يرى الأكاديمي والبروفسور الفرنسي جان بيير فيليو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اللذين يعولان على عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، سيبذلان قصارى جهدهما لإطالة أمد الحرب على غزة، مما ستكون له آثار كارثية على الاتحاد الأوروبي، سواء في علاقته بالشرق الأوسط أو في أوكرانيا.
ومن المثير للقلق، كما يرى فيليو، أن التعود على الحرب في غزة تم بسرعة أكبر من الحرب في أوكرانيا، رغم أن الخسائر في أوكرانيا عسكرية غالبا، في حين أن عتبة قتل 1% من السكان توشك أن يتم تجاوزها في غزة، مما يعني بالمقارنة بفرنسا مقتل 650 ألف فرنسي، بينهم 250 ألف طفل، بالإضافة إلى ملايين الجرحى والأيتام والمشوهين والمصابين بصدمات نفسية.
ومع ذلك، يقول البروفيسور -في عموده بصحيفة لوموند- لا شيء ينبئ بنهاية هذه المأساة، لأن نتنياهو له مصلحة كبيرة في إطالة أمد الحرب، مع احتمال إعادة انتخاب دونالد ترامب.
وهو بذلك لا يقامر فقط على بقائه السياسي، بل كذلك على ضمان الاحتفاظ بالحصانة كرئيس للحكومة، وإبعاد المتابعات القضائية المفتوحة ضده منذ عام 2019 بتهمة الفساد والاحتيال وخيانة الأمانة، والتي يمكن أن تجره للسجن.
رهان مزدوج
ولهذا السبب، كما يقول فيليو الخبير بشؤون الشرق الأوسط، خصص نتنياهو لجيشه هدفا خطابيا أكثر مما هو عسكري، يتمثل في “القضاء” على حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ليصبح استمرار الأعمال العدائية بالنسبة له هدفا في حد ذاته، ليس فقط للحفاظ على السلطة، ولكن أيضا لإضعاف الرئيس الأميركي جو بايدن، آملا عودة ترامب الذي قدم له الدعم غير المشروط خلال مدة ولايته.
وليس نتنياهو الوحيد الذي يعتمد على هذه الحسابات، فهناك أيضا بوتين المقتنع بأن إعادة انتخاب ترامب ستضمن له النصر على أوكرانيا، ليكون الرابح الأكبر من الحرب في غزة، بعد أن أثبتت الديمقراطيات الغربية عجزها عن الدفاع في الشرق الأوسط عن مبادئ القانون التي باسمها دعمت أوكرانيا، في تجسيد صارخ “للمعايير المزدوجة”.
ومع تزايد احتمالات النجاح الروسي في أوكرانيا مع كل يوم من إطالة أمد الحرب في غزة، يرى فيليو أن الوقت حان كي تستجمع أوروبا قواها لتجنب مثل هذا السيناريو الكارثي، وتقوم بالتعبئة لصالح تسوية دائمة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني بالطاقة نفسها التي بذلتها لدعم أوكرانيا عام 2022.
وخلص الكاتب إلى أن تكاليف تهميش أوروبا لذاتها في ظل الأزمة المستمرة في الشرق الأوسط قد تكون باهظة، مما يعني ضرورة تسخير الاتحاد الأوروبي سياسته القصيرة والمتوسطة الأمد لتحقيق “الهدف الإستراتيجي” الذي حدده لنفسه والمتمثل في حل الدولتين.
وهو ما يقتضي، حسب فيليو، إعادة تقييم كل أشكال التعاون مع إسرائيل وتعليق أي مشروع يعزز، ولو بشكل غير مباشر، الاستيطان في الأراضي المحتلة بالقدس الشرقية والضفة الغربية.
وينبغي، في النهاية، ألا يكتفي الاتحاد بدور الممول لإعادة إعمار المناطق المدمرة في غزة، الدور الذي تسنده له الولايات المتحدة وإسرائيل، لإعفاء نفسيهما من المسؤولية عن مثل هذه الكارثة، مما يعني بالضرورة أن مصير أوروبا في عام 2024، سوف يتحدد في غزة، وفقا لفيليو.