تكشف التقارير الصادرة عن شركة النفط الوطنية النيجيرية عن ارتفاع ملحوظ في حوادث سرقة الخام، خاصة في منطقة دلتا النيجر. وكان للزيادة في سرقة النفط بعد رفع دعم الوقود تأثير مدمر على اقتصاد نيجيريا.
وترسم سرقة ما يقرب من 619.7 مليون برميل من النفط الخام بين عامي 2009 و2020، وبقيمة 16.25 تريليون نيجيري (حوالي 19.24 مليار دولار)، صورة قاتمة عن ظاهرة سرقة النفط والتوقعات بشأن تناميها.
وخلال الفترة من 23 إلى 29 سبتمبر/أيلول الماضي، سجلت شركة النفط الوطنية النيجيرية -وفقا لتقرير بموقع بتروليوم إيكونوميست- نحو 170 حادثة موثقة لسرقة النفط الخام: 13 حالة في المياه العميقة، و45 حالة في المنطقة الغربية للبلاد، و62 حالة في المنطقة الوسطى، و50 حالة كبيرة في المنطقة الغربية من دلتا النيجر، الأمر الذي يضع البلاد في تداعيات قاتمة إزاء استمرارها.
تأثيرات متعددة
وتمتد تداعيات سرقة النفط إلى ما هو أبعد من الخسارة المالية المباشرة، لتشمل خلق بيئة اقتصادية معادية، مما يعوق قدرة الحكومة الفدرالية على الوفاء بالتزاماتها المالية، خاصة فيما يتعلق بتمويل الديون، وتنفيذ المشاريع الرأسمالية الكبرى، واستدامة دعم الوقود.
وقد أدى ذلك كله إلى توقف العمليات التشغيلية، وانخفاض معدلات الإنتاج، وتراجع كبير في الاستثمارات بقطاع النفط والغاز.
وعام 2022، أشار الرئيس التنفيذي للجنة تنظيم النفط النيجيرية غبنغا كمولاف -في إحاطة فنية أوردتها صحيفة فايننشال تايمز- إلى أن سرقة النفط أدت إلى إعلان حالة القوة القاهرة في محطة بوني للنفط والغاز وإغلاق آبار مختلفة من الحقول التي تتصل بخط “نيمبي كريك ترانك لاين” الذي يمر عبر النيجر.
ويشير أيوديلي أوني، شريك بلومفيلد للمحاماة والمستشار القانوني لشركة النفط الوطنية النيجيرية، إلى أن سرقة النفط الخام لا تزال تسبب أضرارا اقتصادية في نيجيريا، مما يجعل من الصعب على الحكومة الفدرالية الوفاء بالتزاماتها المالية، خاصة في مجالات تمويل الديون ودعم الوقود، وتنفيذ المشاريع الرأسمالية الكبرى.
ويقول أيوديلي إن حجم الخسائر المسجلة نتيجة سرقة النفط الخام أحدث بيئة معادية وثبط عزيمة المستثمرين في مجال المنبع، ويضيف أن ذلك يؤدي إلى توقف العمليات وانخفاض معدلات الإنتاج وكذلك انخفاض الاستثمار.
تحديات مماثلة في خليج غينيا
قضية سرقة النفط لا تقتصر على نيجيريا، بل تمتد إلى دول إقليمية عديدة، إذ تواجه بلدان أخرى في خليج غينيا، مثل أنغولا وغينيا وليبيريا وساحل العاج وتوغو، تحديات مماثلة.
ويشهد خليج غينيا ارتفاعا ملحوظا في القرصنة، حيث سجّلت المنطقة نحو 76 هجوما فعليا أو محاولة هجوم خلال العام الماضي، وفقا للمكتب البحري الدولي.
وتشمل هذه الهجمات أنواعًا مختلفة من السفن، مثل ناقلات النفط وسفن الحفر والمهام الفنية، وتؤدي في كثير من الأحيان إلى خطف وسرقة شحنات النفط أو اختطاف الطاقم.
وتسببت هذه الأعمال في تقليل عدد السفن التي تدخل موانئ البلاد بسبب مخاوف من الهجوم، في حين زادت تكاليف العمليات الإنتاجية والشحن، وفقا لتقرير نشره موقع “ذا داي لايف” النيجيري.
وترتبط أسباب هذه الظاهرة بعدم فعالية البنية التحتية القانونية وقلة الإجراءات الأمنية والرقابة البحرية، والتقصير في تطبيق القانون البحري، مما يؤدي إلى انعدام الحماية والأمان في المياه البحرية، وفق مراقبين.
وفي حين أن مدى السرقة قد يختلف عبر هذه المناطق، فإن تأثيراتها تبقى سلبية على اقتصاديات وأمن هذه الدول.
واقع قطاع النفط في نيجيريا
بلغت القدرة الإنتاجية للنفط في نيجيريا نحو 1.5 مليون برميل يوميًا أكتوبر/تشرين الأول 2022، وفقا لمسح أجرته رويترز، مما يجعل البلد مساهما بارزا في الإمدادات العالمية من النفط.
وتحتل نيجيريا مكانة بارزة بوصفها أكبر منتج للنفط في أفريقيا بعد تخطيها كلا من ليبيا وأنغولا، وفقا لأرقام رسمية صادرة عن منظمة أوبك نقلتها صحيفة “ذا كابل” المتخصصة بالطاقة في إفريقيا.
وعلى نحو مستمر احتفظت نيجيريا بمكان دائم ضمن أعلى 15 دولة منتجة للنفط عالميًا، في حين تمتلك البلاد احتياطات نفطية كبيرة مؤكدة تقدر بنحو 37 مليار برميل، وتعد هذه الاحتياطات من بين الأكبر في أفريقيا وتشكل عنصرا حاسما في صناعة النفط في البلاد.
ورغم هذه المكانة المرموقة بين المنتجين العالميين، فإن صناعة النفط في نيجيريا -التي تعد مصدرا كبيرا للعائدات الأجنبية وأكثر من نصف الإيرادات الحكومية- تبدو في وضع سيئ.
وتظهر الأرقام الصادرة عن مكتب الإحصاءات الوطني في نيجيريا تسجيل 45.6 مليار دولار من الإيرادات العام الماضي، بزيادة 46% عن مستويات عام 2021، غير أن هذه الأرقام تخفي حقيقة تفيد بأن إنتاج النفط في نيجيريا انخفض بشكل مستمر خلال السنوات القليلة الماضية.
وأنتجت البلاد في أبريل الماضي/نيسان الماضي -على سبيل المثال- أقل من مليون برميل من النفط يوميًا، وهو أقل بكثير عن حصتها في أوبك المقدرة بواقع 1.8 مليون برميل يوميًا.
وأدى عجز نيجيريا عن تحقيق حصتها في منظمة أوبك، منذ أكثر من 36 شهرًا، إلى تقليص هذه الحصة من أكثر من 1.8 مليون برميل يوميًا إلى 1.742 مليون برميل يوميا لهذا العام، ثم إلى 1.38 مليون برميل يوميًا عام 2024، وفقا لما ذكره تقرير “ذا داي لايف” النيجيري.
ورغم ارتفاع أسعار النفط عام 2022 إثر الحرب الروسية الأوكرانية، فإن قطاع الطاقة في نيجيريا لم يستفد كثيرا من هذا الارتفاع.
وصرحت وزيرة المالية السابقة زينب أحمد في سبتمبر/أيلول 2022 بأن التأثير العام للأسعار المرتفعة كان “صفريا أو سلبيا”، وهو ما يعني أن البلاد لم تستفد من فرصة ارتفاع الأسعار على خلفية عمليات السرقة والتخريب الكبيرتين.
وعلى صعيد الاستهلاك تشير الأرقام الرسمية إلى أن النيجيريين يستهلكون حاليا نحو 68 مليون لتر من البنزين يوميًا، مقارنة بحوالي 49 مليون عام 2015.
وتواجه نيجيريا على الصعيد الاقتصادي أزمات حرجة، فقد بلغت ديونها 172 مليار دولار، في حين ارتفع معدل التضخم فيها بشكل كبير مما أدى إلى زيادة تكاليف المعيشة.
ودفع هذا كثيرين إلى هاوية الفقر، إذ تحول 133 مليون نيجيري إلى دائرة الفقر بنسبة (63%) من مجموع السكان.
وتبعا لذلك، ارتفعت نسب البطالة بشكل كبير وبلغت 43%، بينما كانت في بداية تولي بخاري الحكم عام 2015 نحو 10% فقط، فضلا عن نشاط عدد من العصابات ومتمردي دلتا النيجر في نهب وسرقة النفط، تفقد بسببه البلاد ملياري دولار.
انسحابات
وتمثل مؤسسة النفط الوطنية النيجيرية الرؤية الوطنية التي تدير موارد النفط والغاز في نيجيريا.
وتعمل في شراكات مشتركة مع عديد من الشركات النفطية الدولية، لعل من أبرزها، شركة شل، التي شكلت في ذروتها أكثر من 40% من إجمالي إنتاج النفط الخام في نيجيريا، وشركة شيفرون التي تشارك في استكشافات النفط والغاز وإنتاجهما وتسويقهما في نيجيريا.
وشركة إكسون موبيل بمثابة لاعب آخر مهم في صناعة النفط في نيجيريا، إلى جانب كل من توتال، وإيني، وأداكس الصينية، وفقا لتقارير منفصلة أوردتها بلومبيرغ.
ويقول الخبراء إن التأثيرات المجتمعة لجميع هذه العوامل السلبية إضافة إلى مشكلة القرصنة والسرقات النفطية كانت وراء التسارع الأخير في انسحاب شركات النفط الدولية من قطاع النفط البري في نيجيريا.
فقد سلمت شركة “أداكس” الصينية مناطقها الأربع للنفط إلى الشركة الوطنية النيجيرية للبترول في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، في وقت لا يزال فيه الغموض يلف عملية انسحاب إكسون موبيل من 4 حقول نفطية.
بارقة أمل
لكن نجاح مرشح الحزب الحاكم القوي بولا تينوبو، في الوصول إلى السلطة ليصبح رئيسًا لنيجيريا بعد أن كان عرّابًا مهمته صناعة الرؤساء وتشكيل كثير من المعادلات السياسية في البلاد يعد بارقة أمل جديدة أمام المستثمرين لعودة القطاع لحيويته.
وأشار تينوبو -في أثناء الدعاية الانتخابية- إلى مبادئه التي سيتبناها حكمه الذي سيبنى على توحيد النيجيريين، وتحقيق الأمن في البلاد خلال 6 أشهر، إضافة إلى تطبيق الفدرالية الحقيقية وتعزيز الديمقراطية، وتطوير البنية التحتية، وتوسيع الشركات المحلية، وهو ما بدأ يترجم على أرض الواقع في القطاع النفطي بإعلان حكومة نيجيريا الاتحادية أواخر سبتمبر/أيلول الماضي أنها حصلت على تعهدات استثمارية بقيمة 13.5 مليار دولار من شركات التنقيب عن النفط والغاز العالمية بالإضافة إلى المنتجين المستقلين، وذلك لتعزيز إنتاج البلاد من النفط الخام خلال الـ12 شهرا القادمة.