شمال سوريا- أدت الظروف السياسية والعسكرية في مناطق سيطرة المعارضة السورية شمال غربي البلاد إلى غياب نظام مصرفي واضح المعالم، لتقتصر التعاملات المالية على شركات ومكاتب الصرافة وتحويل الأموال، فضلا عن الخدمات التي تقدمها مكاتب مؤسسة البريد والشحن التركية.
وتمثل حالة انقسام السيطرة على البلاد بين القوى المتصارعة، واستمرار الأعمال العسكرية وإن كانت بوتيرة أخف عما كانت عليه، أبرز عوامل غياب نظام مصرفي وإنشاء مصارف حكومية أو خاصة تضطلع بمهام اقتصادية متعلقة بالسياسة النقدية ونظام القروض والإيداع وسعر الصرف.
على الجانب السياسي، يشكل عدم الاعتراف القانوني بمؤسسات الحكومة السورية المؤقتة -التي تسيطر على أجزاء من شمال سوريا– عقبة رئيسية في وجه إحداث المصارف وحركة الاستثمار في مناطق سيطرة المعارضة، رغم ما تحظى به من دعم دولي وإقليمي.
“ورغم الاعتراف السياسي بالحكومة السورية المؤقتة بوصفها ممثلا شرعيا للشعب السوري، فإن إحداث أي مصرف في شمال غربي سوريا يحتاج إلى اعتراف قانوني بمؤسساتها”، وفق وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة عبد الحكيم المصري.
وقال المصري -في حديث للجزيرة نت- إن الجانب التركي غير قادر أيضا على افتتاح أي بنك أو فرع لبنوك تركية في شمال غربي سوريا، لأن القانون الدولي يمنعها من ذلك، كون الأمر يحتاج إلى ربط البنك المحدث بنظام سويفت، وبالتالي الحصول على موافقة النظام السوري.
بدوره، أكد المستشار الاقتصادي أسامة قاضي أنه من المستحيل بناء أي منظومة بنكية من دون وجود حكومة رشيدة وبنك مركزي ناظم لها، فضلا عن تشريع قانون مصرفي حقيقي قابل للتنفيذ، وأن تكون للحكومة سلطة تنفيذية للقوانين.
وأوضح قاضي -في حديث للجزيرة نت- أن الحكومة السورية المؤقتة لم تعتمد قضاء مستقلا واضحا ومحددا، وليست لديها موازنات أو مصرف مركزي، فضلا عن تنظيم عمل المصارف ووجود حالة من الاستقرار والهدوء والأمن.
خدمات محدودة
وعلى وقع انهيار الليرة السورية، اعتمدت مناطق سيطرة المعارضة السورية منتصف 2020 قرارا بتداول الليرة التركية لتكون بديلا عنها، بهدف تحقيق استقرار الاقتصادي، مدفوعة بالعلاقات الاقتصادية والسياسية مع تركيا ودعم الأخيرة لمناطق سيطرة المعارضة.
واعتماد الليرة التركية في شمالي سوريا دفع أنقرة لإحداث فروع لمؤسسة البريد والشحن التركية، تنتشر في ريفي حلب والحسكة، وتقدم عدة خدمات مالية للسكان بنطاق محدود.
ومن أهم الخدمات المالية التي تعمل عليها تلك الفروع تسليم الأجور الشهرية للموظفين التابعين للحكومة السورية المؤقتة، وإمكانية فتح حسابات شخصية بنكية تتيح للعميل إيداع أمواله فيها أو سحب المبالغ المودعة، إضافة لتحويل مبالغ مالية بسقف محدد من تركيا وإليها، وإرسال الطرود البريدية.
ويرى وزير الاقتصاد بالحكومة السورية المؤقتة أن ما تقدمه مراكز البريد التركية المنتشرة في شمال غربي سوريا هي خدمات بالحد الأدنى وبشكل بسيط ولا يمكن عدها بنوكا أو أن تكون بديلا عنها.
ومِثل المصري، يرى المحلل الاقتصادي السوري يونس الكريم أن مراكز البريد التركية تقدم خدمة نقل أموال مضمونة من الجانب التركي وإليه، من دون خدمات مصرفية معروفة مثل القروض والسحب والإيداع بحرية.
وأشار الكريم -في حديث للجزيرة نت- إلى مخاوف أممية من أن إنشاء البنوك في شمال غربي سوريا هو تحول إلى الانفصال في سوريا، موضحا أن جميع الأطراف الدولية تنأى بنفسها عن تشجيع ذلك الإجراء، رغم أهميته الكبيرة.
توحيد شركات الصرافة
ويعتمد معظم سكان مناطق سيطرة المعارضة في الشمال السوري على مكاتب وشركات الصرافة الصغيرة والمتوسطة، إذ توفر هذه المكاتب خدمات إرسال وتسليم الحوالات المالية سواء في سوريا أو دول العالم، إضافة إلى تصريف العملة وإتمام المعاملات التجارية.
وبالمجمل، تضطلع كل من الحكومة السورية المؤقتة في ريف حلب، وحكومة الإنقاذ في منطقة إدلب بمسؤولية إصدار التراخيص لمكاتب وشركات الصرافة وتحويل العملة العاملة في الشمال السوري، وسط اتهامات بغياب الرقابة المتشددة.
ويؤكد الوزير عبد الحكيم المصري أن شركات الصرافة بشكل عام فعالة وتعمل بشكل كبير، رغم ما يرافق عملها من خطورة، لأنها لا تمتلك بيانات عن التحويلات لجهات قد تكون إرهابية، لذلك يمكن في أي لحظة التحويل لجهة متهمة بالإرهاب، من دون علم شركات الصرافة.
ويرى المحلل الاقتصادي يونس الكريم، أن الحلول تكمن في:
- إيجاد جهة قانونية تضع تشريعات مبدئية.
- تشجيع تركيا على إقامة فروع بنوك لها.
- توحيد شركات الصرافة وتقويتها في شمال غربي سوريا، بحيث تستطيع المكاتب جذب البنوك.