بعد 30 عاما.. الاقتصاد الفلسطيني ما زال يدفع ثمن اتفاقية أوسلو

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

بعد 30 عاما على اتفاق أوسلو، ما زال الفلسطينيون يعانون من تبعات وانتكاسات اقتصادية وسياسية وأمنية جراء اتفاق وصفه الكثيرون بالكارثة، وتواترت اتهامات معارضيه بأنه الاتفاق الذي تمت هندسته حسب رغبة إسرائيل.

ووصف رئيس الاتحاد الدولي لمؤرخي فلسطين الدكتور غسان وشاح اتفاق أوسلو بأنه “مولود غير شرعي ومشوّه نتج عن 14 جولة سرّية استمرت قرابة العامين بين إسرائيل وممثلين عن منظمة التحرير الفلسطينية التي انفردت بتوقيع اتفاق مصيري دون إخضاعه لاستفتاء شعبي أو حتى أخذ رأي قوى كبيرة في الشارع الفلسطيني”.

واتفاق أوسلو التاريخي الذي وُقع في 13 سبتمبر/أيلول عام 1993، أنهى الانتفاضة الفلسطينية الكبرى التي استمرت قرابة 6 أعوام، وشكّل مرحلة فاصلة يذكرها الفلسطينيون بالكثير من الأسى وخيبات الأمل.

وأوضح المؤرخ وشاح للجزيرة نت أن الاحتلال الإسرائيلي تنصل من الالتزامات الاقتصادية والمصالح الحيوية من معابر وكهرباء وماء، وأصبح يتحكم في كل ذلك من بعيد ويبتز الشعب الفلسطيني والسلطة التي ربطت نفسها اقتصاديا وماليا بالاحتلال فأصبحت رهينة عنده.

وأردف أن أوسلو ربطت الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي، فنجد أن 87% من الصادرات الفلسطينية في الضفة الغربية وجهتها الاحتلال، فيما يعتمد اقتصاد السلطة على المنح الخارجية والمساعدات بنسبة كبيرة، خاصة من الولايات المتحدة وأوروبا، فأوسلو عمليا تحظر التنمية الداخلية وإقامة المصانع واستصلاح الأرض واستثمار المياه.

وقال وشاح إن “معظم الضرائب التي تدخل خزينة السلطة الفلسطينية تأتي من إسرائيل، مما يعني أن الأخيرة هي التي تحصل على الضرائب وترسلها للسلطة، فهي تقول لهم عمليا إن أحسنتم أعطيناكم هذه الضرائب والأموال، وإن لم تقوموا بدوركم الوظيفي نمنع ونوقف تسليم هذه الأموال، وهذا الذي يحدث الآن بالفعل”.

وعود على ورق

من جهته، بيّن رئيس تحرير صحيفة الاقتصادية الفلسطينية محمد أبو جياب أن أهم المؤشرات على تكبيل أوسلو للاقتصاد الفلسطيني أنها اعتبرت الأراضي الفلسطينية والأراضي المحتلة وحدة جمركية واحدة، “فالمواطن في تل أبيب يدفع نفس الضرائب التي يدفعها المواطن في غزة والضفة الغربية على كافة السلع، مع الفارق في مستويات الدخل والنمو الاقتصادي والقوة الاقتصادية بين الجانبين”.

‏ وذكر أبو جياب للجزيرة نت أن أبرز الوعود الاقتصادية التي نصّت عليها أوسلو هي ميناء غزة الذي لم يتم استكماله، والمطار الذي تم إنشاؤه ثم قُصف بعد أعوام قليلة من تشغيله، إضافة إلى الكثير من المشاريع الإستراتيجية المتعلقة بإنتاج الطاقة والاستثمار والشركات القابضة والمشاريع الدولية الكبرى كالمدن الصناعية المشتركة التي لم يتم تطبيقها وفقا لبروتوكول باريس الاقتصادي.

وبروتوكول باريس الاقتصادي الملحق باتفاقية أوسلو والموقع في 29 أبريل/نيسان 1994 تحول إلى جزء من اتفاقية أوسلو، وجوهره إلحاق الاقتصاد الفلسطيني بالكامل بالاقتصاد الإسرائيلي من خلال الاتحاد الجمركي ومن خلال تقييد الاقتصاد الفلسطيني وجعله معزولا عن التبادل التجاري المستقل مع العالم.

وأرجع أبو جياب سبب الأزمات المالية والواقع المعيشي الصعب للفلسطينيين إلى اتفاقية باريس “حيث سمحت إسرائيل لنفسها باقتطاع 3% من إجمالي الضرائب والرسوم والجمارك على البضائع الواردة للأراضي الفلسطينية تحت بند إدارة عمليات التحصيل”.

وأردف أن “إسرائيل تستخدم الأموال كواحدة من أدوات الابتزاز السياسي والاقتصادي ضد السلطة، فهي تحتجز اليوم الأموال الفلسطينية وتستقطع منها، ونجحت في الكثير من المفاصل في منع السلطة من الإقدام على أي خطوات سياسية ودولية وإقليمية”.

وفيما يتعلق بواقع التجارة الخارجية والملاحة للفلسطينيين، ذكر أبو جياب أن المعبر الوحيد مع غزة وأكثر من 12 معبرا للتجارة والأفراد في محافظات الضفة كلها تحت تحكم الاحتلال.

قيود إسرائيلية

ويعاني المواطن في مدينة غزة الساحلية من انعدام التواصل البحري مع العالم الخارجي لعدم وجود ميناء أو ممر بحري يربطه بالخارج، إضافة إلى فرض الاحتلال قيودا كبيرة على ممارسة مهنة الصيد من خلال المرفأ الوحيد والبدائي، حيث لا يسمح بالصيد لمسافة تتعدى 9 أميال كما يتعرض الصيادون لإطلاق نار واحتجاز وملاحقة يومية من بحرية الاحتلال.

وأشار الاقتصادي أبو جياب إلى أن “المعابر والقيود العسكرية الإسرائيلية المفروضة على حركة المرور وتنقل البضائع أوجدت واقعًا تجاريًّا يحده الكثير من التهديدات، وهذا واحد من معالم الحالة الاقتصادية والتجارية للفلسطينيين”.

وأضاف “منذ 30 سنة نتحدث عن سنوات قليلة شهدت فيها الحركة التجارية سهولة في العمل ما قبل الانتفاضة الثانية عام 2000، أما منذ عام 2000 حتى اليوم فإسرائيل تحرم القطاعات التجارية من العمل بشكل كامل وتعرقل الحركة التجارية وحركة الأفراد عبر مختلف المعابر”.

وفي السياق نفسه، يروي التاجر الفلسطيني (ن.ك) من غزة للجزيرة نت الضغط النفسي الذي يعانيه بشكل يومي مع فتح وإغلاق المعبر التجاري الوحيد لغزة قائلا “نحن عرضة بشكل يومي بل لحظي للخسارة وتلف بضائعنا جراء إمكانية إغلاق المعبر بشكل مفاجئ، وهذا حدث عشرات المرات عبر سنوات طويلة”.

ويستكمل التاجر “أصبح أهم خبر نتابعه هو فتح وإغلاق المعبر، وفي كل حدث أمني هنا أو هناك نتوقع إغلاقه كعقاب جماعي نحن أحد ضحاياه. كما أننا كتجار فلسطينيين في غزة نعاني من القيود المشددة منذ أكثر من 18 عاما على استيراد قائمة كبيرة من السلع والمواد التي نستخدمها في عملنا الصناعي والزراعي، التي يمنعها الاحتلال بحجة أنها يمكن أن تضر بأمنه”.

اقتصاد أسير

وفي سياق متصل، أشار أبو جياب إلى تراجع نسب التوظيف في فلسطين مقارنة بنسب النمو السكاني، وقال “هذه مشكلة خطيرة على المستوى الإستراتيجي أدت إلى ازدياد نسب البطالة التي وصلت إلى 48% في غزة، و26-27% في مجمل الأراضي الفلسطينية”.

وأرجع ذلك إلى العراقيل والقيود والابتزاز الإسرائيلي لمجمل الحالة الاقتصادية والسياسية والإنسانية في الأراضي الفلسطينية، والتي أوجدت قطاعا خاصا مقيدا ومحاصرا خاصة في غزة، إضافة إلى غياب القدرة التشغيلية للقطاع الخاص الفلسطيني الذي كان يعتبر المشغّل الأكبر قبل أوسلو.

ويبقى الاقتصاد الفلسطيني والحالة المعيشية اليومية للمواطن الفلسطيني منذ 3 عقود رهينة القرار الإسرائيلي الذي يتحكم كقوة احتلال وبسطوة اتفاقية أوسلو وملحقاتها بكل مفاصل الحياة الفلسطينية، والسؤال الذي سيظل مفتوحا: هل يمتلك الساسة الفلسطينيون خيارات بديلة للخروج من مأزق أوسلو بكل ما فيه من إضرار بالحالة الاقتصادية والأمنية للمواطن الفلسطيني؟

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *