خفض تصنيف مصر الائتماني والدفاع عن الجنيه.. ما التكلفة الاقتصادية؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

القاهرة- تدور مصر في فلك تقارير المؤسسات والبنوك الدولية السلبية منذ مارس/آذار 2022، كان آخرها هبوط تصنيفها الائتماني إلى درجة عالية المخاطر، وتحذير صندوق النقد الدولي من استنزاف الاحتياطي النقدي الأجنبي لديها إذا لم تواصل خفض قيمة عملتها المحلية.

وزادت المخاوف بشأن وضع الاقتصاد المصري الهش بالتزامن مع فتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة في مصر المقرر انطلاقها في ديسمبر/كانون الأول المقبل، إذ أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي خوضه الانتخابات لفترة رئاسية جديدة.

ورغم صدور تقرير البنك المركزي المصري السنوي بشأن ميزان المدفوعات عن العام المالي 2022- 2023، والذي أظهر تحسنا ملحوظا في بعض المؤشرات، فإنها تضمنت مؤشرات سلبية لن تغير من وضع مصر بشأن المؤشرات الاقتصادية الدولية.

وفي الوقت الذي أظهرت فيه بيانات البنك المركزي تراجع قيمة العجز التجاري، انخفضت تحويلات العاملين في الخارج، وفي الوقت الذي زادت فيه قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، صعدت وبقوة تحويلات المستثمرين الأجانب في شكل أرباح للخارج.

وتحسن عجز حساب المعاملات الجارية، إذ بلغ نحو 4.7 مليارات دولار مقابل نحو 16.6 مليار دولار خلال العام المالي السابق له، لكن تحويلات المصريين العاملين في الخارج تراجعت إلى 22.1 مليار دولار مقابل 31.9 مليار دولار.

ورغم ارتفاع صافي تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مصر مسجلا نحو 10 مليارات دولار، واصلت استثمارات محفظة الأوراق المالية في تحقيق صافي تدفق للخارج بلغ نحو 3.8 مليارات دولار، خلال الفترة نفسها.

خفض التصنيف

وللمرة الثانية خلال عام، وبعد نحو شهرين من قرارها إبقاء التصنيف الائتماني لمصر تحت المراجعة قررت وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية في نهاية المطاف خفض تصنيفها من “بي 3” (B 3) إلى “سي إيه إيه 1” (Caa1).

وعزت الوكالة تلك الخطوة إلى “تدهور القدرة على تحمل الديون لدى الحكومة المصرية واستمرار نقص العملات الأجنبية في مواجهة زيادة مدفوعات خدمة الدين الخارجي على مدى العامين المقبلين”، لكنها حددت النظرة المستقبلية لمصر عند “مستقرة”.

ويعني تصنيف “سي إيه إيه 1” (Caa1) عند وكالة موديز أن الالتزامات ضعيفة، وتحمل مخاطر ائتمانية مرتفعة جدا.

مخاطر حماية الجنيه

وحذرت المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، في تصريحات نقلتها وكالة بلومبيرغ، من مغبة تأجيل مصر خفض قيمة عملتها مرة أخرى وإلا “سوف تنزف” احتياطاتها الثمينة، رغم إشادتها بالخطوات الأخرى التي اتخذتها القاهرة لتصحيح اقتصادها.

وبلغ صافي الاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي 34.970 مليار دولار نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، مقابل نحو 41 مليار دولار في فبراير/شباط 2022.

وتقاوم الحكومة المصرية الضغوط الدولية من أجل عدم خفض عملتها مجددا بعد أن خفضها بالفعل 3 مرات منذ مارس/آذار 2022، في حين فقدت العملة المحلية ما يقرب من نصف قيمتها مقابل الدولار، دون أن يساعد ذلك في جذب أموال المستثمرين.

وتعتقد الحكومة المصرية أن مزيدا من الخفض يعني مزيدا من التضخم وارتفاع الأسعار في أكبر بلد عربي يقطنه 105 ملايين نسمة، ويرزح فيه أكثر من 30 مليون شخص تحت خط الفقر.

وقفز التضخم إلى نحو 41% على أساس سنوي في وقت سابق.

الحكومة تعلق

في أول تعليق على تخفيض موديز للتصنيف الائتماني، قال وزير المالية المصري محمد معيط، في بيان، إن الحكومة تنفذ إصلاحات هيكلية لمواجهة التحديات الاقتصادية، وتتخذ إجراءات لتحفيز الاستثمار وتمكين القطاع الخاص، ووعد بتحقيق مزيد من الإصلاحات والإجراءات الهيكلية.

وأضاف معيط أن مصر حققت أداء ماليا قويا رغم التحديات الراهنة، مشيرا إلى تنفيذ صفقات استثمارية لتخارج الدولة بقيمة 2.5 مليار دولار في الربع الأول من العام المالي الحالي، إلى جانب تقليص الإنفاق رغم الصدمات الخارجية.

آراء الخبراء

لا تتفق عميدة كلية الاقتصاد في جامعة القاهرة سابقا، عالية المهدي، مع مطالب صندوق النقد الدولي بضرورة خفض الجنيه المصري مجددا “دون وجود غطاء نقدي كاف من العملة الصعبة لدى البنك المركزي يجعله قادرا على حماية العملة المحلية من أي مضاربات محتملة ومتوقعة”.

لكنها أرجعت -في حديثها للجزيرة نت- سبب إصرار صندوق النقد على تحرير سعر الصرف إلى رغبة البنك في تحرير الأسعار على نطاق واسع مثل تحرير سعر الفائدة وأسعار السلع والخدمات، محذرة من أن ذلك سيؤدي إلى زيادة معدلات التضخم المرتفعة بالفعل.

وقالت المهدي أيضا إن حماية الجنيه يكلف السلطات النقدية في مصر كثيرا من احتياطاتها بالعملة الصعبة.

وفي ما يتعلق بخفض تصنيف مصر الائتماني، اعتبرته المهدي، انعكاسا لنظرة صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الأخرى التي يصاحبها كثير من الشكوك، فضلا عن شكاوى المستثمرين الأجانب من عدم قدرتهم على تحويل أرباحهم إلى الخارج.

وبشأن تداعيات خفض التصنيف على مصر، أكدت الخبيرة الاقتصادية أنه يعرقل قدرة البلاد على الوصول إلى أسواق الدين الخارجية وبشروط صعبة وبأسعار فائدة أعلى، مشيرة التداعيات ستتجاوز الحكومة إلى المواطنين، مثل فرض قيود على الواردات ونقص العملات الأجنبية، وارتفاع تكلفة الإنتاج المحلي ومن ثم ارتفاع الأسعار.

خفض وشيك للجنيه وارتفاع جديد في الأسعار

تقول مديرة صندوق النقد الدولي “إن مصر تؤخر ما لا مفر منه”، وهو ما أكده الخبير الاقتصادي ممدوح الولي بقوله إن “التحول الدائم إلى نظام سعر الصرف المرن أمر وشيك، لكنه يتعلق بأمرين، أولهما التوقيت إلى حين مرور انتخابات الرئاسة، وثانيهما، إعادة بناء احتياطيات من العملات الأجنبية”.

وأضاف أن الصندوق يركز الآن على كيفية إدارة مصر عملتها، وتقليص الإنفاق العام الذي يشمل المشاريع الضخمة وتخارج الدولة من بعض الأنشطة الاقتصادية.

وفي حديثه، للجزيرة نت، أوضح ممدوح الولي أن السلطات المصرية تحاول شراء مزيد من الوقت وتثبيت سعر الجنيه وهو أمر مؤقت، رغم أنه يكلف البنك المركزي المزيد من الاحتياطي النقدي الثمين، وسط خشية من حدوث اضطرابات واسعة في الأسواق التي تعاني أصلا من تراجع المعروض وارتفاع الأسعار، لكن لا مفر من مواجهتها مجددا مع خفض قيمة الجنيه، كما يعتقد الولي.

وتحدث الولي عن الآثار السلبية لقرارات المؤسسات والبنوك الدولية المتتالية -وكانت آخرها تخفيضات وكالة موديز-، وقال إن هذه القرارات تمثل رسالة سلبية للمستثمرين الأجانب، وتؤخر دخول الاستثمارات الأجنبية وتحديدا الأموال الساخنة بانتظار مزيد من خفض قيمة الجنيه، وتحفز صناديق الاستثمار على الخروج من البورصة، إضافة إلى أنها تعقد من مهمة برنامج طروحات الشركات الحكومية المصرية، فضلا عن انخفاض قيمة السندات المصرية في الخارج وتقييد قدرتها على طرح سندات جديدة بالأسواق الدولية.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *