أشارت صحيفة إيكونوميست البريطانية إلى التأثيرات الهيكلية التي تفرضها تحولات الاقتصاد العالمي بسبب التكنولوجيات الخضراء الناشئة والعلاقات التجارية المتشظية، مما يجعل الدولة تلعب دورا كبيرا، خاصة في البلدان الغنية، حيث تخصص الحكومات ميزانيات ضخمة للصناعات الإستراتيجية.
وتسعى العديد من البلدان النامية إلى تنفيذ خطط نمو طموحة بهدف التحول إلى دول مرتفعة الدخل في غضون فترة قياسية لا تتجاوز 25 عاما.
ووفقا للصحيفة، فإن خطط التنويع التي تتبناها الهند وإندونيسيا والمملكة العربية السعودية تؤكد على التكامل العالمي والمشاركة في سلاسل العرض الخضراء، مما يشير إلى التحول عن إستراتيجيات التنمية السابقة.
ومن نواحٍ عديدة، يختار العالم النامي الاعتماد على العولمة سبيلا للعبور، حيث شهدت إندونيسيا تطورا اقتصاديا وتوسعا في البنية التحتية والاستثمارات الأجنبية بشكل كبير خلال الأعوام الماضية، وكان تقرير لـ”فايننشال تايمز” قد ذكر أنه منذ العام 2014 -باستثناء فترة وباء كورونا- نما الناتج المحلي الإجمالي الإندونيسي بنحو 5% سنويا.
وتعد إندونيسيا أكبر منتج للنيكل في العالم، وهو المعدن المهم الذي تقوم عليه التقنيات الجديدة، مثل السيارات الكهربائية والبطاريات.
ووفقا لبيانات البنك الدولي لعام 2022، تحتل الهند المرتبة الخامسة في مجموعة العشرين بناتج محلي إجمالي يقدر بـ3.39 تريليونات دولار، وهو ما يمثل نحو 3.37% من الناتج العالمي البالغ 100.56 تريليون دولار.
وقد شهد الاقتصاد الهندي معدلات نمو إيجابية بنسبة 6.4% في عام 2013 وارتفعت إلى 8.3% في 2016، وحتى بعد جائحة كورونا حقق نموا بنسبة 9.1% في 2021 و7% في 2022.
واستفادت الهند من العولمة وتحولت من اقتصاد زراعي إلى اقتصاد متنوع، حيث تقلصت مساهمة الزراعة في الناتج من 30 إلى 15%، وفقا لدراسة صادرة عن جامعة القاهرة.
وأصبح القطاع الخدمي الهندي الأسرع نموا عالميا ويمثل 60% من الاقتصاد، مع تركيز على الصناعة من خلال مبادرة “صنع في الهند” منذ 2014، لتحقيق منافسة عالمية مع الصين وأميركا.
صناعة البرمجيات
في المقابل، أشارت دراسة صادرة عن جامعة الزقازيق إلى أن الهند كانت مركزا رئيسيا لخبراء الحاسوب منذ الستينيات، مما أدى إلى تقدم صناعة البرمجيات في البلاد.
وذكرت الدراسة أنه في عام 2016 كان لدى الهند نحو 3.7 ملايين عامل مباشر في صناعة البرمجيات، وتقدر العمالة غير المباشرة بنحو 10 ملايين عامل.
ووصلت صادرات البرمجيات من الهند إلى 173 مليار دولار في العام نفسه مساهمة بنسبة 9.3% من الناتج المحلي، مع استهداف البلاد زيادة قيمة صادرات البرمجيات إلى 350 مليار دولار بحلول عام 2025، وتسيطر الهند على 56% من سوق الأعمال التكنولوجية العالمية.
الاستثمارات السعودية
وأفاد تقرير حديث بأن صندوق الاستثمارات العامة السعودي أنفق نحو 31.5 مليار دولار في 2023 من إجمالي 123.8 مليار دولار لصناديق الثروة السيادية في العالم.
وأشار التقرير إلى أن الإنفاق السيادي السعودي على التحول عن الاعتماد على الطاقة بلغ 25.9 مليار دولار في 2023.
وتمتلك الصناديق الخليجية الآن نحو 40% من استثمارات صناديق الثروة السيادية، ولم يتم الكشف عن الإنفاق الفردي للصندوق السعودي، لكن الاستثمارات في الرياضة والحصص المستحوذ عليها من الشركات العالمية كانت بارزة.
وفي بيان صحفي أشار الصندوق إلى أنه يخطط لإطلاق شركة طيران وعلامة تجارية للسيارات الكهربائية ويمتلك حصة بقيمة 8.1 مليارات دولار في شركات مشهورة، وتتوقع المؤشرات الاستثمارية للمؤسسات الحكومية لعام 2024 تجاوز الأصول القياسية السابقة التي بلغت 50.8 تريليون دولار.
لكن إيكونوميست ترى أن هذه التوجهات تنطوي على مخاطر كامنة، مشيرة إلى أن بعض الحكومات تخاطر بتشويه اقتصاداتها من خلال تطبيق سياسات صناعية ضخمة.
وتنقل عن خبراء أن الإنفاق الكبير في السعودية عبر صندوق الاستثمارات العامة والتدابير الحمائية التي اتخذتها الهند تثير المخاوف بشأن الاعتماد المفرط على صناعات معينة.
وفي خضم السياسة الحمائية التي تتبناها الدول المتقدمة فإن الدول النامية قد تستسلم لإغراء أن تحذو حذوها، الأمر الذي قد يؤدي إلى إبطال فعالية إستراتيجياتها التنموية.
وتشير الصحيفة إلى دروس تاريخية عدة، أبرزها تباطؤ النمو في أفريقيا نتيجة للسياسات غير الصحيحة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، مؤكدة على مخاطر اختيار الصناعات دون دراسة متأنية.
وقالت إن الطبيعة المتطورة للتصنيع -الذي أصبح الآن أكثر كثافة في استخدام رأس المال- تتحدى قدرة صناع السياسات على تحديد الصناعات المناسبة للتنمية، وبدلا من ذلك فإن الاستثمار في المنافع العامة مثل البنية الأساسية والتعليم مع إبقاء الاقتصادات مفتوحة يوفر مسارا أكثر فائدة واستقرارا.