معطيات قاتمة حملها الاقتصاد العالمي من العام السابق 2022 ليدخل بها عام 2023، في ظل التوقعات بحدوث ركود عالمي نتيجة لارتفاع معدلات التضخم في أعقاب جائحة كورونا وما تلاها على الصعيد الدولي من حرب روسيا وأوكرانيا، مرورا بأزمات عديدة كارتفاع أسعار النفط وغيرها، لكن 2023 صوّر صورة اقتصادية مختلفة بشكل مفاجئ.
وجمعت صحيفة “الإيكونوميست” مؤشرات اقتصادية ومالية شملت نسب وانتشار التضخم، والناتج المحلي الإجمالي، والوظائف وأداء سوق الأسهم لـ35 دولة.
وعلى عكس التوقعات، فقد ارتفع الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة تقدر بنحو 3% وفقا لصحيفة “الإيكونوميست”، مما يشير إلى نمو اقتصادي قوي، على الرغم من التحديات التي تم مواجهتها.
وحافظت أسواق العمل على نوع من الاستقرار، في حين شهدت معدلات التضخم انخفاضا ملحوظا في عدة دول، إلى جانب ارتفاع بنسبة 20% في أسواق الأسهم على مستوى العالم كما أوردت الصحيفة.
أفضل أداء
وخلف هذه المؤشرات الإيجابية الكبيرة، تكمن قصص لاقتصادات أبلت بشكل جيد خلال العام، وتكشف تحليلات الإيكونوميست سر هذه الأرقام الإيجابية المتحققة.
حيث جاء الاقتصاد اليوناني -للعام الثاني على التوالي- في المرتبة الأولى بتصنيف الإيكونوميست، وهو بوصف الصحيفة “إنجاز مذهل” لاقتصاد كان يُعرف في السابق بالإدارة السيئة والفاشلة.
وحلت كوريا الجنوبية في المرتبة الثانية، في وقت تميّزت العديد من الدول الواعدة في الأميركتين، حيث جاءت الولايات المتحدة في المرتبة الثالثة، ولم تكن كندا وتشيلي بعيدة عن المقدمة. بينما كانت دول الشمال الأوروبي في المجمل متأخرة، ومنها بريطانيا وألمانيا والسويد وفنلندا التي تذيلت الترتيب.
وقالت الصحيفة إن التصدي للأسعار المتزايدة بلا هوادة كان التحدي الأكبر عام 2023. مشيرة إلى نجاح دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية في السيطرة على “التضخم الأساسي”، محافظة على الأسعار بشكل مستقر.
أما في سويسرا، فقد ارتفع التضخم الأساسي بمعدل 1.3% على أساس سنوي، وفي أماكن أخرى في أوروبا، ما زالت العديد من الدول تواجه ضغوطا جدية. لكن التضخم الأساسي في المجر ارتفع بنسبة تفوق الـ11% سنويا، وهو ما تواجهه فنلندا على حد سواء وفقا للصحيفة.
وتذكر الصحيفة أن تقلصا طرأ على منحنى انتشار التضخم في العالم، والذي يحسب نسبة ارتفاع أسعار العناصر في سلة المستهلكين، والتي ارتفعت أسعارها بأكثر من 2% على أساس سنوي وهو أقل من المتوقع.
وقالت الصحيفة إن البنوك المركزية التي رفعت أسعار الفائدة في 2022 كما حدث في تشيلي وكوريا الجنوبية، قبل الكثير من الدول الأخرى، جنت فوائد هذا الرفع في هذا العام حيث انخفض معدل التضخم.
ورغم أن عام 2023، لم يسجل أداء مذهلا في أي مكان، فإن نسبة قليلة فقط من الدول شهدت انخفاضا في الناتج المحلي الإجمالي وفقا للإيكونوميست. حيث سجلت أيرلندا أكبر انخفاض للناتج الإجمالي بنسبة 4.1%، كما سجلت بريطانيا وألمانيا أداء ضعيفا أيضا. وتعاني ألمانيا من تداعيات صدمة أسعار الطاقة وتزايد المنافسة من السيارات الصينية المستوردة. فيما لا تزال بريطانيا تواجه عواقب ما بعد البريكست كما وصفت الصحيفة.
أداء جيد
واعتبرت الإيكونوميست أن الولايات المتحدة حققت أداء جيدا في الناتج المحلي الإجمالي، حيث استفادت من إنتاج الطاقة القياسي، بالإضافة إلى تأثيرات الحوافز المالية السخية التي تم تنفيذها بين عامي 2020 و2021. وأثر ذلك على دول أخرى إلى جانبها، فقد ارتفع التوظيف في كندا بشكل أكبر من المتوقع.
لكن الصحيفة أشارت إلى أنه على الرغم من أداء سوق الوظائف الجيد في الولايات المتحدة، فإنه لم يلق بظلاله الكاملة على سوق الأسهم هناك، فقد خيب السوق الذي يضم شركات التكنولوجيا الفائقة التي اعتقد الجميع أنها مستعدة للاستفادة من ثورة الذكاء الاصطناعي التي انطلقت مع بداية العام، فقد حقق السوق أداء متوسطا عند قياسه بالتضخم.
وجاء أداء سوق الأسهم الأسترالي دون التوقعات، في حين هبطت أسعار الأسهم في فنلندا، على عكس أسهم الشركات اليابانية التي تعيش فترة نهضة كما وصفها التقرير بعد صعودها بقيمة تقترب من 20%.
وإلى جانب هذا الأداء الكبير في سوق الأسهم الياباني، برز أداء سوق الأسهم اليوناني متربعا على عرض الأفضل بلا منازع، فقد زادت القيمة الحقيقية لسوق الأسهم هناك بنسبة تزيد عن 40%. نظرا لتنفيذ الحكومة لسلسلة من الإصلاحات الاقتصادية الموجهة نحو السوق.
وبالرغم من أن اليونان لا تزال أقل ثراء بكثير مما كانت عليه قبل كارثتها في أوائل 2010، فإن صندوق النقد الدولي، الذي كان وصفته أثينا سابقا بالـ”عدو”، أثنى مؤخرا على “التحول الرقمي للاقتصاد” و “زيادة المنافسة السوقية” فيه.