الدوحة- يشهد قطاع التقنية المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نموا سريعا، في وقت تسعى الشركات الناشئة إلى استغلال الفرص التي يوفرها التطور التقني لتقديم منتجات وخدمات مالية جديدة للمستهلكين والشركات.
ويرى مشاركون في فعاليات المنتدى العربى للتقنية المالية المنعقد بالدوحة في الفترة من 10 إلى 11 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أن التقنية المالية (Fintech) قوة دافعة للنمو الاقتصادي والتجديد في جميع أنحاء العالم، وأن استخدامها من شأنه الإسهام في توسيع نطاق الوصول إلى الخدمات المالية، وتعزيز الشمول المالي.
وفي جلسة بعنوان “تشكيل مستقبل التكنولوجيا المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”، أشار المشاركون إلى أن بيانات صندوق النقد الدولي أظهرت أن حجم تمويل المشروعات في مجال التقنية المالية في المنطقة نما من 587 مليون دولار في 2021 إلى 925 مليون دولار في 2022، بزيادة قدرها 58%.
كما توقع صندوق النقد ارتفاع إيرادات التقنية المالية من 1.5 مليار دولار في 2022 إلى ما بين 3.5 و4.5 مليار دولار بحلول 2025 في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وباكستان.
وحسب البنك الدولي، فإن الشمول المالي يعني: يعني أن الأفراد والشركات لديهم إمكانية الوصول إلى منتجات وخدمات مالية مفيدة وبأسعار معقولة تلبي احتياجاتهم؛ مثل: المعاملات والمدفوعات ومنتجات ادخار، والتسهيلات الائتمانية والقروض وخدمات تأمين.
عوامل النمو
في هذا الصدد عزا رئيس المنتدى العربي للتقنية المالية، مالك ششتاوي، في تصريح للجزيرة نت، هذا النمو إلى عدد من العوامل:
- التوسع في استخدام الهواتف الذكية والبيانات الضخمة: حيث تمكن هذه التقنيات الشركات الناشئة من تقديم منتجات وخدمات مالية جديدة، وأكثر كفاءة.
- الزيادة في الطلب على الخدمات المالية الرقمية: حيث يفضل العديد من المستهلكين في المنطقة الوصول إلى الخدمات المالية عبر الإنترنت، أو عبر الهاتف المحمول.
- دعم الحكومات للتقنية المالية: إذ تتخذ الحكومات في المنطقة خطوات لتشجيع نمو التقنية المالية، من خلال وضع تشريعات داعمة، وتوفير التمويل للشركات الناشئة.
وتوقع مالك أن يستمر نمو قطاع التقنية المالية في المنطقة خلال السنوات المقبلة، في وقت تركز الشركات الناشئة على تطوير منتجات وخدمات جديدة، في مجالات التمويل الشخصي والتجاري والتأمين والدفع.
حجم تمويل المشروعات في مجال التقنية المالية في المنطقة نما من 587 مليون دولار في 2021 إلى 925 مليون دولار في 2022، بزيادة قدرها 58%
وأشار رئيس المنتدى العربي للتقنية المالية، إلى أن هناك عددا من الاتجاهات الرئيسة التي ستؤثر في مستقبل التقنية المالية في المنطقة؛ منها: التركيز على التجديد، حيث ستركز الشركات الناشئة على تطوير منتجات وخدمات جديدة تلبي الاحتياجات المتطورة للمستهلكين والشركات.
وإلى جانب التوسع الإقليمي وسعى الشركات الناشئة إلى التوسع في الأسواق الإقليمية الأخرى، حيث تتمتع بإمكانات نمو كبيرة، يرى مالك أن من العوامل المهمة ذات التأثير في مستقبل التقنية المالية -أيضا- هو التعاون بين المؤسسات المالية التقليدية والشركات الناشئة، من أجل توفير منتجات وخدمات مالية أكثر شمولا وكفاءة.
ورغم النمو المتزايد في قطاع التقنية المالية بالمنطقة، فإنها تواجه عددا من التحديات، بما في ذلك التحديات التشريعية.
ويقول مالك، “تتمثل إحدى التحديات الرئيسة في أن القوانين واللوائح المالية التقليدية، قد لا تكون مصممة للتعامل مع التقنيات المالية الجديدة.
ويمكن أن يؤدي هذا إلى عدم اليقين والمخاطر للشركات الناشئة في مجال التقنية المالية، مما قد يحدّ من قدرتها على النمو والتجديد، وفق مالك الذي شدد على أن التحدي الأكبر هو، قدرة المشرّع على التماشي بسرعة مع الوتيرة التي يسير بها قطاع التقنية المالية.
وأكد رئيس المنتدى العربي للتقنية المالية أنه يمكن للتقنية المالية أن تساعد في توسيع نطاق الوصول إلى الخدمات المالية، لافتا إلى أنه وفقا لتقرير البنك الدولي الصادر في 2022، هناك حوالي ملياري شخص بالغ في جميع أنحاء العالم لا يتمتعون بإمكانية الوصول إلى الخدمات المصرفية.
بدوره أكد مدير إدارة الاستثمار في بنك قطر للتنمية، محمد العمادي، أن قطاع التقنية المالية يتمتع بأفق مستقبلي واعد في منطقة الشرق الأوسط.
وتوقع العمادي في كلمة له خلال المنتدى، أن يستمر نمو قطاع التقنية المالية في المنطقة، خلال السنوات المقبلة.
ونبّه إلى الجهود الحكومية في دولة قطر لدعم قطاع التقنية المالية، مشيرا في هذا الصدد إلى إطلاق مصرف قطر المركزي، في شهر مارس/آذار الماضي، إستراتيجية قطر للتقنية المالية 2023 التي يسعى من خلالها لدعم التنويع والتجديد في القطاع المالي تماشيا مع “رؤية قطر الوطنية 2030″، لدعم وتعزيز الاقتصاد المتنوع.
التحديات والفرص
في جلسة أخرى بعنوان “المصرفية المفتوحة والشمول المالي” سُلّط الضوء على هذا الجانب من التقنية المالية، لتصبح إطار عمل يسمح للمؤسسات المالية بمشاركة بيانات العملاء مع أطراف ثالثة مرخصة.
وأكد المشاركون بالجلسة أن “المصرفية المفتوحة” تتمتع بإمكانية الوصول إلى ملايين الأشخاص، الذين لا يتمتعون حاليا بإمكانية الولوج إلى الخدمات المالية، مشيرين إلى أن هذا الإطار الجديد يمكن أن يساعد في تعزيز النمو الاقتصادي.
ويقول الخبير في قطاع التقنية المالية، ومؤسس موقع Web3Qatar هاني الخطيب، إن مستقبل التقنية المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا واعد ومليء بالفرص، وتوقع أن تستمر التطورات التقنية والتجديدات في تحويل قطاع المال، وتعزيز الاقتصادات المحلية والإقليمية.
ويوضح الخطيب، المشارك بجلسات المنتدى في تصريح للجزيرة نت، أن “المصرفية المفتوحة” لديها القدرة على تعزيز الشمول المالي في جميع أنحاء العالم، من خلال جعل الخدمات المالية أكثر سهولة وبأسعار معقولة.
وأكد أنها القوة الدافعة وراء التجديد المالي؛ نظرا لقدرتها على فتح الباب أمام مجموعة جديدة من المنتجات والخدمات، التي يمكن أن تساعد الناس على إدارة أموالهم بشكل أكثر فعالية.
وقدم الخبير في قطاع التقنية المالية بعض الأمثلة على كيفية استخدام المصرفية المفتوحة لتعزيز الشمول المالي:
- الوصول إلى القروض: يمكن استخدام البيانات المفتوحة لتقييم مخاطر القروض، للأشخاص الذين لا يتمتعون بسجل ائتماني تقليدي. كما يمكن أن يساعد ذلك في توسيع نطاق الوصول إلى الائتمان للأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليه.
- الادخار: يمكن استخدام البيانات المفتوحة لإنشاء حسابات إدخار، مصممة خصيصى لاحتياجات الأشخاص منخفضي الدخل. ويمكن أن يساعد ذلك في تحفيز الادخار، وتحسين الوضع المالي للأشخاص.
- الدفعات: يمكن استخدام البيانات المفتوحة لإنشاء حلول دفع جديدة تلبي احتياجات الأشخاص، الذين يعيشون في المناطق الريفية أو المحرومة. ويمكن أن يساعد ذلك في تحسين الوصول إلى الخدمات المالية للأشخاص الذين يعيشون في هذه المناطق.
ومع ذلك، يرى أن هناك بعض التحديات التي تواجه المصرفية المفتوحة في تعزيز الشمول المالي؛ ومنها: الثقة حيث إن بعض الأشخاص لا يثقون في المؤسسات المالية التي تشارك بياناتهم مع أطراف ثالثة، فضلا عن أن بعض التشريعات في عدد من البلدان، قد لا تكون متوافقة مع المصرفية المفتوحة.
ويؤكد الخطيب أنه من خلال التغلب على هذه التحديات، يمكن للمصرفية المفتوحة أن تلعب دورا مهما في تعزيز الشمول المالي، وتحسين حياة الناس في جميع أنحاء العالم.