“القمر المتمرد”.. نبوءة النصر للمقاومة على الحصار الكوني

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

يقدم فيلم “القمر المتمرد.. طفلة النار” (Rebel Moon – Part One: A Child of Fire) -الذي يعرض حاليا على منصة نتفليكس- في بدايته مجتمع الأحلام الذي يقترب من العدالة والسلام ويكتفي ذاتيا من احتياجاته، بل وتفيض محاصيله عبر نشاط جماعي في بقعة يسود بين أهلها التعاطف والتكافل.

ورغم الحصار الذي يضربه “الكوكب الأم”، فإن مجتمع الأحلام يستطيع أن يمنح فوائضه للمقاومة في الكواكب البعيدة، والتي تحاول جاهدة التحرر من مستعمر يطمع في الاستيلاء على خيرات الأرض لإطعام جنوده، ويقرر السيطرة على البلاد كلها، لكنه يواجه بحركة مقاومة تنتشر كالنار في الهشيم انطلاقا من فتاة غامضة.

وتبدو القصة التي يحكيها المخرج زاك سنايدر في فيلمه، أقرب إلى تشخيص حقيقي لكيفية تحول المزارعين الطيبين إلى مقاومين شجعان دفاعا عن الأرض. ويقدم “القمر المتمرد” نبوءة سينمائية بانتصار المقاومة، كما يكشف عن حالة مجتمعية أو حالة عالمية، وإشارات لملامح عالم يعاد تشكيله على أيدي قلة من المقاومين.

اختار المخرج والسيناريست زاك سنايدر أن يقدم إطارا واسعا جدا لفكرته الواضحة للغاية في الفيلم الذي يعد جزءا أولا من سلسلة يتم الإعداد لإطلاقها منذ عقود، وتدور أحداثها في الكون باتساعه اللانهائي.

ويقدم سنايدر -الذي لم يكتف بالعالم أو المجرة أو حتى عدة مجرات- الدراما الأرضية التي نشهدها يوميا في عالم ينقسم إلى دول صغيرة وأخرى هائلة الحجم والإمكانيات، ويدور بين النوعين من الدول صراع دائم على السيطرة ونهب الخيرات وفرض السيادة والنفوذ.

وقد استُهلكت الفكرة في مئات الأفلام من قبل، سواء في إطارها البسيط المتعلق بالصراع بين الأفراد الأقوياء والضعفاء أو الصراع بين الكيانات، أو بين العوالم والكواكب والمجرات. ولعل أقرب النماذج سلسلة “حرب النجوم” (Star Wars) وغيرها. وحاول سنايدر أن يضع عمله في إطار نوع الخيال العلمي، فجاء في أغلب مشاهده تكرارا للعديد من الأعمال التي قُدمت في هذا الإطار.

وتدور قصة “القمر المتمرد.. طفلة النار” حول مستعمرة مسالمة على حافة المجرة مهددة من قبل جيوش قوة حاكمة مستبدة، لتصبح الشابة كورا (صوفيا بوتلا) الغريبة الغامضة التي تعيش بين القرويين، أفضل أمل لهم للبقاء على قيد الحياة. وتُكلف كورا بمهمة العثور على المقاتلين المدربين الذين سيتحدون معها لاتخاذ موقف مستحيل ضد القوة المستبدة، وتجمع مجموعة صغيرة من المحاربين الغرباء والمتمردين والفلاحين والناجين من الحرب التي نشبت بين عوالم مختلفة والذين تجمعهم الحاجة المشتركة للخلاص والانتقام.

شظايا عالم ميت

الكون الذي يقدمه سنايدر المعروف بأفلام الخيال العلمي، هو حالة كابوسية لعالم بدائي النزعة رغم وجود بقع تكنولوجية، وخاصة في مجال التسليح، وهو حالة تجل للظلم السياسي والاجتماعي، رغم وجود بقعة صغيرة تحاول تطبيق قيم العدالة والمساواة بين أفرادها، وهو أيضا كون مستسلم لدولة أو مملكة كبرى، يطلق عليها في الفيلم المملكة الأم، باستثناء بعض مساحات المقاومة التي لا تلبث أن تهزم.

وما يمكن أن يطلق عليه حبكة في “طفلة النار”، هو حدوتة مكررة لمئات المرات. إنها حكاية الشخص الذي يبدأ رحلة لجمع المحاربين أو المقاومين أو الورثة، وفي الطريق يصادف الأهوال ويخوض الحروب التي تنعكس نتيجتها في النهاية على حربه الكبرى.

ورغم ذلك، استطاع صناع العمل أن يشكلوا ملامح قرية مسالمة تزرع الأرض بأيدي أهلها بدلا من الزراعة الآلية، ويحكمها شخص محبوب اختير من قبل سكانها، وبالتالي كسبت القرية الطيبة تعاطف المشاهد.

وفي المقابل، تقتحم قوات “الكوكب الأم” أراضي القرية وتقتل كبيرها، ومن ثم يبدأ أحد مقاتليها في محاولة للاعتداء على فتاة والتعرض لها، وهو الموقف التالي ذو الدلالة، والذي يجعل المشاهد يتخذ موقفا ضد القوات الغازية الأكثر تقدما بمعايير التكنولوجيا.

لم يكن تشكيل انحيازات المشاهد سوى البداية لقصة البطلة “كورا” الفتاة الغريبة الغامضة، والتي جسدت دورها الممثلة الفرنسية ذات الأصل الجزائري صوفيا بوتلا، ونجحت في الدفع بانطباع الغموض بشأن أصولها وقصتها، لكن حوارها في الفيلم افتقد كثيرا للحيوية، فكأن الجمل تتدفق على فمها مدفوعة برغبة في التخلص من الكلمات وليست بغرض التعبير عن المحتوى.

وبالإضافة إلى صوفيا ذات الأصول الجزائرية فعليا، فإن أحد أبطال العمل الثوار ضد ظلم المملكة الأم يدعى “طارق”، وهو ثائر عربي اختار أن يحارب ضمن صفوف المقاومين ضد المملكة المستبدة، وجسّد دوره بحيوية واضحة البريطاني ستاز نير.

ويعود المخرج بالمشاهد لبداية قصة “كورا” الطفلة التي عثر عليها جنرال ورباها وعلمها فنون الحرب، وأصبحت فيما بعد حارسة الأميرة، لكن الجنرال نفسه انقلب على ملكه وحكم الكون بالحديد والنار، وانقلبت كورا بدورها عليه وفرت إلى مجتمع مسالم ومقاوم.

حركة مستعارة

يقدم زاك سنايدر في فيلمه اعترافا ضمنيا بسيادة قانون الغابة في العالم أو في الكون، إذ يسيطر الأكثر قوة دائما، ويجمع الفيلم بين بين مختلف الأعراق المعروفة لنا في كوكب الأرض، لكنه يقدم مخلوقات أخرى من اختراعه؛ تشبه الإنسان في سلوكها، لكنها تجمع بين الإنسان والحيوان في أشكالها.

لم يضع صناع العمل معايير لأشكال أو سلوكيات هذه الكائنات، ولعل النموذج الأكثر كمالا في سياق إبداع الأشكال المختلفة هو المخرج جيمس كاميرون في الجزء الأول من فيلم “أفاتار” الذي قدم مواصفات بيئية محددة إلى علماء البيولوجيا والنباتات، فقدموا له أشكال الحيوانات التي يمكن أن تعيش فيها وتتكيف مع مواصفاته البيئية، وكذلك قدموا مواصفات الأشجار التي ظهرت في الفيلم، فجاءت حالة “أفاتار1” موحدة، بعكس فيلم سنايدر الذي قدم وحوشا قبيحة دون مبرر.

وجاء حركات “الأكشن” في العمل -وخاصة في المعارك الحربية الكبرى التي حسمت الحرب- شبه مستعارة من سلسلة “حرب النجوم” بأجزائها المختلفة، رغم الإضافة الملفتة في مشهد تدخل “كورا ” للدفاع عن الفتاة ضد اعتداء الجندي المستعمر في الفصل الأول من العمل، حيث بدأت الحركة في المشهد.

لم يكتف زاك سنايدر بتقديم نسخة مشوهة من سلسلة حرب النجوم، ولكنه قرر أن يقدم مكانا مختلفا منذ بداية الفيلم إلى نهايته، فاعتمد المبالغة في كل شيء، فكانت الدولة البسيطة المسالمة أقرب إلى أماكن تلقي عظات المسيح في الأفلام التي تستعرض سيرته، لكنها ذات أبواب إلكترونية منزلقة، ولم تكن محتويات البيوت سوى “كراكيب” تتخللها أضواء.

لم يجتهد صناع الأسلحة في تطويرها إلا قليلا، فالمسدس أصبح أكبر قليلا، والطبق الطائر المعروف في الأفلام وبعض الأساطير الإعلامية عُدلت لتصبح شكلا متوسطا بين الطائرة والطبق الطائر. أما ميادين المعركة الكبرى، فجاءت هائلة الاتساع بوجودها السرمدي بين المجرات في كون غير محدود، وبدت الخلفية أقرب إلى صورة مهتزة بلا تفاصيل.

“القمر المتمرد.. طفلة النار” ضربة بداية غير موفقة لسلسلة قد تموت إذا لم يقرر صناعها أن الأصالة هي العنصر الأهم في نجاح العمل الفني.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *