رام الله.. فصول من حياة صالح العاروري ترويها عائلته

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 5 دقيقة للقراءة

رام الله- للوصول الى منزل عائلة الشيخ صالح العاروري، في بلدة عارورة شمال غرب مدينة رام الله بالضفة الغربية، كان علينا سلك طرق بديلة داخل سلسلة من القرى المجاورة، عوضا عن الطريق الأصلية التي أغلقها الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية عملية طوفان الأقصى.

وبعد الإعلان عن استشهاد العاروري في قصف في العاصمة اللبنانية بيروت، تجمّع الشبان وسط بلدته طوال الليل وفي ساعات الصباح، لاستقبال الصحافيين والمعزين في المسجد المجاور لمنزل عائلته، والذي قضى فيه الشهيد سنوات خلال طفولته وفتوته، وحيث رُفعت رايات حركة المقاومة الإسلامية “حماس”.

بدت عارورة وكأنها لم تنم، ولا سيما عائلته وأحفادها، فالمئات كانوا يطرقون باب “عائشة” والدة العاروري، فترد عليهم بـ”الحمد لله” على المصير الذي لقاه ابنها شهيدا كما تمنى، حيث كان يطلب منها أن تدعو له بذلك.

‎⁨المنزل لم يتسع لاستقبال المعزين من قرية عارورة ومن كل الضفة الغربية (الجزيرة)

قضى شبابه في السجن

يفوق منزل عائلة العاروري القديم عمر الاحتلال بسنوات، وهنا ولد وعاش صالح إلى أن بلغ 18 عاما، ثم انتقل لدراسة الشريعة الإسلامية في مدينة الخليل جنوب الضفة، وعند تخرجه كان قد سبق واعتقل من قِبل الاحتلال الإسرائيلي مدة عامين كاملين، وأُفرج عنه لأشهر قبل اعتقاله الثاني الذي امتد 15 عاما.

تتحدث شقيقته الكبرى دلال للجزيرة نت عن تجربته الصعبة وخاصة في الاعتقال الثاني الذي امتد 15 عاما، وكيف أنه غاب في السجون لشهور بدون أن تعرف العائلة عنه شيئا، ولم يُسمح لوالدته برؤيته إلا في قاعة المحكمة بعد عام ونصف من التحقيق العسكري (تحقيق يصاحبه تعذيب عنيف).

تقول دلال: “عندما رأته كان عبارة عن هيكل عظمي، وقد خسر أكثر من 40 كيلوغراما من وزنه بسبب التعذيب والعزل، فلم تتحمل ذلك وغابت عن الوعي”.

وتضيف الوالدة على ذلك بقولها إنها تنقلت بين كل السجون الإسرائيلية لزيارته، وإنها في بعض الأوقات كانت تصل إلى أبواب السجن وتُمنع من رؤيته، كما أنه قضى سنوات متواصلة في العزل.

لكن الزيارة التي حُفرت في ذاكرتها كانت في سجن النقب الصحراوي، حيث عادت في ساعة متأخرة من الليل، ووجدت زوجها (والده) قد توفي ودُفن بدون أن تودّعه، وهو الذي أوصاها عند خروجها من البيت فجرا أن توصل له رسالة: “أبوك بخير ما بدو من الدنيا إلا رؤيتك”.

‎⁨صورة 6- فلسطين- عزيزة نوفل- رام الله- شقيقات العاروري- الجزيرة نت .jpg⁩.jpg
منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول قُطعت أخبار العاروري بالكامل عن عائلته التي كانت تتوقع استشهاده في كل لحظة (الجزيرة)

كان العاروري قد أتم خطبته على فتاة من البلدة قبل اعتقاله الطويل، وبعد الإفراج عنه في 2007 تزوج وسكن في نفس المنزل مع والدته، لكن الاحتلال لم يمهله الكثير، فبعد 3 أشهر أُعيد اعتقاله 3 سنوات أخرى، خرج بعدها مبعدا إلى سوريا.

تتذكر الوالدة خلال حديثها للجزيرة نت، ذلك اليوم الذي خرج فيه ابنها من السجن، وأخبرها بأمر إبعاده، وسألها أن ترافقه، وتقول بحسرة كبيرة كيف أنها فضلت ألّا تراه على أن يبقى في السجن، وأشارت عليه أن يقبل الإبعاد ليبدأ حياته مع زوجته بعيدا عنها.

ومنذ إبعاده عام 2010 لم تجتمع عائشة مع ابنها، ولم تحظَ بالتعرف على أحفادها، والتي حملت إحداهن اسمها، وتواصلت معه طوال سنوات إبعاده عبر الهاتف فقط، ففي كل مرة كانت تحاول السفر تلقت قرارا إسرائيليا بمنعها.

‎⁨صورة 7- فلسطين- عزيزة نوفل- رام الله- والدة الشهيد العاروري عائشة العاروري - الجزيرة نت .jpg⁩.jpg
‎⁨قضى العاروري بعد زواجه عدة أشهر في منزل والدته ثم أعاد الاحتلال اعتقاله ومن ثم إبعاده (الجزيرة)

كان مستعدا لمصيره

توالت أحاديث الشقيقات، وكل منهن تذكر ما يكمل سيرة حياة الشيخ العاروري، تتذكر صفية مثلا تفاصيل آخر مكالمة بينهما صباح السابع من أكتوبر/تشرين الأول مع بدء عملية طوفان الأقصى، عندما انتشرت شائعة اغتياله “قمت بالاتصال به مباشرة، فرد علي ضاحكا أنه بخير، وأضاف “ها هم مقاتلونا قد دخلوا غلاف غزة”.

منذ ذلك اليوم قُطعت أخباره بالكامل عن العائلة التي كانت تتوقع سماع نبأ استشهاده في كل لحظة، كما تقول صفية للجزيرة نت، وتضيف “من اختار هذا الطريق مصيره معروف له ولنا”.

ومما عزز شعور والدته بقرب استشهاده، إرساله لها مبلغا ماليا قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول بقليل، وعندما سألته عن سبب ذلك قال لها إنه “لا يريد أن يترك وراءه دينا”، وطلب منها الدعاء له بالتوفيق بما هو قادم عليه.

‎⁨صورة 3- فلسطين- عزيزة نوفل- رام الله- والدة الشهيد العاروري وشقيقاته - الجزيرة نت ⁩.jpg
‎⁨لم يُسمح لوالدة العاروري برؤيته أثناء اعتقاله الثاني إلا في محاكمته بعد عام ونصف من تغيبه (الجزيرة)

قضينا أكثر من 6 ساعات في منزل العائلة الذي لم يفرغ من “المهنئين” بشهادته، ليس فقط من عارورة وإنما من كل الضفة الغربية، ومن مختلف أطياف الشارع الفلسطيني، فلم يعد المنزل يتسع لهم، فانتقلت العائلة إلى قاعة في البلدة لتلقي التهاني باستشهاده، مدة 3 أيام متتالية.

وبالطبع، لم يرق للاحتلال توافد الفلسطينيين إلى بلدة العاروري ومنزله، فأغلق بعض الطرق المؤدية للقرية بسواتر حديدية، وهو ما اعتبرته العائلة انتقاما منها ومن الشهيد.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *