دكار- تعهد الرئيس السنغالي الجديد باسيرو ديوماي فاي بالتغيير وإدارة شؤون البلاد بطريقة “أكثر أخلاقية”، وقال عقب أدائه القسم إن “نتائج الانتخابات أظهرت رغبة عميقة في التغيير”، مشددا على عزمه “إدارة الأمور بطريقة أخلاقية وبناء الاقتصاد”.
ودائما ما شكل الاقتصاد رافعة أساسية دفعت بأسهم المعارضة عاليا، وأثمرت أخيرا في انتخاب ديوماي فاي رئيسا للبلاد، وفق مراقبين.
وارتكزت حملة ديوماي الانتخابية على وعود بتخفيف الأعباء المالية على خزينة الدولة، وتوسيع سيادتها على مصادر الثروات الطبيعية، وعلى رأسها النفط والغاز، متوعدا بمراجعة شروط التعاقد مع الشركات الأجنبية التي تستثمر في حقول النفط المكتشفة وأحواض الغاز الطبيعي.
ثروة جوفية ضخمة
سجلت الفترة ما بين العامين 2014-2017 ذروة اكتشافات النفط والغاز في المياه الإقليمية للسنغال، بعد رصد احتياطيات هائلة أسالت عروضا من شركات استثمارات أجنبية.
- ويعد حقل “السلحفاة-آحميم” البحري المشترك مع موريتانيا من أهم المشاريع، باحتياطيات تقدر بنحو 100 تريليون قدم مكعب من الغاز، وقدرة إنتاج سنوية متوقعة بحوالي 2.5 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال في مرحلته الأولى.
وعند إكمال المرحلة الثانية من تطوير الحقل -المتوقعة بين العامين 2027-2028- سيرتفع الإنتاج السنوي إلى 3 ملايين طن سنويا ليكمل بعدها في مسار إنتاج تصاعدي، بحسب تقديرات رسمية.
- أما حقل سانغومار، فيقدر متوسط حجم إنتاج النفط منه بنحو 100 ألف برميل يوميا، ويحتوي على احتياطيات من الغاز تتراوح ما بين 60 إلى 100 مليون قدم مكعب.
ومن المتوقع أن يبدأ إنتاج ما بين 60-90 مليون قدم مكعب يوميا من الغاز الطبيعي ما بين العامين 2026-2027. وسيعمل هذا الحقل مدعوما بمنصة إنتاج وتخزين عائمة تحمل اسم أول رئيس للسنغال ليوبولد سيدار سنغور.
- ويشكل حوض “ياكار تيرانغا” الدرة الثالثة في ثروة السنغال الجوفية، باحتياطيات قدرت بحوالي 140 مليار متر مكعب من الغاز. وبحسب مخططات حكومة الرئيس السابق ماكي سال، سيخصص إنتاج الغاز منه بالدرجة الأولى للسوق المحلية وتعزيز شبكات الطاقة.
ويقدر الباحث الاقتصادي الحسين محمد عمر العائد المتوقع من استثمار حقلي “السلحفاة-آحميم” و”سانغومار” بنحو 828 مليون دولار سنويا بشكل مبدئي، ويقول للجزيرة نت إن الحكومة السابقة ” أقرت قانونا عام 2019، تضمن أوجه إنفاق عوائد النفط والغاز، وحدد القانون نسبة 90% لتمويل التنمية بينما تودع النسبة المتبقية، أي 10%، في صندوق استثماري مشترك بين الأجيال”، أو ما يعرف بالصندوق السيادي.
ويتوقع الحسين محمد عمر أن يلتزم الرئيس الجديد بالإطار العام لإستراتيجية التنمية المقرة خلال فترة سلفه ماكي سال مع إمكانية “إدخال تغييرات على الأولويات”.
مراجعة عقود الاستثمار
من الناحية القانونية، يعد التعاقد بين الحكومات والشركات متعددة الجنسيات من أكثر العقود تعقيدا، مما يضع الدول، لا سيما حديثة الانضمام للدول المنتجة للنفط والغاز “في موقف تفاوضي ضعيف، بسبب نقص الخبرة”، بحسب الحسين محمد عمر.
ويتحدث عمر عن وجود سوابق “تمت فيها مراجعة اتفاقيات استثمارية، لكن واقعية الطرح تعتمد على مرونة من جميع الأطراف الموقعة”.
والعام الماضي، أعلنت شركة بريتش بتروليوم انسحابها من تطوير حقل “السلحفاة-آحميم” متذرعة بخسائر خلال جائحة كوفيد-19 وما نتج عنها من تأخير في إنجاز المشروع، ورفضت تحمل تكاليف وقفها العمل بالمشروع.
ويقول الباحث الاقتصادي إن “موريتانيا والسنغال اضطرتا، بوصفها الدولتين اللتين تتشاركان ملكية الحوض إلى تحمل الخسائر، لعدم شمول العقود الموقعة على بنود لحالات مماثلة”.
ومن هنا، تبدأ صعوبات الحديث عن إعادة النظر بالعقود الرسمية بالظهور. فعلى الرئيس الجديد في هذه الحالة، الشروع بحملة لإقناع الشركات المستثمرة، والتي يصعب تخيل موافقتها على مراجعة العقود إلا في حالة “منحها امتيازات تفضيلية في حقول غير مستكشفة بعد” بحسب ما يفيد الباحث محمد عمر الذي يقول إن “قبول الشركات يكون ممكنا في المشاريع التي لم تبدأ العمل بها بعد، وليس الحقول التي قطعت شوطا في تطويرها”.
وتبرز أيضا عقبة إضافية، ففي حالة حقل “السلحفاة-آحميم” المشترك مع موريتانيا، سيكون على باسيرو ديوماي فاي إقناع نواكشوط بالأمر، والتي “يحتمل أن ترفض إجراء أي تعديل على أي اتفاق ترى أن مصلحتها العليا تقتضي استمراره” بحسب الباحث عمر.
ويشدد الباحث الحسين محمد عمر على ضرورة “الاطلاع بشكل معمق على بنود العقود الموقعة بين السنغال والشركات الاستثمارية، وما يستتبعه من إعادة النظر ببعض الوعود الانتخابية؟”.
ويضيف أن “الرئيس الجديد يمكن أن يحاول مراجعة العقود لإرضاء الناخبين، لكنه سيجد نفسه أمام التزامات وقعت عليها الدولة السنغالية”، وفي حال إصراره قد يلجأ الطرف الثاني -أي الشركات- إلى التحكيم الدولي. وفي هذه الحالة، قد يعكس صورة غير مستقرة لآليات اتخاذ القرار في الدولة وما قد ينجم عنه من عزوف المستثمرين مستقبلا.
مؤشرات إيجابية
ورغم العوائق القانونية، فإن اقتصاد السنغال يبدو مدفوعا بمؤشرات واعدة. إذ يتوقع أن يقفز النمو خلال العام الحالي إلى عتبة 10% في معدل قياسي على المستوى القاري، ليحل في المرتبة الثانية بعد موريتانيا التي تترقب معدل نمو بنحو 11%، بحسب البنك الدولي.
وبتحقيق هذه المعدلات من النمو ستهوي نسب البطالة إلى أدنى مستوياتها لتلامس عتبة 6% متوقعة، مما يعد إنجازا عالي القيمة مقارنة مع قرابة 19% مسجلة في الربع الثالث من عام 2023 وفق أرقام رسمية.
ويبقى كل ذلك رهنا، باستمرار العمل في الحقول الثلاثة الأساسية بحسب ما هو معمول به. وستبدأ السنغال باستلام أولى عوائد ثرواتها من حقلها المشترك مع موريتانيا خلال العام الحالي.
ويمتلك السنغال أيضا احتياطيات من المعادن، أبرزها التيتانيوم بعائدات وصلت عام 2022 لأكثر من 157 مليون دولار، والذهب بصادرات تتخطى 960 مليون دولار سنويا، بينما سجلت صادرات الزيركون قرابة 112 مليون دولار.
ويعد قطاع التعدين ثاني مصدر للعملات الأجنبية ويشكل قرابة 20% من مجمل صادرات الدولة، بهامش تحرك ببضع نقاط صعودا وهبوطا، وفق أرقام غير رسمية.