واشنطن – تحدّث خبير الشؤون الاستخباراتية والأمنية بجامعة كارولينا الساحلية الدكتور جوزيف فيتساناكيس عن ثلاثة أسباب يستبعد معها أن تكون الولايات المتحدة قد لعبت أي دور في عملية اغتيال القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) صالح العاروري في بيروت يوم الثلاثاء.
وكان البيت الأبيض قد أكد، على لسان المتحدث الرسمي باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي، عدم وجود أي علاقة للولايات المتحدة من قريب أو بعيد بالهجوم الذي أدى لمقتل العاروري، وجاء تأكيد البيت الأبيض متوافقا مع تقديرات خبراء أمنيين أميركيين تحدثت إليهم الجزيرة نت، وخلصوا للنتيجة نفسها.
على “قائمة الإرهاب”
في إفادته الصحفية في البيت الأبيض، قال كيربي إن “العاروري كان مصنفا إرهابيا ولا ينبغي لأحد أن يبكي على رحيله”. وكانت الحكومة الأميركية قد وضعت اسم العاروري عام 2018 ضمن ما تسميه وزارة خارجيتها “قائمة المطلوبين للعدالة”، ورصدت مبلغ 5 ملايين دولار لمن يقدم معلومات تؤدي لتحديد مكانه أو القبض عليه.
وجاء في إعلان الوزارة الأميركية أن “صالح العاروري هو نائب المكتب السياسي لمنظمة حماس الإرهابية وأحد مؤسسي كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحماس”. واتهمته واشنطن بتمويل وتوجيه العمليات العسكرية لحماس في الضفة الغربية، وأن اسمه ارتبط بعدة هجمات وعمليات اختطاف إسرائيليين.
وأشارت إلى أن “العاروري أعلن مسؤولية حماس عن الهجوم الذي وقع يوم 12 يونيو/حزيران 2014، والذي اختُطف وقُتل فيه 3 شبان إسرائيليين في الضفة الغربية، بمن فيهم المواطن الأميركي الإسرائيلي مزدوج الجنسية نفتالي فرانكل”.
وأشار إعلان الخارجية الأميركية إلى أن العاروري تفاخر علنا بجرائم القتل، ووصفها بأنها “عملية بطولية”. وفي سبتمبر/أيلول 2015، صنفته وزارة الخزانة الأميركية بأنه “إرهابي عالمي” بموجب الأمر التنفيذي رقم (13224).
أسباب تستبعد تورط واشنطن
وفي حديث للجزيرة نت، أكد خبير الشؤون الاستخباراتية والأمنية فيتساناكيس أنه يستبعد أية صلة عملياتية للولايات المتحدة بمقتل العاروري، وذلك لثلاثة أسباب:
- أولا، كانت الحكومة الأميركية واضحة جدا منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي أن همها الإستراتيجي والأساسي هو احتواء الحرب بين إسرائيل وحماس، وقصرها على قطاع غزة فقط (إن أمكن)، أو في أسوأ سيناريو ممكن داخل غزة وإسرائيل والضفة الغربية، وأن مقتل العاروري قد يدفع حزب الله لدخول هذه الحرب، وهو أمر تحاول واشنطن تجنبه يائسة.
- ثانيا، كان العاروري في الواقع نقطة اتصال رئيسية بين قيادة حماس وحزب الله والحرس الثوري الإيراني، وحقيقة أنه وفريقه (6 منهم قتلوا) كانوا يعملون على الأرض في الضاحية الجنوبية، معقل حزب الله، هي شهادة على مدى قربهم من القيادة العليا للحزب، ومن المرجح أن الأميركيين كانوا يأملون أن يتمكن العاروري وغيره من كبار مسؤولي حماس في لبنان من العمل كقنوات للمفاوضات الخلفية مع حزب الله، ومن خلالهم مع إيران، وقد قضى اغتياله على تلك القناة.
- ثالثا، شارك العاروري بنشاط في مفاوضات المصالحة بين حماس والسلطة الفلسطينية، وكان من الممكن أن يساعد وجوده في تسهيل المفاوضات بين حماس وفتح فيما يتعلق بمشهد الحكم في غزة بعد الحرب، ومما لا شك فيه أن قتله سيجعل من السهل على المتشددين في حماس استبعاد أي مفاوضات مع حركة فتح والسلطة الفلسطينية، الذين يعتبرونهما متواطئتين مع إسرائيل في غزة.
اغتيال يخدم إسرائيل
وأشار البروفيسور فيتساناكيس إلى أن مقتل العاروري يخدم أهداف إسرائيل، لكنه لا يتوافق مع أهداف واشنطن. وقال للجزيرة نت إن هذه العملية تحقق في نهاية المطاف 3 أهداف إسرائيلية رئيسية:
- أولا، تصبح إمكانية إجراء نقاش عبر القنوات الخلفية بين الأميركيين وإيران أكثر صعوبة.
- ثانيا، إن احتمال التقارب بين حماس وفتح سيصبح أيضا أكثر بعداً، مما يقلل بدوره من فرص التوصل إلى ترتيب أمني قائم على دور لحركة فتح بعد الحرب في غزة، وهو أمر يرتبط برغبات حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
- ثالثا، يبعث برسالة إلى الأميركيين مفادها أن إسرائيل لن تتردد في تصعيد الحرب، ولمواجهة بعض الانتقادات الصامتة من واشنطن بشأن تعاملها مع الحرب. في حين تشير إسرائيل فعليا إلى نيتها إجبار واشنطن على اتخاذ موقف أقوى لصالحها، وهو ما ستضطر إليه إدارة بايدن إذا رد حزب الله بهجوم واسع النطاق في الأيام المقبلة.
وفي ختام حديثه للجزيرة نت، أشار فيتساناكيس إلى أنه “من المحتمل جدا أن يكون الإسرائيليون قد أبلغوا الأميركيين بالهجوم على العاروري، لكن ذلك حدث على الأرجح قبل وقت قصير من غارة الطائرات من دون طيار التي قتلته هو وفريقه، أو بعد ذلك بوقت قصير”.
ويضيف “لقد كانت طريقة مهذبة للقول نحن نبلغكم احتراما منا، لكننا لا نطلب إذنكم، ومن المرجح أن يكون هذا بمثابة نموذج لكيفية عمل إسرائيل فيما يتعلق بعمليات الاغتيال في الخارج من الآن فصاعدا”.