التركي الفعال، وأكد أن مواقف كهذه تفرض ضغوطا هائلة على حكومة الاحتلال، مما يجعلها تدرك مدى العزلة التي وقعت فيها نتيجة استمرارها في ارتكاب انتهاكات ضد الشعب الفلسطيني في القطاع.
الصادرات إلى إسرائيل
رغم أن البيانات الرسمية كشفت استمرار صادرات المنتجات التركية كالذخائر والبارود وقطع الأسلحة إلى إسرائيل منذ بداية العام الجاري، فإنها أظهرت انخفاضا كبيرا في حجم تلك الصادرات.
فعلى سبيل المثال، بلغت قيمة صادرات تركيا إلى إسرائيل من البارود والمواد المتفجرة مليونا و940 ألفا و36 ليرة تركية (60 ألف دولار) خلال أول شهرين من العام الحالي، في حين بلغت 13 مليونا و695 ألفا و460 ليرة تركية (427 ألف دولار) خلال الفترة نفسها من العام الماضي.
وانخفضت التجارة بين أنقرة وتل أبيب بنسبة تزيد على 50%، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين وحتى الرابع من ديسمبر/ كانون الأول العام الماضي، بحسب تصريحات وزير التجارة التركي.
وبحسب بيانات معهد الإحصاء التركي، شهد أكتوبر/ تشرين الأول 2023 ارتفاعا في الصادرات التركية إلى إسرائيل بنسبة 29% مقارنة بالفترة نفسها من العام 2022، في حين شهدت الواردات انخفاضا ملحوظا بنسبة 59%.
لكن التبادل التجاري بين البلدين انخفض في الفترة بين السابع من أكتوبر/تشرين الأول و31 ديسمبر/كانون الأول 2023 إلى حوالي 1.3 مليار دولار، بتراجع بنسبة 45% مقارنة مع العام 2022، متأثرا بحملات مقاطعة شعبية متبادلة.
وأعلنت جمعية المصدرين الأتراك عن تسجيل زيادة ملحوظة في حجم الصادرات إلى إسرائيل خلال فبراير/شباط الماضي، إذ كشفت الإحصائيات الأخيرة نموًا بنسبة 26% مقارنة بشهر يناير/كانون الثاني، إذ ارتفعت من 318 مليونا إلى 400 مليون دولار.
كما شكّلت الصادرات التركية إلى إسرائيل ما نسبته 2.1% من مجموع صادرات تركيا في العام 2023، لتحتل إسرائيل المركز الـ13 في قائمة الدول الأكثر استيرادا للمنتجات التركية خلال العام الماضي.