القدس المحتلة- بسبب المخاطر الأمنية مع بدء معركة “طوفان الأقصى” وعدوان قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، دفعت وزارة الطاقة الإسرائيلية بإيقاف توريد الغاز من حقل تمار (20 كلم من شواطئ عسقلان)، وهو ما من شأنه أن يكبد قطاع الطاقة والغاز مئات ملايين الدولارات أسبوعيا، حسب تقديرات وسائل الإعلام الإسرائيلية.
وتدير شركة “شيفرون للنفط” الأميركية حقل تمار، وذكرت وزارة الطاقة الإسرائيلية الثلاثاء الماضي أن شيفرون أوقفت تصدير الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب غاز شرق المتوسط (إي إم جي) البحري بين إسرائيل ومصر، بينما تقوم بتصدير الغاز عن طريق خط أنابيب بديل عبر الأردن.
وفرضت إسرائيل إجراءات أمنية مشددة حول حقول الغاز قبالة سواحلها بعد توقف تدفق الغاز من حقل تمار، في ظل احتمال تعرضه لهجوم بالصواريخ من قطاع غزة. وكان الحقل ذاته تعرض في جولات قتالية سابقة إلى عمليات استهداف عطلته لعدة أيام، آخرها خلال معركة “سيف القدس” مايو/أيار 2021.
وفجر السبت السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أطلقت المقاومة الفلسطينية بقيادة كتائب القسام عملية “طوفان الأقصى” ردا على اعتداءات القوات والمستوطنين الإسرائيليين المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني وممتلكاته ومقدساته، في حين أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلية عملية “السيوف الحديدية” وتواصل شن غارات مكثفة على قطاع غزة المحاصر منذ عام 2006، مما أدى لاستشهاد أكثر من 2300 وجرح أكثر من 9 آلاف فلسطيني.
خسائر وتجميد صفقات
وفي محاولة لمنع خسائر فادحة في قطاع الغاز والطاقة، منحت الحكومة الإسرائيلية لوزير الطاقة يسرائيل كاتس، في الأسبوع الأول للحرب، صلاحيات بإعلان حالة الطوارئ في سوق الغاز الطبيعي خلال الأسبوعين المقبلين.
من شأن هذا الإعلان أن يسمح بتوريد الغاز الذي لا يتوافق مع العقود الموقعة مع شركات إسرائيلية ومصر، في حال وجود مشكلة في إمداد الغاز من أحد الحقول قبالة السواحل الإسرائيلية، وذلك لتمكين تشغيل جميع محطات توليد الكهرباء في إسرائيل.
وبمعزل عن حالة الطوارئ لتفادي الخسائر في قطاع الطاقة الإسرائيلي، قال محرر شؤون الطاقة والغاز في صحيفة “دمار كر” ميخائيل روخفرجر إن الحرب على غزة تثير التساؤلات حول مصير عديد من الصفقات الضخمة في قطاع الطاقة والغاز الإسرائيلي التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، والتي يشارك فيها عدد غير قليل من المستثمرين الأجانب.
وأوضح روخفرجر أن الصفقة الأولى التي ليس واضحا في أي شروط ستخرج إلى حيز التنفيذ، ستكون في سوق الغاز والنفط الإسرائيلي، مشيرا إلى أن هذه الصفقة تتضمن عرض شركة بترول أبو ظبي الوطنية “أدنوك”، وشركة الطاقة العالمية “بريتيش بتروليوم” لشراء 50% من أسهم الوحدات المشاركة في شركة “نيو ميد إنرجي” الإسرائيلية، بسعر 3 دولارات لكل وحدة مشاركة، بإجمالي حوالي 1.8 مليار دولار.
خفض صادرات الغاز الإسرائيلي
في السياق ذاته، ومع دخول العدوان على غزة الأسبوع الثاني، يواجه قطاع الطاقة والمياه الإسرائيلي تحديات بشأن التعامل مع انتظام تزويد الغاز والمياه إلى السوق الإسرائيلي أولا.
كما أن إعلان حالة الطوارئ في سوق الغاز يعني -حسب شيني أشكنازي مراسلة صحيفة “كلكليست” لشؤون الطاقة- خفض صادرات الغاز الإسرائيلي بقدر الضرورة إلى مصر والأردن.
وأوضحت أشكنازي أنه في حال وجود نقص في الغاز بالسوق الإسرائيلي، ستكون الحكومة قادرة على فسخ العقود الموقعة مع شركات الغاز، وتخصيص كميات الغاز للسوق بطريقة مختلفة وغير عادية، بما في ذلك خفض الصادرات بقدر الضرورة.
وانخفضت احتياجات الاقتصاد الإسرائيلي المحلي من الطاقة والغاز بشكل كبير بسبب انخفاض النشاط الاقتصادي في ظل الحرب، ولم تكن هناك حاجة لاستخدام المازوت بدلا من الغاز، حسب أشكنازي، التي أفادت أنه مع إيقاف استخراج الغاز من حقل تمار، تمت الاستعانة بحقلي الغاز لفيتان وكاريش تانين، اللذين يزودان الاقتصاد المحلي بالغاز.
نقص بتوريد الغاز من حقلي لفيتان ووكاري شتانين
وفي شأن متّصل، تستعد وزارة الطاقة الإسرائيلية أيضا إلى تشغيل محطات توليد الكهرباء بأنواع الوقود البديلة والأكثر تلويثا، مثل الفحم وزيت الوقود والديزل، من أجل الحفاظ على استمرارية الطاقة عند الضرورة، في حال كان هناك نقص بالغاز ومشاكل في التوريد من حقلي لفيتان ووكاري شتانين، حسب ما أوردت صحيفة “كلكليست”.
وبخصوص احتمالات الخسائر التي قد يتكبدها قطاع الطاقة الإسرائيلي مستقبلا، قدرت صحيفة “دمار كر” (التي تعنى بالاقتصاد) أن الحرب على جبهة غزة تُعرّض استثمارات الغاز الطبيعي في إسرائيل للخطر.
وتوقعت الصحيفة أن توجه الحرب ضربة قوية لطموحات إسرائيل في أن تصبح مركزا لتصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا وأماكن أخرى.
تلك الطموحات التي تعززت عندما اشترت شركة الطاقة الأميركية شيفرون حصصا في احتياطي الغاز الطبيعي في حقلي تمار وولفيتان، وعندما اشترت شركة “نوبل إنرجي” عام 2020 مقابل 4 مليارات دولار.
حقول الغاز تمد إسرائيل بـ70% من الطاقة
وتغطي حقول الغاز الطبيعي قبالة السواحل الإسرائيلية نحو 70% من إنتاج الكهرباء واحتياجات الطاقة في البلاد، حسب صحيفة “إسرائيل اليوم”.
وذكرت الصحيفة ذاتها أن الحكومة الإسرائيلية صادقت أغسطس/آب 2023 على قرار يسمح بتوسيع إنتاج الغاز من حقل تمار بنسبة 60%، ابتداء من عام 2026، وذلك لضمان إمدادات الغاز للاقتصاد الإسرائيلي بانتظام حتى عام 2048، وإضافة صادرات الغاز إلى مصر عبر حقل تمار.
هذه الخطوة اعتبرتها وزارة الطاقة الإسرائيلية “مهمة ومن شأنها زيادة إيرادات الدولة وتعزيز الاقتصاد الإسرائيلي، وتعزيز العلاقات السياسية بين إسرائيل ومصر”.
وذكرت مراسلة صحيفة “إسرائيل اليوم” للشؤون الاقتصادية سونيا غوروديسكي أن نحو ثلث الزيادة في الطاقة الإنتاجية المقررة من حقل تمار، ستكون مخصصة للسوق المحلية، ومن المتوقع أن توفر ما بين 15-25% من الاستهلاك الحالي للغاز الطبيعي في إسرائيل، وفي حالات الطوارئ، سيكون من الممكن تحويل كل الإنتاج الإضافي لاستخدام الاقتصاد المحلي.
وأضافت غوروديسكي أن التصدير يتيح توسيع الإنتاج، ويدر إيرادات بمليارات الدولارات، كما “يعزز علاقات الطاقة مع مصر ودول المنطقة، مما يعزز مكانة إسرائيل السياسية والجيوسياسية”.
إبطاء وتيرة الاستثمارات في حقول الغاز
وتعمل شركة شيفرون للنفط، حسب تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، على خطة لتوسيع الإنتاج في حقلي لفيتان وتمار، وإضافة خطوط أنابيب من شأنها زيادة تدفق الغاز من إسرائيل إلى مصر، التي تصدر الغاز الإسرائيلي بشكل غير مباشر على شكل غاز طبيعي سائل، ومن شأن الحرب أن تعطل هذه المشاريع في تطوير البنى التحتية لخطوط الغاز بإسرائيل.
وأفادت مراسلة الصحيفة للشؤون الطاقة ستنلي ريد بأن شركة شيفرون تدرس أيضا إقامة منشأة عائمة لمعالجة الغاز الطبيعي المسال في المياه الإسرائيلية، وهو مشروع قد تصل تكلفته إلى مليارات الدولارات.
وأضافت الصحفية ريد أن “هناك خوفا من أن تؤدي الحرب إلى إبطاء وتيرة الاستثمارات في حقول الغاز في المنطقة، بالإضافة إلى أنها قد تضر أيضا بجهود إسرائيل لجذب مزيد من شركات الطاقة العالمية للتنقيب عن الغاز”.