الدوحة- في ظل الطلب العالمي المتزايد على الطاقة النظيفة، تسعى دولة قطر إلى تعزيز دورها كواحدة من أبرز اللاعبين الدوليين في إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي المسال على مستوى العالم، عبر تعزيز الاستثمار في استكشافه وإنتاجه وتوسيع نطاق استكشاف حقول الغاز الجديدة.
وأعلنت قطر مؤخرا عن خطط لتوسيع حقل الشمال الغربي للغاز الطبيعي المسال، بهدف رفع الطاقة الإنتاجية إلى 142 مليون طن سنويا بحلول 2030، بزيادة تصل إلى 85% عن المستويات الحالية.
وقال وزير الدولة لشؤون الطاقة القطري سعد بن شريدة الكعبي -في مؤتمر صحفي بالدوحة– إن التوسع الجديد سيضيف 16 مليون طن أخرى سنويا إلى خطط التوسع الحالية، مضيفا أنه من السابق لأوانه الحديث عن الشركاء في التوسعة الجديدة.
وأعلن الكعبي أن الدراسات الأخيرة بيّنت أن حقل الشمال يحتوي على كميات غاز إضافية ضخمة تقدر بنحو 240 تريليون قدم مكعب، وهو ما يرفع احتياطي الغاز في قطر من 1760 إلى ألفي تريليون قدم مكعب، وكميات المكثفات من 70 إلى 80 مليار برميل، بالإضافة إلى كميات كبيرة من الغاز البترولي المسال والإيثان وغاز الهيليوم.
أكبر مصدّر للغاز
ومن شأن هذا المشروع أن يرسخ مكانة قطر كأكبر مصدر للغاز المسال في العالم، حيث من المتوقع أن تستحوذ على حصة 30% من السوق العالمية بحلول عام 2030.
كما ستستفيد قطر من الطلب المتزايد على الغاز الطبيعي كوقود أنظف بديلا عن الفحم والنفط، خاصة في الأسواق الآسيوية الرئيسية مثل الصين والهند وكوريا الجنوبية، إلى جانب الأسواق الأوروبية.
غير أن التحدي الرئيسي أمام قطر يتمثل في ضمان استدامة الاستثمارات الضخمة اللازمة لمشاريع التوسعة هذه، في ظل تقلبات أسعار الطاقة والمنافسة الشديدة في الأسواق العالمية.
وجاءت المرحلة الأولى من مشروع توسعة حقل الشمال الشرقي التي تم تدشينها مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ويعد حقل غاز الشمال أكبر حقل غاز بالعالم، حيث يضم 50.97 تريليون متر مكعب من الغاز، وتبلغ مساحته نحو 9700 كيلومتر مربع، منها 6 آلاف في مياه قطر الإقليمية، واكتُشف عام 1971، وبدأ الإنتاج فيه عام 1989.
ويصل إجمالي العقود الدولية لتطوير حقل الشمال الشرقي إلى 28.75 مليار دولار. ويضمّ حوالي 10% من احتياطات الغاز الطبيعي المعروفة في العالم، بحسب تقديرات “قطر للطاقة”.
وتمثل الدول الآسيوية، وعلى رأسها الصين واليابان وكوريا الجنوبية، السوق الرئيسية للغاز القطري، غير أنه يلقى طلبا متزايدا من الدول الأوروبية الساعية للحد من اعتمادها على روسيا في هذا المجال منذ الحرب الروسية على أوكرانيا في 2022.
وتأتي خطط التوسعة الأخيرة في أعقاب الإعلان عن عدد من العقود طويلة الأمد لتوريد الغاز.
تأثير كبير
وأعلنت قطر مطلع الشهر الجاري أنها ستزود شركة “بترونت” الحكومية الهندية بالغاز الطبيعي المسال لمدة 20 عاما. وأوضحت حينذاك أنها ستزود الشركة الهندية بـ7.5 ملايين طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا بدءا من مايو/أيار 2028.
والشهر الماضي، أعلنت شركة “قطر للطاقة” توقيع اتفاقية مع شركة “إكسيليريت إنرجي”، ومقرها الولايات المتحدة، لإمداد بنغلاديش بما يصل إلى مليون طن سنويا من الغاز الطبيعي المسال لمدة 15 عاما.
وشهد عام 2023 توقيع سلسلة اتفاقات طويلة الأمد في هذا المجال مع “سينوبك” الصينية و”توتال إنرجي” الفرنسية و”شل” البريطانية و”إيني” الإيطالية. وهذه الاتفاقات التي تمتد جميعها على 27 عاما، هي الأطول في تاريخ إنتاج الغاز الطبيعي المسال.
وتعليقا على ذلك، يقول الخبير الاقتصادي القطري يوسف أبو حليقة إن توسعة قطر في إنتاج الغاز الطبيعي المسال، وخاصة مشروع “حقل الشمال الغربي”، سيكون لها تأثير كبير على سوق الغاز العالمي، مشيرا إلى أن زيادة الطاقة الإنتاجية لقطر بنسبة 85% ستعزز مكانتها كأحد أكبر منتجي الغاز المسال في العالم، وستساهم في تلبية الطلب المتزايد على الطاقة النظيفة.
وقال أبو حليقة، في حديث للجزيرة نت، إن تزايد الإنتاج من قبل قطر قد يؤثر على المنتجين الكبار الآخرين في سوق الغاز، حيث قد يتسبب في زيادة المنافسة، وهو ما قد يؤدي إلى تغير في أسعار الغاز وتوزيع الحصص في السوق، ومع ذلك، يجب ملاحظة أن هناك طلبا متزايدا على الغاز الطبيعي المسال في العالم، ومن المتوقع أن تستوعب الأسواق المستقبلية هذه الزيادة في الإنتاج.
وفيما يتعلق بوضع السوق الحالي وهل يشهد نقصا من الغاز؛ وهو ما يتطلب زيادة في إنتاجه، يضيف الخبير الاقتصادي القطري أن السوق العالمي قد يشهد بعض النقص في الغاز الطبيعي، خاصة مع الطلب المتزايد على الطاقة النظيفة وتحول دول عديدة إلى استخدام الغاز الطبيعي كمصدر أساسي للطاقة، لذلك، ستلبي زيادة إنتاج قطر جزءا من هذا الطلب وتساهم في تخفيف الضغط على السوق.
مع ذلك، يرى أن هناك تحديات تواجه قطر في زيادة إنتاج الغاز المسال، من بينها تحديات تأمين التمويل والموارد البشرية والبنية التحتية اللازمة، لا سيما أنها تسعى إلى توقيع عقود طويلة الأمد لتوريد الغاز الطبيعي المسال لعدة دول، وهو ما قد يحتاج إلى مفاوضات مكثفة وتحديات في إدارة العقود والتوريد.
فرصة كبيرة
تمثل توسعة قطر في إنتاج الغاز الطبيعي المسال فرصة كبيرة للبلاد لتعزيز دورها في سوق الطاقة العالمية وتلبية الطلب المتزايد على الغاز النظيف، ومع ذلك، يجب أن تواجه الدوحة التحديات الاقتصادية والتنظيمية لتحقيق هذه الزيادة في الإنتاج بنجاح، بحسب أبو حليقة.
من جهته، يؤكد الخبير الاقتصادي عبد الله الخاطر أن التوسعة القطرية الجديدة ستسهم في تأمين سوق الطاقة العالمية عبر تلبية الطلب المتزايد على الطاقة، وخاصة النظيفة، ومن المتوقع أن تكون هذه التوسعة داعمة للاستقرار الاقتصادي العالمي، وتساهم في تجنب تداعيات مشابهة لتلك التي نتجت عن الأزمة الأوكرانية، مثل زيادة معدلات التضخم وأسعار الفائدة.
ويعتبر الخاطر، في حديث للجزيرة نت، أن التوسعة الجديدة ستعزز مكانة قطر بوصفها موردا رئيسيا للطاقة النظيفة والغاز المسال إلى جانب مساهمتها في تعزيز الاقتصاد المحلي وزيادة الإيرادات المالية للدولة وتعزيز دور الصندوق السيادي في الاستثمارات العالمية.
ويشير إلى أن الطلب على الطاقة، خاصة الغاز لكونه مصدرا نظيفا وأساسيا، سيتزايد في السنوات القادمة، ويمكن لقطر تلبية هذا الطلب وتلبية الاحتياجات العالمية.
كما يلفت الخاطر إلى أن قطر حال البدء في تنفيذ التوسعة الجديدة بحقل الشمال ستتمكن من زيادة استثماراتها العالمية وتعزيز دورها في المنظمات الدولية المعنية بالطاقة النظيفة والاستدامة البيئية، بالإضافة إلى تعزيز علاقاتها الدولية وزيادة تأثيرها الاقتصادي والسياسي في المجتمع العالمي وتوفير فرص عمل جديدة وتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
ويشدد على ضرورة الأخذ في الاعتبار أن التوسعات الكبيرة قد تواجه تحديات ومخاطر محتملة، قائلا إنه قد يكون هناك تأثير بيئي سلبي نتيجة لتلك التوسعة، مثل التلوث الناجم عن أعمال البناء والتشغيل، وهو ما يتطلب اتخاذ تدابير للحد من تأثيراتها السلبية على البيئة وصحة السكان المحليين.
كما قد تواجه قطر تحديات فيما يتعلق بالتنافسية العالمية في سوق الطاقة، حيث توجد دول أخرى تعمل على زيادة إنتاجها وتوفير الطاقة النظيفة.
ويؤكد الخاطر أنه ينبغي على الدوحة أن تكون على دراية بالتطورات العالمية وتعمل على تعزيز تنافسيتها والابتكار في مجال الطاقة النظيفة للحفاظ على مكانتها الرائدة، إلى جانب التعامل مع التحديات المحتملة بحذر واتخاذ إجراءات للحد من التأثيرات السلبية وضمان الاستدامة البيئية والاقتصادية على المدى الطويل.