كشفت البيانات الأخيرة الصادرة عن مكتب إحصاءات العمل الأميركي عن ارتفاع مثير للقلق في أسعار المواد الغذائية، مما أدى إلى تفاقم الضغوط التضخمية في جميع أنحاء الولايات المتحدة. يتعمق أحد كبار المساهمين في فوربس (مايك باتون)، في تقاطع الاقتصاد والسياسة والتمويل الشخصي، ويلقي الضوء على الآثار المترتبة على هذا الارتفاع التضخمي.
التضخم، الذي يعرف في أحد تعريفاته بكونه التفاوت بين العرض والطلب على السلع والخدمات، وصل إلى أعلى مستوياته منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي. بشكل عام تستحوذ أسعار المواد الغذائية على ما يصل إلى 13.5% من إجمالي مؤشرات التضخم العالمية. وتؤكد هذه المساهمة الكبيرة تأثيرها الكبير على القوة الشرائية للمستهلكين، مما يؤثر بشكل دائم على قدرتهم على شراء السلع والخدمات.
ويؤكد باتون على الآثار السلبية الناجمة عن ارتفاع تكاليف الغذاء، وخاصة على الأفراد ذوي الدخل المنخفض والمتقاعدين الذين يعيشون على ميزانيات ثابتة.
نظرة عامة على التضخم واتجاهاته
ويتتبع التضخم، الذي يتم قياسه بمؤشر أسعار المستهلك (CPI)، التغيرات في أسعار سلة من السلع والخدمات. ويغطي مؤشر أسعار المستهلك قطاعات مختلفة، بما في ذلك الإسكان والنقل والرعاية الصحية، وعلى وجه الخصوص، الأغذية والمشروبات. وغالبا ما يدفع الارتفاع المستمر في الأسعار المستهلكين إلى البحث عن بدائل أرخص، مما يؤدي إلى التحول نحو المنتجات العامة.
وبتحليل الاتجاهات التاريخية، سجل مؤشر أسعار المستهلك زيادة سنوية في المتوسط بنسبة 3.54% منذ عام 1950، وهو ما يتوازى بشكل وثيق مع تضخم أسعار الغذاء بنسبة 3.36%. وعلى نحو مماثل، فمنذ عام 1980 إلى الوقت الحاضر، بلغ متوسط مؤشر أسعار المستهلك 3.34%، وهو ما يتجاوز قليلا تضخم الغذاء الذي بلغ 3.05%. وعلى الرغم من التفاوتات الطفيفة، فإن تضخم أسعار الغذاء يتخلف باستمرار عن معدلات التضخم الإجمالية على مدى فترات طويلة.
ديناميكيات التضخم الغذائي
وبالنظر إلى ديناميكيات تضخم أسعار الغذاء يمكن التعرف على أنماط مثيرة للاهتمام، إذ لم يكن التعرف على هذه الأنماط سهلا باستخدام المؤشرات التقليدية. ويكشف التتبع الذي قام به مايك باتون للفترة الممتدة من عام 1980 إلى عام 2023 مد وجزر تقلبات الأسعار في كل من مستويات أسعار المستهلك الإجمالية والمؤشرات الخاصة بالأغذية.
وفي حين أن هذه المقاييس تتحرك في كثير من الأحيان جنبا إلى جنب، فإن التفاوتات الدقيقة تظهر خلال فترات تاريخية محددة. ومن الجدير بالذكر أنه خلال الانكماش الاقتصادي في أوائل الثمانينيات، عندما بدأ مؤشر أسعار المستهلك الأوسع في الانخفاض، أظهر تضخم الغذاء مرونة، محافظا على مسار أبطأ نسبيا.
ومن خلال التركيز على تفاصيل السلع الغذائية الفردية، يكشف تحليل باتون عن ارتفاع ثابت ولكنه تدريجي في الأسعار على مر العقود. لنأخذ على سبيل المثال جالون الحليب التقليدي الذي لا تستغني عنه معظم الأسر، الذي ارتفعت تكلفته من 0.83 دولار في عام 1950 إلى 3.96 دولار بحلول عام 2023. وتترجم هذه الزيادات الإضافية إلى متوسط زيادة سنوية قدرها 2.16% على مدى 7 عقود.
وعلى نحو مماثل، منذ عام 1980 فصاعدا، ارتفعت أسعار الألبان بنسبة 2.82% سنويا، مما يعكس اتجاهات أوسع نطاقا في التضخم الغذائي.
ومن بين مجموعة المواد الاستهلاكية التي تم فحصها، ظهرت اختلافات ملحوظة في زيادات الأسعار، حيث أظهر الموز تصاعدات معتدلة نسبيا، جنبا إلى جنب مع زيادات أكثر وضوحا في أسعار اللحوم والخبز الأبيض. وعلى الرغم من اختلاف هذه الاتجاهات، فإنها تؤكد مجتمعة على الطبيعة المتعددة الأوجه لديناميكيات تضخم أسعار الغذاء وآثارها البعيدة المدى على رفاهية المستهلك والاستقرار الاقتصادي.
التضخم وألغاز السياسة
وبالنظر إلى المستقبل، يثير باتون أسئلة ذات صلة فيما يتعلق بهدف التضخم الذي حدده البنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي بنسبة 2.0%. فإن الجهود التي يبذلها لكبح جماح التضخم من خلال رفع أسعار الفائدة تواجه قوى مضادة ناجمة عن السياسات المالية التوسعية التي تنتهجها الحكومة الفدرالية، وخاصة في عام الانتخابات الذي يتسم بالإفراط في الإنفاق للتأثير على الناخبين.
ويشكل الخلاف بين السياسات النقدية والمالية تحديا هائلا لبنك الاحتياطي الفدرالي في تحقيق أهداف التضخم. ومع وجود أجندات متباينة، فإن مهمة الحد من التضخم تبدو شاقة، إن لم تكن مستحيلة، في المشهد السياسي والاقتصادي الحالي.
وبينما يعاني المستهلكون من ارتفاع أسعار المواد الغذائية وسط ضغوط تضخمية أوسع نطاقا، يظل الطريق إلى الأمام محفوفا بالشكوك، مما يستلزم إيجاد توازن دقيق بين ضبط النفس النقدي والتحفيز المالي لحماية الاستقرار الاقتصادي.