واشنطن- يعكس توجه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن وآموس هوكشتاين -المبعوث المعني بالملف اللبناني- إلى الشرق الأوسط مخاوف متزايدة في واشنطن من مغبة اتساع نطاق الحرب على قطاع غزة.
وفي إفادة صحفية، أمس الأربعاء، قال مسؤول أميركي رفيع إن بلينكن سيواصل المشاورات الدبلوماسية بشأن الصراع بين إسرائيل وغزة، في حين سيعمل المبعوث هوكشتاين على تهدئة التوترات بين تل أبيب وحزب الله.
ومع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، شهد الشرق الأوسط تطورات مثيرة خلال الأيام القليلة الماضية، بدأت بهجمات نوعية متقدمة لجماعة الحوثيين على سفن تجارية عند مدخل البحر الأحمر، وهو ما استدعى تدخلا عسكريا أميركيا للمرة الأولى.
وأعقب ذلك اغتيال القيادي بحركة المقاومة الإسلامية (حماس) صالح العاروري في العاصمة اللبنانية بيروت، وانتهت بتفجيرات استهدفت المشاركين في إحياء الذكرى الرابعة لمقتل القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني، مخلفة أكثر من 100 قتيل.
أولوية واشنطن
من ناحيته، يقول ديفيد دي روش، أستاذ الدراسات الأمنية بجامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاغون، والمسؤول السابق بحلف شمال الأطلسي (الناتو) ووزارة الدفاع، إن أولوية الولايات المتحدة الآن هي تهدئة الصراع ومنعه من الانتشار.
وفي حديث مع الجزيرة نت، أضاف دي روش أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لا تريد توسيع نطاق الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، واستشهد “باستيعاب الولايات المتحدة أكثر من 100 هجوم ضد جنودها في سوريا والعراق، وبأنها لم ترد بالقوة المميتة إلا على عدة هجمات”.
وتابع أنه “كان هناك أكثر من 20 حادثة أطلق فيها الحوثيون النار على السفن التجارية وسفن البحرية الأميركية في البحر الأحمر، لكن الرد الأميركي الوحيد حتى الآن كان إطلاق النار على زوارق الحوثيين التي أطلقوا النار منها مباشرة على مروحيات البحرية الأميركية”.
ويعتقد أن “الخطر الأكبر لانتشار الصراع في لبنان، حيث كان اغتيال العاروري في قلب منطقة تخضع لسيطرة حزب الله، وقبل يوم واحد من الذكرى السنوية لمقتل سليماني، وهو ما يمثل عملا خطيرا. ومن المؤكد أن إدارة بايدن كانت ستحاول منع إسرائيل من القيام بهذا الهجوم لو علمت به”.
وفي تقدير موقف لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى المعروف بتبنيه للمواقف الإسرائيلية، ذكر مدير برنامج الاستخبارات ومكافحة الإرهاب ماثيو ليفيت وخبيرة الشؤون العربية حنين غدار أنه “حتى لو لم يسعَ حزب الله إلى حرب كبرى، فلا يمكن استبعاد هذا الاحتمال، سواء عبر الصدفة أو عن قصد”.
وغرد تاريتا بارسي نائب رئيس معهد كوينسي في واشنطن -على منصة إكس- معلقا على هذه التطورات بأنها “لحظة خطيرة للغاية، يبدو أن الحرب على مستوى المنطقة أكثر احتمالا يوما بعد يوم”.
رسائل متعددة
وأشار بارسي إلى مقتل ما لا يقل عن 100 شخص في انفجار إحياء ذكرى اغتيال الجنرال سليماني. وربط بين هذه التفجيرات واغتيال إسرائيل العاروري في بيروت، وهي خطوة يُنظر إليها -على نطاق واسع- على أنها تهدف إلى إثارة رد فعل من حزب الله.
وفي الأسبوع السابق، قُتل جنرال إيراني في سوريا على يد إسرائيل. وحتى الآن، ردت طهران بشكل غير مباشر على إسرائيل، يضيف المتحدث ذاته.
ويقول بارسي إن تل أبيب تسعى للتصعيد والانتقال من حربها المنخفضة المستوى مع إيران، إلى حرب مفتوحة. وفي الوقت ذاته ومع استمرار الهجمات الإسرائيلية، تتعرض إستراتيجية طهران لضغوط متزايدة، إذ تجادل مزيد من الأصوات في إيران بأن غياب رد قوي يقوض ردعها.
من جانبه، اعتبر ديفيد ماكوفسكي، المسؤول السابق والخبير بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، في تغريدة على منصة إكس، أن توقيت مقتل العاروري داخل معقل حزب الله في الضاحية الجنوبية في بيروت يحمل رسائل متعددة.
ومن بين هذه الرسائل -وفق ماكوفسكي- أن “تهديدات إسرائيل ذات مصداقية. وعلى وجه التحديد، لا تشككوا في أنها ستستخدم القوة في لبنان بالمعنى الأوسع، وليس فقط ضد مسؤول كبير في حماس”، يقول.
ويضيف في تغريدته، “وفي الوقت الذي تفضل فيه إدارة بايدن العمل الدبلوماسي لتجنب تفاقم الحرب الحالية، تبقى هناك أسئلة عالقة، منها: هل يمكن التوصل إلى اتفاق دبلوماسي؟ وهل يمكن تنفيذه؟ ومن المحتمل أن تقول إسرائيل إن النتيجة الدبلوماسية مفضلة أيضا، ولكن ذلك ممكن فقط إذا تم ردع حزب الله”.
صداع البحر الأحمر
ووسط دعوات متزايدة للرئيس بايدن لإصدار أمر برد عسكري أقوى على الهجمات المتكررة التي يشنها الحوثيون على السفن التجارية بالبحر الأحمر، عقد أعضاء مجلس الأمن القومي اجتماعا في البيت الأبيض، أمس الأربعاء، لمراجعة الخيارات الممكنة، بما فيها توجيه ضربات ضد أهداف للحوثيين في اليمن، وفق تقارير إخبارية.
وحتى الآن، لم يوافق البيت الأبيض على أي من خيارات الضربات على “المتمردين المتمركزين في اليمن التي أعدها الجيش الأميركي”.
إلا أن الجيش الأميركي رد على هجوم شنه الحوثيون عليه ليلة رأس السنة، حيث أطلقوا النار على طائرات مروحية تابعة للبحرية الأميركية من قوارب صغيرة، وردت المروحيات بإطلاق النار، وأغرقت 3 قوارب وقتلت 10 مقاتلين.
وأصدر البيت الأبيض بيانا مشتركا، الأربعاء، مع عدد من الدول الحليفة دانوا فيه هجمات الحوثيين، وحذروا من رد محتمل إذا استمرت الهجمات.
وغردت القيادة الأميركية الوسطى “سنتكوم” -التي تشرف عسكريا على المنطقة الممتدة من باكستان إلى مصر– عبر حسابها على منصة إكس، وقالت إن “الحوثيين سيتحملون مسؤولية العواقب إذا استمروا في تهديد الأرواح والاقتصاد العالمي والتدفق الحر للتجارة في الممرات المائية الحيوية في المنطقة”.