مليون وفاة بسبب الضباب الدخاني.. الهند تكافح لـ”البقاء” أمام الحرارة الشديدة

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

تواجه العديد من الدول حول العالم مشكلة ارتفاع درجات الحرارة نتيجة التغير المناخي، والهند واحدة منها، حيث تتفاقم المشاكل بسبب ذلك، وقد ينتج عنها آثار سلبية كبيرة في حال عدم الحد من الانبعاثات الملوثة، والتوجه نحو الطاقات النظيفة والمتجددة.

وأظهر تقرير مطول لشبكة “سي أن أن”، نشر السبت، أن الهند تواجه مشكلة كبيرة بسبب الحرارة الشديدة التي ترتفع باضطراد و”تكافح للبقاء”، ومن المتوقع أن تتفاقم الآثار السلبية مستقبلا في حال لم يتم تطبيق حلول فورية.

وتصدرت نيودلهي عناوين الأخبار في السنوات الأخيرة مع ارتفاع الحرارة بانتظام إلى مستويات خطيرة، وسط تلوث حاد تشتهر به المدينة، ويتسبب بإغلاق المؤسسات الأكاديمية والحكومية.

وتجاوزت درجات الحرارة 40 درجة مئوية في يونيو الماضي، مما أدى إلى إغلاق المدارس وإتلاف المحاصيل والضغط على إمدادات الطاقة.

وبحلول عام 2050، يتوقع أن تصبح الهند من الأماكن التي يصعب العيش فيها بسبب الحرارة المرتفعة، وفقا لخبراء بالمناخ. وخلال هذا الإطار الزمني، من المتوقع أيضا أن يرتفع الطلب على مكيفات الهواء في البلاد تسعة أضعاف، متجاوزا جميع الأجهزة الأخرى، وفقا لتقرير حديث صادر عن وكالة الطاقة الدولية (IEA).

ويشير التقرير إلى أن الدولة الأولى عالميا في عدد السكان (1.4 مليار نسمة) ستواجه معضلة معقدة، فكلما أصبحت الهند أكثر سخونة والسكان أكثر ثراء، كلما زاد عدد الهنود الذين سيستخدمون مكيفات الهواء، وكلما زاد استخدام التكييف، أصبحت البلاد أكثر سخونة.

وتطلق الهند نحو 2.4 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا استنادا إلى البيانات التي يجمعها الاتحاد الأوروبي، وتساهم بنحو 7% من الانبعاثات العالمية. وعلى سبيل المقارنة، تتسبب الولايات المتحدة في 13% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، على الرغم من أنها تضم ربع سكان الهند تقريبا.

ويثير ذلك سؤالا كبيرا بشأن العدالة، وكثيرا ما يطرحه علماء بالمناخ، وهو: هل ينبغي لبلدان العالم النامي أن تتحمل تكاليف خفض الانبعاثات، على الرغم من كونها من بين الدول الأقل مسؤولية عن ارتفاع مستويات الغازات المسببة للاحتباس الحراري؟

وفي قمة المناخ COP28 التي اختتمت بشهر ديسمبر الماضي في دبي، لم تكن الهند من بين الدول التي وقعت على تعهد بخفض انبعاثاتها من أنظمة التبريد. وفي كلمته أمام الجلسة الافتتاحية للقمة، قال رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، إنه يجب منح جميع البلدان النامية “حصة عادلة في انبعاثات الكربون العالمية”.

ومع ذلك فإن الهند، وهي واحدة من أسرع الاقتصادات نموا في العالم، تواجه تحديات لمواجهة أزمة المناخ، وتجد نفسها في موقف صعب، ويتساءل التقرير: كيف يمكنها تحقيق التوازن بين تنميتها مع ضمان حماية البيئة؟

وعلى مدى العقود الخمسة الماضية، شهدت البلاد أكثر من 700 موجة حر أودت بحياة أكثر من 17000 شخص، وفقا لدراسة أجريت عام 2021 عن الطقس المتطرف ونشرت في مجلة (Weather and Climate Extremes). وفي شهر يونيو وحده، ارتفعت درجات الحرارة في بعض أجزاء البلاد إلى 47 درجة مئوية، مما أسفر عن وفاة ما لا يقل عن 44 شخصا وإصابة المئات بأمراض مرتبطة بالحرارة.

وبحلول عام 2030، قد يفقد 34 مليون شخص في الهند، من أصل 80 مليونا حول العالم، وظائفهم بسبب الإجهاد الحراري، وفقا لتقرير نشره البنك الدولي في ديسمبر 2022.

وهذا يعرض ملايين الأشخاص للخطر في بلد يعمل فيه أكثر من 50٪ من القوى العاملة في قطاع الزراعة. ومع ارتفاع الدخل بشكل مطرد، وفي الوقت الذي يرتفع فيه عدد سكان المناطق الحضرية، نمت ملكية أجهزة تكييف الهواء بمعدل ملحوظ.

وزاد استهلاك الكهرباء في الهند من أنظمة التبريد – التي تشمل مكيفات الهواء والثلاجات – بنسبة 21% بين عامي 2019 و2022، وفقا لوكالة الطاقة الدولية، وأضافت أنه بحلول عام 2050، سيتجاوز إجمالي الطلب على الكهرباء في الهند من مكيفات الهواء إجمالي استهلاك الكهرباء في جميع أنحاء أفريقيا اليوم.

وارتفاع هذا الطلب قد يؤدي أيضا إلى تفاقم أزمة المناخ العالمية، وفقا للتقرير.

وفي مقابل ذلك، وعدت الحكومة الهندية بخفض الطلب على الطاقة لأغراض التبريد بنسبة 20-25% بحلول عام 2038 بموجب خطة عمل أعلن عنها عام 2019، مع الاستمرار في التركيز على تطوير وتنفيذ حلول فعالة من حيث التكلفة تتماشى مع أهدافها الاقتصادية.

كما تنمو الطاقة المتجددة في الهند بشكل أسرع من أي اقتصاد رئيسي آخر، وتظهر البيانات أنها تسير على الطريق الصحيح لتحقيق أهداف خفض الانبعاثات، وفقا للينا ناندان، سكرتيرة وزارة البيئة والغابات وتغير المناخ الهندية.

وفي تقرير نشرته فرانس برس بشهر نوفمبر عام 2021، قالت الوكالة “رغم أن عاصمتها مغطاة بضباب دخاني سام، كانت الهند قائدة حملة خفض الالتزامات المتعلقة بالتخلص من الوقود الأحفوري في مؤتمر الأطراف للمناخ (كوب26)، فيما قال خبراء إنها تعطي الأولوية لنموها الاقتصادي على مستقبل الكوكب”.

وذكرت الوكالة أن الهند، وهي ثالث أكبر مصدّر للانبعاثات في العالم، تعاونت مع الصين لتعديل صياغة البند المتعلق بالوقود الأحفوري في البيان الختامي لمؤتمر غلاسكو وفرض تسوية: اتفاق مناخي ألزم الدول على “التقليص التدريجي” لاستخدام الفحم بدلا من “التخلي تدريجيا” عنه.

ومقاومة الهند لفرض قيود أكثر طموحا على الطاقة الملوثة مدفوعة بحاجتها إلى وقود رخيص لتشغيل اقتصاد مزدهر وانتشال مئات الملايين من مواطنيها من الفقر المترسخ، وفقا لفرانس برس.

وأوضح، سامرات سينغوبتا، الخبير في تغير المناخ في مركز العلوم والبيئة في نيودلهي لوكالة فرانس برس “هناك نسبة كبيرة من السكان لم تصل بعد إلى الحد الأدنى الأساسي من مستوى المعيشة”.

وتضاعف استهلاك الفحم خلال العقد الماضي وما زال الوقود مسؤولا عن تشغيل 70 في المئة من شبكة الكهرباء في الهند.

وتباطأت الحكومة في تطبيق قواعد أكثر صرامة على محطات الفحم، وأعلنت عام 2020 عن سلسلة من المزادات على استخراج الفحم لتعزيز الإنتاج المحلي.

وتعهد مودي أن تتوقف بلاده عن استخدام الفحم، لكنه قال للوفود المشاركة في مؤتمر كوب26، الذي أقيم في غلاسكو بشهر نوفمبر 2021، إن هدف الهند سيكون تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2070، بعد عقد من الصين و20 عاما بعد أكبر الدول الباعثة للغازات في العالم.

لكن من دون اتخاذ إجراءات حاسمة في وقت قريب، يحذر خبراء من أن انبعاثات الهند ستزداد في السنوات المقبلة وتعطل الجهود العالمية لكبح ظاهرة الاحترار المناخي.

“هدف ضخم”

وتبدو تأثيرات إدمان الهند على استخدام الوقود الأحفوري واضحة، مع سحب من الضباب الرمادي الكثيف التي تلف نيودلهي كل شتاء.

إذ تجتمع انبعاثات مصانع الفحم ودخان عوادم السيارات مع الدخان المنبعث من حرائق المزارع لخنق سكان المدينة الضخمة البالغ عددهم 20 مليون نسمة.

في اليوم الذي كان فيه مندوبو كوب26 يضعون اللمسات الأخيرة على “ميثاق غلاسكو”، أعلنت نيودلهي إغلاق مدارسها لمدة أسبوع لإبقاء الأطفال في الداخل.

ويُلقى باللوم على الضباب الدخاني بالتسبب بأكثر من مليون وفاة سنويا في الهند، وقد وجدت دراسة حديثة أجرتها جامعة شيكاغو أن تلوث الهواء قد يخفض متوسط السن المتوقع بأكثر من تسع سنوات لأربعة من كل 10 هنود.

وتهدف حكومة مودي إلى التخفيف من المشكلة من خلال توسيع نطاق مصادر الطاقة المتجددة، وتعهدت جعل حصة الطاقة الشمسية متساوية مع الطاقة المختلطة مثل الفحم بحلول نهاية العقد.

لكن الهند تفتقر إلى القدرات التقنية العالية لتلبية الطلب على الألواح الشمسية، وتعتمد بشكل كبير على مكونات باهظة الثمن من الخارج، وفقا لفرانس برس.

وحاولت البلاد تحفيز التصنيع المحلي لتكنولوجيا الطاقة الشمسية من خلال زيادة رسوم الاستيراد ورفع كلفة الطاقة المتجددة المولدة بوسائل مستوردة.

وقال سينغوبتا إن هدف الطاقة الشمسية للعام 2030 “هدف ضخم ويصعب تحقيقه. إنه يتطلب توفير الكثير من التمويل والتقنيات الرخيصة”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *