قالت مجلة إيكونوميست إن الاقتصاد الأميركي برز باعتبار أنه يمتاز بالمرونة والقوة الاقتصادية وقادر على تحدي التوقعات المتشائمة.
وسلطت المجلة الضوء على “الأداء الاستثنائي” للاقتصاد الأميركي، متعجبة من قدرته، ليس على الصمود في وجه العواصف فحسب، بل وأيضا على الازدهار وسط التحديات.
تجاوز التوقعات.. عام من النمو
وفي نهاية عام 2023 نما الاقتصاد الأميركي بمعدل بلغ نحو 3%، متجاوزا التوقعات ومخلفا وراءه شبح الركود الذي كان يطارد المحللين.
وخلافا للتوقعات السابقة بنمو متواضع فقد شهد الربع الأول من العام الحالي مضاعفة معدل النمو السنوي المتوقع، مما يرسم صورة لنشاط اقتصادي قوي.
وكانت إحدى الركائز التي تدعم هذا النشاط الاقتصادي هي مرونة سوق العمل، ومع انخفاض معدلات البطالة بشكل ثابت إلى أقل من 4% على مدار 25 شهرا تمتع الاقتصاد الأميركي بفترة من النمو المستدام في تشغيل العمالة لم يسبق لها مثيل منذ أكثر من نصف قرن من الزمان.
ووفقا لـ”إيكونوميست”، فقد أدهش هذا الأداء “الفذ” المحللين الذين كانوا في حالة عدم يقين على خلفية التحديات الاقتصادية العالمية والشكوك الجيوسياسية.
وتؤكد المجلة على براعة الاقتصاد الأميركي مقارنة بالاقتصادات الكبرى الأخرى، فمنذ نهاية عام 2019 نما الاقتصاد الأميركي بنسبة 8% تقريبا من حيث القيمة الحقيقية، تاركا وراءه منطقة اليورو واليابان بهامش كبير.
عقبات على الطريق
وتشير “إيكونوميست” إلى أن الطريق بالطبع لا يخلو من العقبات، فعلى الرغم من مرونته يواجه الاقتصاد الأميركي تهديدات تلوح في الأفق والتي من المحتمل أن تعرقل مساره المثير للإعجاب.
ويشكل استمرار أسعار الفائدة المرتفعة خطرا، وكذلك التضخم الثابت الذي بقي فوق هدف بنك الاحتياطي الفدرالي البالغ 2%، وتؤدي التوترات الجيوسياسية إلى زيادة تعقيد التوقعات، مع ما يترتب على ذلك من تداعيات محتملة على التجارة العالمية والاستقرار الاقتصادي.
وتقول الصحيفة إن الانتخابات الرئاسية المقبلة قد تكون التهديد الأهم الذي يلوح في الأفق، ولا يبعث أي من المرشحين جو بايدن ولا دونالد ترامب على الثقة في رعاية التوسع الاقتصادي المستمر، وبدلا من ذلك تثير سياساتهما المقترحة المخاوف بشأن تعريض المكاسب التي تحققت بشق الأنفس في السنوات الأخيرة للخطر.
قوة ومرونة
ووفقا للمجلة، فقد كان أحد العوامل الحاسمة في النجاح الاقتصادي الذي حققته أميركا هو التدابير المالية الاستباقية، خاصة حزم التحفيز السخية أثناء الجائحة، والتي بلغت 26% من الناتج المحلي الإجمالي.
ورغم أن هذه التدابير غذت التضخم فإنها ضمنت أيضا النمو السريع، حيث لم يستنفد المستهلكون بعد التدفق النقدي من المساعدات الحكومية، ومع ذلك فإن استدامة هذا النمو القائم على التحفيز أصبحت موضع تساؤل متزايد، خاصة أن مدفوعات فوائد الديون تهدد بتجاوز الإنفاق الدفاعي الوطني.
وتبرز المجلة دور المهاجرين الكبير في نمو قوة العمل بأميركا، حيث ساهمت موجات الهجرة في توفير مصدر حيوي للعمالة في اقتصاد يتسم بالمرونة والقدرة على التكيف.
ومع ذلك، حذرت “إيكونوميست” من الاعتماد المفرط على هذه العوامل، والتي قد لا تكون مستدامة على المدى الطويل.
حمائية حديثة
وتشير المجلة إلى أن شبح الحمائية الذي يلوح في الأفق -والذي تجسد في السياسات التي دعا إليها كل من بايدن وترامب- يشكل خطرا جسيما على المستقبل الاقتصادي لأميركا.
وفي حين تهدد التعريفات الجمركية والقيود المفروضة على الهجرة التي يقترحها ترامب بتعطيل سلاسل التوريد وتضخيم التكاليف فإن ولع بايدن بالقومية الاقتصادية يهدد بخنق الابتكار وتقويض مبادئ السوق الحرة.
وفي مواجهة مثل هذه التحديات تحذر “إيكونوميست” من حنين في غير محله وتدخّل مضلل، مؤكدة أن النجاح الاقتصادي الذي حققته أميركا كان مدفوعا بالإبداع والقدرة على التكيف وديناميكيات السوق الحرة، وليس بسياسات حكومية ثقيلة الوطأة أو تدابير حمائية، والفشل في الاعتراف بهذه الحقيقة من شأنه أن يعرض للخطر أسس الازدهار الاقتصادي للبلاد.
وخلصت المجلة إلى أن الاختبار الحقيقي يكمن فيما إذا كانت الإدارة المقبلة سوف تتمسك بالمبادئ التي دفعت أميركا إلى القمة الاقتصادية أو ستستسلم لإغراء الإصلاحات قصيرة الأجل والخطاب الشعبوي.