لعل الأمر الأكثر خطورة في ما يتعلق بالمواجهة العسكرية بين إسرائيل وحزب الله في لبنان هو الشعور بأن هذه المواجهة أمر مفروغ منه، ربما ليس كامتداد للحرب في غزة، ولكن في مرحلة ما في المستقبل القريب قد يتعلق الأمر أكثر بحرب أوسع مع إيران.
بهذه المقدمة افتتحت صحيفة هآرتس تحليلا -للكاتب ألون بينكاس- قال فيه إن هذه الحرب هي النقطة الحاسمة التي تتباين فيها تقييمات الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية بشكل كبير، ففي حين ترى الولايات المتحدة أن هذا الصراع له جوانب جيوسياسية وإستراتيجية مختلفة للغاية وأكثر تفجرا، تبدو إسرائيل مستسلمة للفكرة.
وقد عبر مسؤولون أميركيون عن “القلق” لتقديرهم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يشجع التصعيد باعتباره مفتاحا لبقائه السياسي، مصورا هذه الحرب على أنها حرب حضارية تاريخية بين إيران والغرب، ويلوم الرئيس الأميركي جو بايدن على عدم الارتقاء إلى مستوى الحدث.
التصعيد يعود من جديد
فبعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 مباشرة، حددت الولايات المتحدة أن منع التصعيد مع حزب الله في لبنان ومع إيران في جميع أنحاء المنطقة مصلحة أساسية، وأرسلت مجموعتين من حاملات الطائرات إلى المنطقة، وردت بقوة على فكرة توجيه إسرائيل ضربة استباقية لحزب الله، وكان الشعور في واشنطن هو أن المناوشات عبر الحدود الإسرائيلية اللبنانية قد تم احتواؤها، إلا أن “التصعيد” عاد بشكل خطير.
وإذا كانت التوترات الحالية بين إسرائيل وحزب الله تدور ظاهريا حول مزارع شبعا، فإنها في الحقيقة -كما يقول الكاتب- جزء من سياق أوسع بكثير، إذ يتعلق بعمل حزب الله بوصفه رادعا إيرانيا ضد الهجمات الإسرائيلية المحتملة على طهران، ومكونا أساسيا من شبكة وكلاء إيران الذين يعملون على زعزعة استقرار المنطقة، وفقا للصحيفة.
ورغم التفوق العسكري الإسرائيلي الظاهر، فإن الحرب بين إسرائيل وحزب الله ستكون مدمرة لكلا الجانبين، لأن ترسانة حزب الله الصاروخية الدقيقة تمثل نوعا من التعادل، وخلافا لغزة التي هي جيب مطوق من كل الجهات، تمتلك لبنان حدودا طويلة مع سوريا التي تمتلك بدورها حدودا طويلة مع العراق وتركيا، مما يضمن مرور الأسلحة والمقاتلين.
وتكمن الأبعاد السياسية الأكثر أهمية في نشوب حرب برية، لأن إسرائيل إذا غزت لبنان بهدف إبعاد حزب الله عن الحدود، فإنها بذلك تغزو دولة ذات سيادة وعضوية في الأمم المتحدة، وهذا من شأنه أن يعادل على الفور “الغزو الروسي” لأوكرانيا الذي دانته الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي بشكل شامل، على حد قول الصحيفة.
إيران أكثر جرأة
وهنا ينبغي النظر إلى التصعيد من منظور أوسع -كما يقول ألون بينكاس- إذ إن “الغزو الروسي لأوكرانيا أخرج إيران من عزلتها النسبية”، كما أن القرار المتهور الذي اتخذه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب -بتشجيع من نتنياهو- بالانسحاب من جانب واحد من الاتفاق النووي الإيراني، أعطى طهران فرصة تسريع برنامجها النووي، كما أن بكين وقفت في الجانب الإيراني.
وبفضل التقدم في برنامجها النووي، وتوظيفها الفعال لحزب الله وجماعة الحوثيين التي تهدد الشحن التجاري في البحر الأحمر، أصبحت إيران الآن أكثر جرأة، ولكنها مع ذلك لا تسعى إلى التصعيد، بل تريد الحفاظ على حزب الله كقوة ردع، وذلك ما تراه أيضا الولايات المتحدة، ولذلك هي تعتقد أن هذا يمكن تجنبه بالدبلوماسية.
ولعل الأكثر إثارة للقلق والخوف في أي مواجهة عسكرية بين إسرائيل وحزب الله هو حتميتها الواضحة، والشعور بأنها أمر مفروغ منه، خاصة مع غياب اتفاق دبلوماسي دائم بين الطرفين، ونظرا لسبب وجود حزب الله ودوافع إيران الإقليمية، فإن مثل هذه الحرب قد تكون مجرد مسألة وقت.
ومن الواضح أن المخاوف الحالية بشأن التصعيد تركز على المستقبل القريب، باعتباره دعما للحرب في غزة أو امتدادا لها، غير أن مثل هذه الحرب -كما يرى الكاتب- لا ترتبط بالضرورة بغزة، لأن لها أسبابها الكامنة.
وحتى لو تم تجنب المواجهة الآن، فإن الحرب تلوح في الأفق في غضون العامين أو الأعوام الثلاثة المقبلة، ولكن لماذا لا نحاول، إذا كان الهدف السياسي هو الحل الدبلوماسي، أن نقوم بذلك قبل نشوب الحرب أو بدلا منها؟ يتساءل الكاتب في ختام مقاله.