فورين بوليسي: أميركا لا تستطيع أن توقف صعود الصين

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

لا شك في أن الولايات المتحدة تسعى لإبطاء النهضة الاقتصادية للصين، وخاصة في مجال التطور التكنولوجي، رغم نفي إدارة الرئيس جو بايدن الأمر، وذلك وفقا لمقال نشرته مجلة فورين بوليسي الأميركية.

ففي أبريل/نيسان الماضي، قالت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين “لا ينبغي للنمو الاقتصادي في الصين أن يتعارض مع التفوق الاقتصادي الأميركي. وإن اقتصادنا لا يزال الأكثر ديناميكية وازدهارا في العالم”، مضيفة ليس لدينا أي سبب للخوف من المنافسة الاقتصادية مع أي دولة.

وفي الشهر ذاته، قال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان “ستظل ضوابط التصدير لدينا تركز بشكل ضيق على التكنولوجيا التي يمكن أن تؤدي إلى اختلال التوازن العسكري. نحن ببساطة علينا التأكد من عدم استخدام الصين التكنولوجيا ضدنا وضد حلفائنا”.

ومع ذلك، أظهرت أفعال إدارة الرئيس بايدن أن رؤيتها تمتد إلى ما هو أبعد، فلم تتراجع عن التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2018 على الصين، على الرغم من انتقادات بايدن لها عندما كان مرشحا للرئاسة. وبدلا من ذلك، حاولت إدارة بايدن زيادة الضغط على الصين من خلال حظر تصدير الرقائق، ومعدات أشباه الموصلات، وبعض البرمجيات المنتقاة. كما أقنعت حلفاءها، مثل هولندا واليابان، بأن يحذوا حذوها، وفق المجلة ذاتها.

حظر الاستثمارات

تقول المجلة إنه في الآونة الأخيرة، تحديدا في 9 أغسطس/آب الماضي، أصدرت إدارة بايدن أمرا تنفيذيا يحظر الاستثمارات الأميركية في الصين التي تدخل فيها تقنيات ومنتجات حساسة في أشباه الموصلات والإلكترونيات الدقيقة، وتكنولوجيا المعلومات الكمية، وقطاعات الذكاء الاصطناعي التي تشكل تهديدا جديا للأمن القومي لأنها قد تمنح الصين تقدما كبيرا في القدرات العسكرية أو الاستخباراتية أو المراقبة أو القدرات السيبرانية.

كل هذه التصرفات -حسب فورين بولسي- تؤكد أن الحكومة الأميركية تسعى لوقف نمو الصين. ومع ذلك، فإن السؤال الكبير هو ما إذا كانت أميركا قادرة على النجاح في هذه الحملة؟ والإجابة على الأرجح هي لا.

وترى المجلة أن الأوان لم يفت بعد بالنسبة للولايات المتحدة لإعادة توجيه سياستها تجاه الصين نحو نهج من شأنه أن يخدم الأميركيين وبقية العالم بشكل أفضل، معتبرة أن قرار أميركا بإبطاء التطور التكنولوجي في الصين أحمق، وشبهته بمقولة: “إغلاق باب الحظيرة بعد فرار الحصان”. لقد أظهرت الصين الحديثة مرات عديدة أن التطور التكنولوجي في الصين لا يمكن وقفه.

محاولات عبر التاريخ

ومنذ إنشاء جمهورية الصين الشعبية عام 1949، بُذلت العديد من الجهود للحد من قدرة الصين على الوصول إلى العديد من التقنيات الحيوية أو إيقاف تطورها، بما في ذلك الأسلحة النووية والفضاء والاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية ونظام تحديد المواقع العالمي (GPS) وأشباه الموصلات وأجهزة الحاسوب العملاقة والذكاء الاصطناعي.

وحاولت الولايات المتحدة أيضًا الحد من هيمنة الصين على السوق في مجال شبكات الجيل الخامس، والطائرات دون طيار، والمركبات الكهربائية، تضيف المجلة.

ومع ذلك فشلت الجهود في الحد من صعود الصين التكنولوجي، وتسببت في إلحاق ضرر بليغ بالشراكات الجيوسياسية الأميركية طويلة الأمد.

وضربت المجلة مثلا على فشل السياسة الأميركية، بمحاولة إدارة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون عام 1993، تقييد وصول الصين إلى تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية إلا أن الأخيرة تمتلك حاليا نحو 540 قمرا اصطناعيا في الفضاء.

تم تطبيق المبدأ ذاته مع نظام تحديد المواقع العالمي “جي بي إس” (GPS) عندما قيدت أميركا قدرة الصين على الوصول لنظام البيانات الجغرافية المكانية في عام 1999، فقامت الصين ببناء نظامها الموازي بيدو (BeiDou) العالمي للملاحة عبر الأقمار الاصطناعية “جي إن إس إس” (GNSS)، في واحدة من الموجات الأولى الرئيسية للانفصال التكنولوجي.

وفي بعض المقاييس، يعتبر نظام بيدو اليوم أفضل من نظام “جي بي إس” حيث يضم 45 قمرا اصطناعيا مقابل 31 لـ”جي بي إس”، وبالتالي فهو قادر على توفير المزيد من الإشارات في معظم العواصم العالمية، كما أنه مدعوم بـ120 محطة أرضية، مما يؤدي إلى دقة كبرى، ويحتوي على ميزات إشارة أكثر تقدما، تنقل المجلة.

ردة الفعل الصينية

وذكرت المجلة أن إدارة بايدن نفذت العديد من الإجراءات ضد الصين دون الأخذ في الاعتبار قدرة الأخيرة على الانتقام. فبكين تدرك تماما أهمية المعادن النادرة -التي تكاد الصين تحتكرها- في الابتكار الأميركي وتستخدمها الآن للتأثير، فكان الحظر الذي فرضته الصين في يوليو/تموز الماضي على صادرات الغاليوم والغرمانيوم مجرد طلقة أولى لتذكير أميركا وحلفائها بهيمنة الصين على مجال المعادن النادرة.

واعتبرت المجلة أن عدم أخذ قدرات الصين الانتقامية في الاعتبار يشير إلى أنه ليس لواشنطن نهج مدروس وشامل للتعامل مع بكين.

ولفتت إلى أن الإجراءات الأميركية لحرمان الصين من الوصول إلى الرقائق الأكثر تقدما يمكن أن تلحق الضرر بالشركات الأميركية الكبيرة لصناعة الرقائق أكثر مما تضر الصين، فالأخيرة تعتبر أكبر مستهلك لأشباه الموصلات في العالم.

وأشارت المجلة إلى أن الصين استوردت ما قيمته 70.5 مليار دولار من أشباه الموصلات من الشركات الأميركية في عام 2019، وهو ما يمثل حوالي 37% من المبيعات العالمية لهذه الشركات.

وتستمد بعض الشركات الأميركية، مثل كورفو، وتكساس إنسترومنتس، وبرودكوم، نحو نصف إيراداتها من الصين، حيث إن 60% من إيرادات كوالكوم، وربع إيرادات إنتل، وخُمس مبيعات إنفيديا تأتي من السوق الصينية

وليس من المستغرب -تقول المجلة- أن يذهب الرؤساء التنفيذيون لهذه الشركات الثلاث مؤخرا إلى واشنطن للتحذير من أن الصناعة الأميركية قد تتضرر بسبب ضوابط التصدير، كما ستتضرر الشركات الأميركية أيضا من الإجراءات الانتقامية من جانب الصين، مثل الحظر الذي فرضته بكين في شهر مايو/أيار الماضي على رقائق شركة ميكرون تكنولوجي ومقرها الولايات المتحدة، وتمثل الصين أكثر من 25% من مبيعات هذه الشركة.

أميركا تخسر

وتقدر غرفة التجارة الأميركية أن حظر الولايات المتحدة مبيعات أشباه الموصلات إلى الصين سيكبد الشركات الأميركية خسائر بـ83 مليار دولار من الإيرادات السنوية وسيتعين عليها إلغاء 124 ألف وظيفة، وخفض ميزانياتها السنوية للبحث والتطوير بما لا يقل عن 12 مليار دولار، وإنفاقها الرأسمالي بنحو 13 مليار دولار. وهذا من شأنه أن يزيد من صعوبة قدرتها على المنافسة على المستوى العالمي على المدى الطويل، تلفت مجلة فورين بوليسي.

وتدرك شركات أشباه الموصلات الأميركية -تقول المجلة- أن الإجراءات الأميركية ضد الصين في مجال الرقائق ستضر بمصالحها أكثر من المصالح الصينية، فقد أصدرت جمعية صناعة أشباه الموصلات الأميركية بيانا في يوليو/تموز الماضي، قالت فيه إن الخطوات المتكررة التي اتخذتها واشنطن “لفرض قيود واسعة النطاق وغامضة وأحادية الجانب في بعض الأحيان تهدد بتقليل القدرة التنافسية لصناعة أشباه الموصلات الأميركية، وتعطيل سلاسل التوريد، والتسبب في حالة من عدم اليقين الكبير في السوق، وتحفز الصين لتصعيد إجراءاتها الانتقامية”.

وتقول المجلة إنه من غير الممكن أن يدعم قانون الرقائق صناعة أشباه الموصلات الأميركية إلى أجل غير مسمى، في وقت لا توجد قاعدة طلب عالمية أخرى تحل محل الصين.

وتضيف أن الدول الأخرى المنتجة للرقائق ستخالف حتما وتبيع للصين كما فعلت سابقا)، وستكون الإجراءات الأميركية بلا جدوى.

وترى المجلة أنه من خلال حظر تصدير الرقائق والمدخلات الأساسية الأخرى إلى الصين، سلمت أميركا بكين خطتها الحربية قبل سنوات من المعركة، وقالت إنه يتم دفع الصين نحو بناء الاكتفاء الذاتي في وقت أبكر بكثير مما كانت ستحققه لولا ذلك.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *